«انفجار علمي» يصاحب جائحة «كوفيد ـ 19»

العلماء يتسابقون في نشر «مسودّات» أبحاثهم حول المرض

عالمة فرنسية تختبر عينة من مياه باريس بحثاً عن آثار «كورونا» في 22 يوليو الماضي (رويترز)
عالمة فرنسية تختبر عينة من مياه باريس بحثاً عن آثار «كورونا» في 22 يوليو الماضي (رويترز)
TT

«انفجار علمي» يصاحب جائحة «كوفيد ـ 19»

عالمة فرنسية تختبر عينة من مياه باريس بحثاً عن آثار «كورونا» في 22 يوليو الماضي (رويترز)
عالمة فرنسية تختبر عينة من مياه باريس بحثاً عن آثار «كورونا» في 22 يوليو الماضي (رويترز)

بعدما غيرت جائحة «كوفيد - 19» وجه الأرض، ووضعت بصماتها القاتلة على وجه البشرية، مثيرة جواً من الهلع والارتباك لم يسبق له مثيل، تسابق العلماء، وفي سعيهم لفهم جوانب المرض وأعراضه ومضاعفاته، لإجراء أبحاث متنوعة، وسارعوا إلى نشر «مسودات» نتائجها بدل الانتظار لاكتمالها شكلياً، لعرضها في مجلدات المجلات العلمية الرصين.
وبهذا فقد نجح «كوفيد - 19» في دفع عجلة العلم نحو مصاف جديدة، يتمثل أهم ملامحها في تقريب النتائج العلمية السريعة إلى أذهان وقلوب الجمهور العريض أيضاً. وهذا ما يعجل في تحويل العلم إلى منظومة أكثر انفتاحاً من ذي قبل.
ويعزو المراقبون هذا الانفتاح العلمي إلى سرعة نشر «المسودات» العلمية، وتبادلها، وتناقلها. وهذه المسودات ليست سوى «المخطوطات» الأولى للأبحاث العلمية التي تقدم عادة إلى هيئات تحرير المجلات العلمية، التي تتألف من علماء مرموقين يدرسونها. وهكذا وبدلاً من المرور بالسبيل التقليدي للنشر الذي قد يطول لأشهر، بل إلى سنوات، فإن المسودة يمكن أن تنشر خلال أيام، وتكون متاحة من دون أجور لكل أصحاب الشأن.

- تشارك علمي
لا يعد نشر المسودات أمراً جديداً، بل إنه يعود إلى الستينات من القرن الماضي، حيث وضعت معاهد الصحة الوطنية الأميركية تجربة لتبادل المعلومات بسرعة من خلال نشر المسودات العلمية.وأدى تطور التكنولوجيا إلى إنجاح تلك التجربة، إذ تشارك علماء الفيزياء والرياضيات والكومبيوتر مسوداتهم عبر خادم كومبيوتري يدعى «آرزيف» (ArXiv)، أخذاً بالعمل عام 1991 في مشروع رائد لنشر المسودات في العصر الرقمي. ثم ظهر عام 2013 الخادم الكومبيوتري «بايوآرزيف» (BioRxiv) لمسودات الأبحاث الطبية والبيولوجية، أعقبه «ميدآرزيف» (MedRxiv) لمسودات العلوم الطبية عام 2019.
وتوسع نشر المسودات من عام لعام، إذ وبعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية «كوفيد - 19» جائحة عالمية، نشرت في مارس (آذار) من هذا العام 8830 مسودة دراسة طبية وبيولوجية، بزيادة 142 في المائة عما نشر العام الماضي.
وخلال الشهور العديدة الماضية، نشر نحو نصف الدراسات حول «كوفيد - 19» على شكل مسودات الأبحاث، وصل عددها إلى 18000 مسودة بحلول يوليو (تموز) الماضي.
كما قفزت أعداد القراءات على هذه الخوادم الكومبيوترية بشكل كبير، إذ وصلت على «ميدآرزيف» إلى 15 مليوناً، شهرياً، مقابل مليون فقط قبل حلول الجائحة.
وللمقارنة مع أحداث مماثلة عند حدوث وباء «إيبولا» عام 2014، و«زيكا» عام 2015، فلم تنشر حينها إلا 5 في المائة من الأبحاث على شكل مسودات يمكن مشاركتها بسرعة. وهذا ما أضاع على العلماء فرصة كبيرة لتبادل المعلومات، خصوصاً وأن كل مسودة لا يمكنها أن تصل إلى النشر في المجلات الرصينة إلا خلال ما لا يقل عن 100 يوم. أما أغلب الأبحاث حول وباء «سارس» عام 2003، فلم تنشر إلا بعد أن انحسر الوباء.
- الفيروس «المصنّع»
رغم النقائص التي ترافق المسودات التي تعتبر مخطوطات مستعجلة لم يتم تهذيب نتائجها، إلا أنها تؤسس إلى نموذج جديد من التواصل بين العلماء، فهي تكسر الحواجز بين العلوم المختلفة، وتحفز على التعاون، وتسرع في نشر المعلومة، كما توسع بشكل عريض من الحضور العلمي من مشاركين يمكنهم تقييم ونقد، بل ودحض نتائجها... كل ذلك في الزمن الفعلي.
وقد سلطت الجائحة الوبائية الحالية الضوء على قدرة المجموعات العلمية على التنظيم الذاتي لنفسها، والقيام بدورها في النقد، وتقييم النتائج العلمية الجديدة. وبينما تعاني الطريقة التقليدية للنشر من بعض النقائص، من بينها قيام عدد محدود من المختصين بدراسة النتائج وتقييمها، فإن تشارك المئات من العلماء في التقييم يضفي أهمية كبرى على دور وسيلة نشر المسودات هذه.
وقد نجحت هذه الوسيلة في تفنيد نتائج مسودة علمية أفادت بأن التسلسل الجيني لفيروس «سارس - كوفيد - 19»، كما يرمز له علمياً، يظهر أنه فيروس مصنّع، إذ سارع عدد من العلماء إلى تشخيص أخطاء طريقة إجراء الدراسة فوراً.
وخلال 48 ساعة، أعلن مؤلفو تلك الدراسة رسمياً عن سحبها. وهكذا تثبت أداة نشر المسودات أنها منصة فعالة جداً يمكن للمئات والآلاف من العلماء تحليل وتقييم ونقد ودحض النتائج على أعلى المستويات العلمية للتقييم.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.