«السجناء الزرق» لزينة دكاش مرشح لجائزة في «مهرجان البندقية»

تطمح زينة دكاش لحصد الجائزة لإكمال مشوارها مع المساجين
تطمح زينة دكاش لحصد الجائزة لإكمال مشوارها مع المساجين
TT

«السجناء الزرق» لزينة دكاش مرشح لجائزة في «مهرجان البندقية»

تطمح زينة دكاش لحصد الجائزة لإكمال مشوارها مع المساجين
تطمح زينة دكاش لحصد الجائزة لإكمال مشوارها مع المساجين

عوّدتنا مؤسسة «كتارسيس» للعلاج النفسي بواسطة الدراما على تناولها موضوعات إنسانية ضمن أفلام سينمائية وثائقية من تنفيذ رئيستها المخرجة زينة دكاش.
وبعد فيلمي «12 لبناني غاضب» و«شهرزاد» اللذين كشفت فيهما عن معاناة السجناء من نساء ورجال في لبنان، ها هي اليوم تطالعنا زينة دكاش بعمل سينمائي وثائقي جديد بعنوان «السجناء الزرق». يحكي الفيلم عن قصص سجناء مرضى نفسيين موجودين في سجن رومية اللبناني، حُكِم عليهم بالحبس إلى حين شفائهم. وهي مدة غير محددة، توازي بقسوتها أحياناً كثيرة عقوبات الأشغال الشاقة والمؤبد. فهؤلاء يعانون من الإهمال ومن عدم المتابعة لأوضاع صحتهم النفسية، بحيث نسوا هم أنفسهم تاريخ دخولهم السجن.
ويرشح فيلم «السجناء الزرق» اليوم لجائزة «فاينال كات فينيس» في «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» في نسخته الـ77 الذي يجري بين 2 و12 سبتمبر (أيلول) المقبل. ويأتي ترشيحه من لبنان إلى جانب عمل آخر للمخرج إلياس داغر، «فيلم جنى»، إضافة إلى 4 أفلام أخرى عربية اختيرت من المغرب والجزائر وسوريا وتونس.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تؤكد زينة دكاش مخرجة الفيلم، أن ترشيح فيلمها إلى هذه الجائزة يفتح أمامه فرصاً وأسواقاً كثيرة يمكن أن ترشحه للمشاركة في مهرجانات سينمائية عالمية. وتضيف: «رغم أنني أحببت عمليّ السابقين (12 لبناني غاضب و(شهرزاد)، فإن فيلم (السجناء الزرق) يختلف عن سابقيه، وتعلّقت بأحداثه كثيراً، كما أتأمل فيه الخير».
مدة الفيلم تبلغ نحو 75 دقيقة، تتناول فيه دكاش معاناة هؤلاء المساجين الذين تصل إقامة بعضهم في المبنى الأزرق التابع لسجن رومية إلى أكثر من 35 عاماً.
«هذا المبنى كان قد تم بناؤه من قبل شقيق أحد المحكومين عليهم في سجن رومية لارتكابه جريمة قتل. ولأن المجرم يعاني من مشكلات نفسية قرر أخوه أن يبني له هذه العمارة ليعيش فيها نظراً لأوضاعه النفسية الحرجة. وبعدها صارت إدارة سجن رومية تحيل إليه المجرمين من المرضى النفسيين». تشرح زينة دكاش في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «رغبت في هذا الفيلم للإضاءة على أوضاع المساجين المرضى الذين، حسب قانون العقوبات في لبنان، يُحكَم عليهم بالحبس إلى حين الشفاء. ولكن هل يمكنهم أن يُشفوا من دون أي متابعة؟ لا سيما أن المرضى المجانين والممسوسين والمعاتيه كما يسمونهم في قانون العقوبات يتم حجزهم في مأوى احترازي، لحين ثبوت شفائهم. وهو أمر خاطئ إذ لا نشفى من هذه الأمراض بل نصل في علاجها إلى حالة استقرار مرضية».
تهدف دائماً زينة دكاش في أعمالها إلى الوصول لحلول جذرية تضمن مستقبلاً أفضل للمساجين. وهو ما استطاعت تحقيقه في فيلم «12 لبناني غاضب»، الذي استطاع أن يخرج إلى العلن سوء معاملة المساجين. الأمر الذي أدّى إلى تخفيض عقوبات مساجين كثيرين خرجوا على أثره من السجن. في حين أن مسرحية «شهرزاد» التي تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي يتناول أوضاع سجينات بعبدا أسهم في الحد من العنف الأسري. «في (شهرزاد) سلطت الضوء على العنف الأسري، وما يمكن أن يتأتى عنه من جرائم قتل تكون بمثابة الحل الأوحد لدى المرأة المعنّفة»، تعلق دكاش.
ومع مسرحية «جوهر في مهب الريح» ألقت زينة الضوء على أوضاع المساجين المرضى، بعد أن مثل أدوارهم سجناء عاديون. وتقول في هذا السياق: «اليوم نكمل ما بدأناه مع هذه المسرحية للوصول إلى تعديل قانون العقوبات (الحبس إلى حين الشفاء). وهو قانون قديم جداً تم سنّه في عام 1943 فكان مجحفاً بحق مساجين عديدين. كما سيكون الفيلم بمثابة رسالة توعوية لكل لبناني، إذ إننا جميعنا معرضون للإصابة بمرض نفسي. وقد يرتكب أحد معارفنا أو أقربائنا جريمة ما بسبب مرضه النفسي هذا. ولذلك المطلوب إخراج السجين الذي استقر وضعه الصحي، وفي المقابل متابعة علاج فعال لمرضى آخرين».
وتُعدّ جائزة «فاينال كات فينيس» بمثابة ورشة عمل تختار 6 أفلام غير مكتملة تستحق العمل عليها وتسويقها لمنصات ومهرجانات عالمية. وعادة ما تتألف الجائزة من مبلغ مالي يقدم لصاحب الفيلم لإكمال عمله. فيستفيد من المبلغ لتسجيل الصوت أو تنقية الصورة أو للإسهام بحملاته الإعلانية وغيرها من العمليات التقنية التي يحتاج إليها. «من جهتي، كان ينقصني التسجيل الصوتي، ومنذ أن تم الإعلان عن ترشيحه للجائزة، فُتحت أمامي أبواب كثيرة كنت أطمح لملاقاتها وولوجها». توضح زينة دكاش في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
وكانت دكاش قد استطاعت من خلال متابعتها هؤلاء المساجين المرضى إقرار إطلاق سراح 3 منهم، استقبلتهم «مؤسسة الأب مجدي العلاوي»، في ظل عدم وجود أقرباء لهم يستطيعون احتضانهم.
190 ساعة تسجيل وتصوير من جلسات العلاج بالدراما مع المساجين المرضى تطلبت من زينة دكاش نحو 3 سنوات تحضير ولقاءات وحوارات مع المساجين تم اختصارها في 75 دقيقة، لتؤلف مدة عرض الفيلم. «أتمنى أن يعرض (السجناء الزرق) في الصالات اللبنانية للوقوف على الرسالة الإنسانية والتوعوية اللتين يحملهما». تقول زينة التي انكبّت على العمل مع المساجين في العلاج الدرامي بسبب أستاذها الجامعي. «كان يدعى آرماندو بونزو الذي تابعت صفوفه خلال دراستي في إيطاليا، فأُعجبت بالجهد الذي يبذله من أجل التخفيف من معاناة المساجين، وقررت إكمال رسالته هذه في بلدي لبنان».
وعلى أمل أن يحصد فيلم «السجناء الزرق» جائزة «فاينال كات فينيس»، بعد أن تم اختياره من بين 55 فيلماً، تقول زينة دكاش مختتمة حديثها: «إنه فيلم لا يشبه غيره، وإذا ما حصد الجائزة فذلك يعني أن أمامي مشواراً طويلاً وجميلاً عليّ القيام به في إطار العمل من أجل المساجين».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».