«اشترِ الآن وادفع لاحقاً»... استراتيجية تستهدف الجيل الجديد

مواقع التسوق الإلكتروني توفرها لتحفيز حركة البيع

فكرة الدفع لاحقاً ليست جديدة لكنها أصبحت تستهدف جيل الشباب أكثر
فكرة الدفع لاحقاً ليست جديدة لكنها أصبحت تستهدف جيل الشباب أكثر
TT

«اشترِ الآن وادفع لاحقاً»... استراتيجية تستهدف الجيل الجديد

فكرة الدفع لاحقاً ليست جديدة لكنها أصبحت تستهدف جيل الشباب أكثر
فكرة الدفع لاحقاً ليست جديدة لكنها أصبحت تستهدف جيل الشباب أكثر

جائحة أصابت الملايين حول العالم وأودت بحياة الآلاف في 6 أشهر، والخوف الآن أنها تستجمع قواها لتعصف بحياتنا من جديد وفي أي وقت. المؤشرات تقول إن الكمامات لن تختفي قريبا، والتباعد الاجتماعي لن يُلغى، والتسوق في المجمعات الكبيرة غير منصوح به على الإطلاق. زيارة خاطفة لأي من هذه المجمعات تُشعرك كما لو أنك دخلت مدينة أشباح. فحتى التي كانت تعج بالزوار والسياح أصبحت ساكنة تنتظر الفرج وهي تعرف أنه لن يأتي قبل 2021. أغلب هذه المحلات حاولت تدارك خساراتها بتطوير مواقعها الإلكترونية. أمر بدأته قبل الجائحة وكانت تأمل بأن يكون مكملا موازيا للتسوق الفعلي وليس بديلا له، لكن تأتي الرياح ما لا تشتهي السفن. فآمالها الآن معقودة عليه. بات عليها أن تُغذيه وتطوره من خلال خطط تستهدف استدراج الزبائن وتشجيعهم على الشراء بأي شكل. من بين هذه الخطط تقديم خدمة «اشتر الآن وادفع لاحقا».
كانت البداية عندما لاحظ موقع «كارا كارا» المتخصص في بيع منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة على شاكلة «تي كي ماكس» البريطاني و«تي جي ماكس» الأميركي، أن سلوكيات العديد من الزبائن في بداية الجائحة تغيرت.
فلأنهم خائفون من المستقبل، لا يميلون إلى صرف مبالغ كبيرة، ويفضلون أن يقتطع جزء من المبلغ على دفعات كل شهر وعلى مدى سنة أو أكثر. بهذه الطريقة «يشعرون بالاطمئنان أكثر» حسب ما تقول رايتشل غانون، من موقع «كارا كارا». مضيفة أنه منذ أن أضيفت خانة «الشراء الآن والدفع لاحقا» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، زاد الإقبال على هذه الخدمة وعلى الشراء بصفة عامة.
ورغم أن الشراء بالدين ليس وليد جائحة كورونا، وبدأ في بداية القرن الماضي، وإن بشكل مختلف نوعا ما، بعد أزمة 1929، فإن حجم الإقبال عليه زاد بشكل غير مسبوق بعدها، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار انتعاش التسوق الإلكتروني في فترة الحجر الصحي. لتشجيعهم على صرف مبالغ كبيرة، عمدت العديد من هذه المواقع مثل «أسوس» و«درانكن إليفونت» و«سيفورا» و«أديداس» و«أوسكار دي لارونتا» وغيرهم كُثر على التعاقد مع شركات بنكية، مثل شركة «آفتر باي» التي صرحت بأن أرباحها تضاعفت لتصل إلى 3.8 مليار دولار في الشطر الأخير من شهر يونيو (حزيران) الأخير مقارنة بأرباحها في الشهر نفسه من العام الماضي. ما أكدته هذه الخدمة أنها تبث الشعور بالاطمئنان لدى المتسوق، لأن ينظر إلى المبلغ الشهري على أنه صغير ومقدور عليه. ما يشجعه أكثر علمه أنه لن يدفع أي فائدة عليه في المستقبل القريب. مواقع التسوق وبيوت الأزياء في المقابل تدفع ما بين 4 و6 في المائة على كل عملية شراء، وهي نسبة عالية مقارنة بما يمكن أن تدفعه في حال اختار الزبون استعمال بطاقة الفيزا مثلا. ورغم ذلك ركبت هذه الموجة لكيلا تتأخر على الركب ولجذب الزبون إليها وتحفيزه على التسوق. تجدر الإشارة إلى أن أغلب الشركات البنكية التي تتعامل معها هذه المواقع، مثل «آفتر باي» ومقرها في سيدني و«كلارنا» السويدية وغيرها، تأسست في عام 2009، بعد أزمة 2008. وهي التي تتولى الجانب المالي وليست مواقع التسوق أو بيوت الأزياء التي تتعامل معها.
في حال تعرض الزبون لمشكلة عدم القدرة على الدفع لأي سبب من الأسباب، فإنها لن تخسر من الجانب المادي، لكنها يمكن أن تخسر سُمعتها. فالزبون يتعامل معها مباشرة ويثق فيها وفي أغلب الأوقات لا يعرف اسم الشركة التي تُموله. هذه الشركات تعتمد على الجيل الصاعد أكثر من غيره وتأمل بأن يزيد الإقبال على هذه الخدمة، خصوصا بعد أن شهدت ارتفاعا في أرباحها في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ عام 2014. في العام الماضي تعدت أرباحها في الولايات المتحدة 161 مليار دولار حسب شركة «ترانس يونيون»، وهو ما يشجع شركات أخرى مثل «كلارنا» أن تدخل هذا المجال بكل قواها.
بيد أنه لا يمكن تجاهل أن هذه الخدمة تثير كثيرا من الجدل. الرافضون لها يبررون رفضهم بأنها توقع الزبائن، وأغلبهم من الشباب، في ديون هم في غنى عنها، ويطالبون بقوانين صارمة تحفظ حق الزبون كما تحفظ لبيوت الأزياء والمصممين العارضين في هذه المواقع سُمعتهم في حال تعرض هذا الزبون للمشاكل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».