«الغسّالة» ينافس أفلاماً «قديمة» في موسم «الأضحى» بمصر

حقق أرباحاً ضعيفة بسبب «إجراءات كورونا»

ملصق فيلم الغسالة (الشركة المنتجة)
ملصق فيلم الغسالة (الشركة المنتجة)
TT

«الغسّالة» ينافس أفلاماً «قديمة» في موسم «الأضحى» بمصر

ملصق فيلم الغسالة (الشركة المنتجة)
ملصق فيلم الغسالة (الشركة المنتجة)

شهدت دور العرض السينمائي في مصر إقبالاً ضعيفاً، بموسم عيد الأضحى، قدرّه بعض المنتجين بأقل من 25%، وهي النسبة الحكومية المقررة، وذلك في أول اختبار حقيقي لصناعة السينما المصرية بعد «أزمة كورونا»، وافتتح فيلم «الغسّالة»، بطولة هنا الزاهد، وأحمد حاتم، ومحمود حميدة، وتأليف عادل صليب، وإخراج عصام عبد الحميد، الموسم قبل عدة أيام، وسط حالة ترقب كبيرة من المتابعين والمنتجين في ظل الالتزام بالإجراءات الاحترازية الحكومية التي تحدد نسبة الحضور وتلغي بعض الحفلات المسائية.
وحسب الموزع السينمائي المصري محمود دفراوي، فقد حقق فيلم «الغسالة» إيرادات «معقولة» خلال أيام العيد، فبينما لم يحصد الفيلم سوى 166 ألف جنيه (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيها مصرياً)، في يوم وقفة العيد، بدأ بالارتفاع التدريجي في حجم الإيرادات، حيث حقق في أول يوم بالعيد مبلغ مليون جنيه، ثم حقق في ثاني يوم من إجازة العيد مليون و600 ألف جنيه، وثالث يوم حافظ على نفس المستوى بتحقيقه مليوناً و686 ألف جنيه. وفي رابع أيام العيد حقق مليوناً و400 ألف جنيه.
وتدور قصة الفيلم في إطار خيالي حول دكتور في كلية العلوم يسعى لاختراع غسالة زمنية تساعده على التخلص من الشوائب في ماضيه كله.
وعبرّ أحمد بدوي مدير عام «سينرجي فيلمز» المنتجة للفيلم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن رضا الشركة عن الإيرادات التي حققها الفيلم خلال أيام العيد رغم عدم شغله لنسبة الـ25% كاملة، قائلاً: «حقق الفيلم في الحفلات المسائية إشغالاً وصل لنسبة 21% وفي الحفلات الصباحية حقق 18% وبالطبع الإيرادات التي حققها تعد معقولة لأنه ليس فيلماً مرتفع التكلفة مع النظر لعدم تشغيل حفلتي التاسعة ومنتصف الليل في كل المولات التجارية بالقاهرة والإسكندرية بسبب الالتزام بقرار مجلس الوزراء ضرورة الإغلاق في تمام العاشرة مساءً».
وأكد بدوي جدية الشركة في طرح فيلمين جديدين في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها البلاد، ولكن بشرط ارتفاع نسبة التشغيل لـ50%، قائلاً: «لن نطرح أفلاماً مرتفعة التكلفة بالطبع في ظل عدم الاستقرار الحالي أبداً، ولكن نفكر جدياً في طرح أفلام متوسطة أو منخفضة التكلفة في دور العرض خلال الفترة المقبلة وهما (الصندوق الأسود) بطولة منى زكي ومصطفى خاطر، و(عفريت ترانزيت) بطولة بيومي فؤاد ومحمد ثروت وأحمد فتحي».
ورغم مرور أكثر من 6 أشهر على عرض أفلام موسم «إجازة منتصف العام الدراسي» فإن دور العرض السينمائي لا تزال تعرض أفلاماً من ذلك الموسم إلى جانب فيلم «الغسالة» الذي يعد الفيلم المصري الجديد الوحيد الذي يراهن كثيرون عليه في كسر حالة الجمود التي خلّفتها «أزمة كورونا» على صناعة السينما. لا سيما بعد موافقة منتج فيلم «صاحب المقام» على عرضه على إحدى المنصات الرقمية للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية جراء «كورونا».
ومن بين الأفلام التي تُعرض حتى الآن «لص بغداد» بطولة محمد عادل إمام وأمينة خليل، وحقق نحو نصف مليون جنيه مصري خلال إجازة العيد، وفيلم «الفلوس» بطولة تامر حسني وزينة والذي حقق في الأيام ذاتها مبلغ 256 ألف جنيه، وفيلم «بنات ثانوي» بطولة جميلة عوض وهنادي مهنّى الذي حقق في نفس الأيام مبلغ 10 آلاف و400 جنيه فقط.
من جهته، عبّر الموزع المصري لؤي عبد الله، صاحب دور عرض «جالاكسي مول العرب» و«المنيل» و«كايرو فيستفال سيتي» و«جرين بلازا» في الإسكندرية عن استيائه من نسبة الإشغال والإقبال التي شهدتها دور العرض السينمائي في مصر على مدار أيام عيد الأضحى وأوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» فروق نسب التشغيل والمكسب والخسارة بين موسمي عيد الأضحى الحالي والماضي، قائلاً: «إغلاق حفلتي التاسعة مساءً ومنتصف الليل أثّرا بشكل كبير للغاية في نسبة الإيراد العام، فهاتان الحفلتان كانتا تحققان مجتمعتين في يوم واحد في العيد إيراداً يوازي ما حققه فيلم (الغسالة) على مدار أيام العيد مجتمعة، وفي العام الماضي، حققت سينمات مصر مجتمعة مبلغ 18 مليون جنيه خلال يوم واحد في موسم العيد، مقارنةً بمليون ونصف فقط هذا العام».
وأرجع عبد الله هذه الخسارة إلى عدة أسباب، قائلاً: «فيلم (الغسالة) ليس لنجم جماهيري له شعبية واسعة بين الناس وبالتالي ليس جاذباً بشكل كبير، ومع ذلك لا ألوم أي منتج صاحب فيلم مرتفع التكلفة يقوم ببطولته نجم معروف لأنه لو طرح فيلمه في ظل الظروف الراهنة سيخسر خسارة بالغة، بالإضافة إلى خوف الجمهور من الوجود في أماكن مغلقة في ظل جائحة (كورونا)، مع مراعاة انخفاض عدد الحفلات التي يتم تشغيلها على مدار اليوم، فمثلاً في (جالاكسي مول العرب) نعمل بنحو 5 حفلات فقط مقارنةً بـ9 العام الماضي، وعدم تشغيل قاعات كاملة، والالتزام بفارق كبير في التوقيت بين الحفلات للقيام بإجراءات التعقيم».
وشهدت دور العرض في مصر، استمرار عرض عدد من الأفلام الأجنبية ومن بينها «الرجل الخفي» بطولة إليزابيث موس، و«القناع الحديدي» بطولة جاكي شان، و«الصبي» بطولة كاتي هولمز، و«التميمة» بطولة كارلا جوري، و«محتقن بالدم» بطولة فان ديزل.
وشهد موسم عيد الأضحى العام الماضي، عرض 5 أفلام من بينها الجزء الثاني من «الفيل الأزرق» بطولة كريم عبد العزيز وهند صبري ونيللي كريم والذي حقق 104 ملايين جنيه، والجزء الثاني من «ولاد رزق» الذي تجاوزت إيراداته 100 مليون جنيه وشارك في بطولته أحمد عز وعمرو يوسف وأحمد الفيشاوي وأحمد داود، وكذلك فيلم «خيال مآتة» الذي حقق 38 مليون جنيه وشارك فيه أحمد حلمي ومنة شلبي، والجزء الثاني من «الكنز» الذي حقق 6 ملايين جنيه، واشترك فيه محمد سعد وهند صبري ومحمد رمضان، وأخيراً فيلم «انت حبيبي وبس» محققاً 3 ملايين جنيه إيرادات وشارك في بطولته صافيناز ومحمد ثروت.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)