الحياة الغريبة للأشياء في زمن «كورونا»

مؤسسات عالمية تعمل على أرشفة تصميمات فترة الحجر

صارت الكمامات الواقية من أبرز رموز الأزمة الصحية الراهنة
صارت الكمامات الواقية من أبرز رموز الأزمة الصحية الراهنة
TT

الحياة الغريبة للأشياء في زمن «كورونا»

صارت الكمامات الواقية من أبرز رموز الأزمة الصحية الراهنة
صارت الكمامات الواقية من أبرز رموز الأزمة الصحية الراهنة

المقصورات البلاستيكية التي تخيم فوق طاولات المطاعم. والقضبان المطاطية المستخدمة في الضغط على أزرار المصاعد. والمقاعد المحمولة المثبتة إلى أعمدة الإنارة خارج المتاجر ليجلس عليها المتسوقون الذين ينتظرون دورهم في الدخول لابتياع احتياجاتهم. والفساتين ذات التنانير التي يتجاوز قطرها 6 أقدام. والمقصورات الخاصة في صالات الألعاب الرياضية للمحافظة على انفصال الرواد أثناء ممارسة التمارين. والأكمام البلاستيكية التي تستخدم في العناق داخل دور رعاية كبار السن. والكمامات الواقية من كل شكل وصنف ولون يمكن تصوره.
أطل علينا فيروس كورونا المستجد خلال الشهور القليلة الماضية بمجموعة جديدة تماماً من الأشياء التي تساعدنا في التعامل مع الواقع الصحي الجديد، وقرارات الإغلاق العامة، ومعايير التباعد الاجتماعي، بل والاحتجاجات الشعبية أيضاً. وبعض هذه الأشياء تعتبر ساذجة وغير واقعية ذات تصورات تخمينية لم يكن لها أن ترى النور لولا الأزمة الراهنة. والبعض الآخر منها؛ مثل كوكتيلات العصائر المحفوظة في أكياس بلاستيكية، ومقاييس الحرارة، أو العلب المستخدمة في تقسيم الأشياء، باتت متداولة ومعروفة على نطاق واسع بالفعل. وبعض منها ليس جديداً علينا على الإطلاق، على غرار الأدوات المنزلية المألوفة مثل زجاجات رش الرذاذ أو لفائف ورق التواليت، التي اكتسبت أهمية كبيرة وجديدة بسبب ندرتها المفاجئة أو الاحتياجات غير الاعتيادية لها.
تقول آنا تالي، وهي طالبة درجة الماجستير في تاريخ التصميم لدى الكلية الملكية للفنون ولدى متحف فيكتوريا وألبرت في المملكة المتحدة: «صرت أفكر كثيراً فيما سوف تقوله مثل هذه الأشياء عن وباء كورونا في المستقبل». وقامت الطالبة تالي - رفقة زميلتها الطالبة فلور إلكيرتون - بإعداد أرشيف إلكتروني موسع عبر شبكة الإنترنت تحت اسم «التصميم في زمن الحجر الصحي». وبعض الأشياء التي يضمها الأرشيف غريبة الأطوار للغاية، أو تتسم بقدر واضح من السخافة، على غرار تلك القبعة الكبيرة للغاية التي كانت توزعها سلسلة مطاعم «بيرغر كينغ» في ألمانيا في شهر مايو (أيار) الماضي.
تقول ألكسندرا لورد، وهي رئيسة قسم الطب والعلوم لدى متحف «سميثسونيان» الوطني للتاريخ الأميركي، وهي تساعد في قيادة فريق عمل المكلف بجمع التصاميم لمختلف الأعمال والأشياء لصالح المتحف في زمن وباء كورونا المستجد: «يمكن لتلك الأشياء أن تعطينا فكرة جيدة ونظرة ثاقبة حول الفترة الزمنية الراهنة وبصورة قد لا تتمكن الوثائق المؤرشفة أن تقوم بها». وكما الحال لدى العديد من المتاحف الأخرى، يشارك أمناء المتاحف راهناً فيما بات يسمى «جمع الاستجابة السريعة»، في محاولة منهم لجمع المواد والأشياء حتى مع ظهور واستمرار أزمة الوباء الحالية. ولقد زادت طبيعة الوباء الراهن من صعوبة جمع الأشياء المادية، غير أن لورد وزملاءها استمدوا الأفكار والعروض المختلفة من الجمهور. وهم يحاولون تحديد المواد والأشياء التي سوف تكون ذات أهمية بالنسبة إلى المؤرخين والمشاهدين في المستقبل، حتى مع استمرار الأزمة الراهنة.
تقول ألكسندرا لورد عن ذلك: «نحن كمؤرخين نفضل أن تكون لدينا نظرة مرجعية، ولكننا نعرف بالفعل أن بعض الأشياء مثل أجهزة التهوية سوف تشكل جزءاً مهماً لا يتجزأ من القصة». كما صارت الكمامات الواقية أيضاً من أبرز رموز الأزمة الصحية الراهنة، ويبدو ذلك واضحاً في العديد من الأشكال والأصناف والألوان التي تتخذها الكمامات الواقية حالياً: من الكمامات المصنعة يدوياً، وكمامات (N 95) الطبية، والكمامات المتسقة مع خطوط الموضة العالمية، فضلاً عن الكمامات القابلة لإعادة الاستخدام، وتلك التي يمكن التخلص منها بكل سهولة.
وكان المؤرخون في جمعية نيويورك التاريخية يعملون منذ منتصف شهر مارس (آذار) الماضي على جمع المواد والأشياء المختلفة، في محاولة مستمرة منهم لجمع الأشياء التي تتلو قصة محددة عن تجربة المدينة في مواجهة الوباء. ولقد شرعوا في صياغة قائمة رغبات تشتمل على لافتات تشير إلى إغلاق المتاجر والمحلات في مختلف اللغات المعروفة، وجمع الزجاجات من معامل التقطير تلك التي تحولت إلى عبوات تحتوي على مطهرات الأيدي، فضلاً عن بطانية طفل رضيع جاء مولده في زمن الوباء.
تقول لويز ميرير، وهي رئيسة مجلس الإدارة والمدير التنفيذي في جمعية نيويورك التاريخية، في شهر مايو (أيار) عندما كان أندرو كومو حاكم الولاية يقدم الإحاطات الصحافية بصفة يومية: «هناك قميص بولو أبيض اللون يميل حاكم الولاية إلى ارتدائه أثناء تقديم الإحاطات الصحافية اليومية، ونحن نرغب في الحصول على هذا القميص كي نضمه إلى مقتنيات الجمعية، ولسوف نطلب من الحاكم التبرع بهذا القميص لصالح الجمعية».
كما تسعى جمعية نيويورك التاريخية أيضاً إلى العثور على الأشياء التي توضح بصورة جلية الخسائر الشخصية الناجمة عن الوباء - وهي من بعض أصعب الأشياء التي يمكن العثور عليها وجمعها في الآونة الراهنة. وتقول ميرير عن ذلك: «هناك بعض الأشياء التي تتسم بحساسيتها البالغة والتي سوف نطلب الحصول عليها في أوقات لاحقة، على غرار القطع أو الأشياء التي تخص أناس قد فقدوا أصدقاءهم أو أقاربهم جراء الإصابة بالفيروس».
ولقد تحولت بعض الأشياء العادية إلى أعمال ذات قيمة فنية، إما بسبب ظلال الفقدان والخسارة التي تخيم عليها، أو ببساطة بسبب أهميتها المتجددة جراء استمرار الأزمة الراهنة وتحولاتها المختلفة. وربما نشعر بأن بعضاً من الأشياء المبتدعة أول الأمر مع ظهور الوباء قد تحولت إلى بقايا من الماضي القريب. وتقول دونا برادن، وهي كبيرة الأمناء لدى متحف هنري فورد: «الأشياء التي جمعناها منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي تبدو الآن قديمة بالفعل. ولقد كان من السهل بصورة نسبية أن نتعرف على الأشياء البارزة في وقت مبكر. أما الآن، فصارت أزمة الوباء مجزأة وواسعة الانتشار للغاية».
كذلك، شهدت الاحتجاجات الشعبية العارمة في شهر يونيو (حزيران) الماضي تغيرات كثيرة، وصارت من فعاليات الجمع المهمة بالنسبة إلى المتاحف التاريخية المعنية. إذ تمكنت جمعية نيويورك التاريخية - على سبيل المثال - من جمع لوحة جدارية تصور الراحل جورج فلويد، من أعمال الفنانين مات آدامسون وخواكين جيه، تلك التي تغطي واجهة أحد متاجر الأحذية في سوهو. كما تمكنوا أيضاً من جمع العديد من الملصقات واللافتات ذات الشعارات الاحتجاجية.
كما توجد بعض الأشياء في طبيعة نوعية متداخلة بين الاحتجاج والجائحة، وهي تلك السجلات الحية التي تروي قصتين متوازيتين متمايزتين في آن واحد. تقول لورد عن ذلك: «خلال احتجاجات (حياة السود مهمة)، كان كثير من المتظاهرين يحملون لافتات تشير إلى حقيقة مفادها أن وباء كورونا المستجد يؤثر على كل أطياف وأعراق المجتمع بصورة غير متناسبة، وأن هذا كله ينطوي تحت خطاب واحد من قصة أكبر تتناول العنصرية النظامية الممنهجة في الولايات المتحدة الأميركية».
وهناك أمر صائب، ومؤثر، ويدعو إلى التفاؤل بشأن أعمال التوثيق والجمع والتحصيل المشار إليها، ألا وهو المحاولة الجادة لإلقاء نظرة مختلفة وتسليط مزيد من الأضواء على الأزمة الراهنة التي نعاني منها جميعاً، وإنما من زاوية تاريخية متصورة ومسجلة. فمن واقع جمع المواد والأشياء الحالية على اعتبارها قطعاً فنية للمستقبل، فإننا نحاول بذلك تصور ذلك المستقبل كنوع من أنواع استشراف الحياة المقبلة - تحت مظلة الزمان ومحيط المكان الذي انقضى فيهما الزمن الحاضر وبتنا نراجع الرؤى إلى ما مضى من خلال التاريخ والذكريات.
ومع شروع المؤرخين وأمناء المتاحف المختلفة في جهود الجمع والتوثيق، صار الكثيرون منها منخرطين بفعل الواقع في شكل من أشكال الأرشفة الذاتية: توثيق الوباء والأمراض الناجمة عنه وقرارات الإغلاق العامة اللاحقة عليه، وحفظ المقالات الصادرة في مختلف المجلات والجرائد، وتوثيق المشاريع الفنية للأطفال في تلك الفترة العصيبة، وبناء ما قد يرقى يوما إلى اسم «مجموعات الوباء الموثقة». تقول ألكسندرا لورد من متحف «سميثسونيان» الوطني للتاريخ الأميركي: «أرى أنه من المثير للاهتمام بصفة خاصة أن الناس من مختلف الشرائح قد تحولوا بصورة نسبية إلى شبه مؤرخين في حياتهم الخاصة».
- خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.