صعود سجون الاستخبارات الأميركية وسقوطها في الخارج

أساليب وحشية في التعذيب في أفغانستان وتايلاند وبولندا ورومانيا وليتوانيا

صعود سجون الاستخبارات الأميركية وسقوطها في الخارج
TT

صعود سجون الاستخبارات الأميركية وسقوطها في الخارج

صعود سجون الاستخبارات الأميركية وسقوطها في الخارج

بعد 3 أيام من اصطدام طائرتين بأطول برجين في مدينة نيويورك، وصلت رسالة سرية إلى محطات وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج. وكان فحوى هذه الرسالة هو: «ابدأوا في وضع قائمة بمواقع اعتقال محتملة»، وهو طلب تم تناقله على أنه «طلب عاجل» من رئيس مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية.
مرت 3 أيام قبل منح الاستخبارات المركزية سلطة اعتقال واحتجاز متهمين بالإرهاب في إطار مذكرة سرية للغاية وقعها الرئيس جورج بوش الابن. وكان هذا الالتماس العاجل الصادر من مقر الاستخبارات المركزية، هو خطوة مصيرية تمهيدية باتجاه إنشاء سجونها السرية.
وقامت الوكالة في الوقت المناسب بإنشاء أرخبيل سري من «المواقع السوداء» في دول مثل أفغانستان وتايلاند وبولندا ورومانيا وليتوانيا. وسيكون لهذه الأساليب الوحشية التي استخدمتها الاستخبارات المركزية في تلك المجمعات من أجل إجبار المتهمين بالإرهاب على الحديث عواقب بعيدة المدى على حرب الوكالة والولايات المتحدة ضد الإرهاب، فضلا عن موقف الدولة أمام العالم.
صدر خلال الأسبوع الحالي تقرير طال انتظاره من لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ يصف إجراءات الاستجواب بتفاصيل غير مسبوقة؛ وهي وثيقة تهدف بشكل أساسي لإثبات حقيقة أن مثل هذه الإجراءات القاسية فشلت في الحصول على أي معلومات استخباراتية حاسمة.
ولكن يمثل هذا التقرير المكون من 528 صفحة حتى هذه اللحظة التاريخ الأكثر شمولا لبرنامج الاستجواب الذي تم الكشف عنه للرأي العام. ويتضمن التقرير تفاصيل عن كيفية اختيار الاستخبارات المركزية لمواقع السجون، والمبالغ التي وصلت إلى عدة ملايين من الدولارات التي قدمتها لإغراء الدول التي سمحت بإقامة مثل هذه السجون، وكذلك إلى أي مدى ظلت مواقعها مخفية عن السفراء الأميركيين وأعضاء الكونغرس، بل وحتى عن الرئيس الأميركي.
تتتبع الدراسة، التي قام بها مجلس الشيوخ، مسار الاستخبارات المركزية فيما سيطلق عليه الرئيس أوباما وصف «التعذيب». وتوضح الوثيقة على وجه الخصوص الدور الذي اضطلع به مستشاران مشكوك في مؤهلاتهما، وهما جيمس ميتشل وبروس جيسين، وهما اللذان صمما أساليب مروعة، مثل الإغراق الوهمي وغيره من أشكال الانتهاكات، بموجب عقود سرية بلغت قيمتها أكثر من 80 مليون دولار قبل أن تقطع الاستخبارات المركزية علاقاتها بهما.
كان التبرير الذي ظهر هو تبرير من وكالة لم تكن مستعدة للقيام بدورها كسجان، وكالة استخبارات يتفق أغلبنا على أنها تستحق الثناء لتفكيكها هيكل تنظيم القاعدة الذي دبر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، ولكنها ارتكبت أخطاء فادحة في برنامج استجواب جاء بعد مسار غير منتظم ومثير للقلق حتى تم تفكيكه في عام 2009.
وقال مدير الاستخبارات المركزية، جون برينان، أول من أمس، إن «البرنامج كان أرضا مجهولة بالنسبة للاستخبارات المركزية ولم نكن مستعدين».
وكتب برينان في رد رسمي من الاستخبارات المركزية، أن الرد المندفع للاستخبارات المركزية تجاه هجمات الحادي عشر من سبتمبر: «أسفر عن ارتكاب أخطاء كبيرة» في التعامل مع مشكلات المعتقلين التي «كانت نتيجة لفشل الإدارة على عدة مستويات».
ونظرة على شهادة مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك مايكل ف. هايدن أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ في 12 أبريل (نيسان) عام 2007 مقارنة بالملخص الشامل حول برنامج الاستجواب والاعتقال الخاص بوكالة الاستخبارات المركزية، الذي صدر أول من أمس.
في نمط سيتكرر في جميع أوجه البرنامج، لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية لتقوم بحل المشكلة حتى تضطر إلى القيام بذلك عن طريق الأحداث. في مارس (آذار) 2002. قامت السلطات الباكستانية التي تعمل إلى جانب وكالة الاستخبارات المركزية باعتقال عضو تنظيم القاعدة أبو زبيدة، وسارعت لعلاج جروحه الخطيرة، ومارست عليه ضغوطا للحصول على معلومات استخباراتية وعثرت على مكان ليتم احتجازه فيه.
ورفضت الوكالة احتجاز أبو زبيدة لدى الجيش الأميركي، بشكل جزئي لأن القيام بذلك سيعني إعلان اسمه إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفقا للتقرير. أما نقله إلى القاعدة الأميركية في خليج غوانتانامو بكوبا، فينطوي على مخاطرة «احتمال فقد السيطرة عليه لصالح الجيش أو مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي» التي كانت ضالعة في استجواب أبو زبيدة منذ البداية.
وبرزت على الفور تقريبا توترات مع الحكومة التايلاندية. ففي اليوم التالي لوصول أبو زبيدة، بدأ المسؤولون التايلانديون يضعون شروطا جديدة مقابل إذعانهم، فطالبوا بالوصول إلى معلومات استخباراتية أميركية قال مسؤولون مطلعون على تقرير مجلس الشيوخ بأنها لا تمت بصلة للإرهاب. وكان المسؤولون التايلانديون الذين وافقوا على خطة وكالة الاستخبارات المركزية قد جرى استبدالهم فجأة بمسؤولين آخرين اعترضوا على الصفقة، وطالبوا بضرورة إغلاقها «في غضون 3 أسابيع».
بحلول شهر أغسطس (آب) عام 2002، لم يعد ميتشيل وجيسين مستشارين أكاديميين فحسب بل أصبحا ممارسين رياديين في الأساليب المقترحة، وجرى إرسالهما إلى تايلاند لممارسة عملية استجواب أبو زبيدة، الذي تم وضعه قي صندوق بحجم صندوق النعش لمدة مئات من الساعات وتعرض للإيهام بالغرق حتى «أصبح غير قادر على الاستجابة بشكل كامل، مع خروج فقاعات من فمه المفتوح والمملوء بالماء».

* «واشنطن بوست» خاص بـ { الشرق الأوسط}



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».