محمد السادس يحدد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية «لما بعد كورونا»

أعلن ضخ 12 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد المغربي

العاهل المغربي قبيل إلقائه خطاب عيد الجلوس ليل أول من أمس وإلى جانبه الأمير مولاي الحسن ولي العهد والأمير مولاي رشيد (ماب)
العاهل المغربي قبيل إلقائه خطاب عيد الجلوس ليل أول من أمس وإلى جانبه الأمير مولاي الحسن ولي العهد والأمير مولاي رشيد (ماب)
TT

محمد السادس يحدد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية «لما بعد كورونا»

العاهل المغربي قبيل إلقائه خطاب عيد الجلوس ليل أول من أمس وإلى جانبه الأمير مولاي الحسن ولي العهد والأمير مولاي رشيد (ماب)
العاهل المغربي قبيل إلقائه خطاب عيد الجلوس ليل أول من أمس وإلى جانبه الأمير مولاي الحسن ولي العهد والأمير مولاي رشيد (ماب)

وجَّه العاهل المغربي الملك محمد السادس حكومة بلاده، ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، إلى إعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجاً، مشدداً على أهمية إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي، تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها عـلى توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
وأعلن الملك محمد السادس في خطاب وجهه إلى الشعب المغربي الليلة قبل الماضية، بمناسبة الذكرى الـ21 لعيد الجلوس، أنه سيتم ضخ حوالي 120 مليار درهم (12 مليار دولار) في اقتصاد بلاده، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام، معتبراً أن هذه النسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداماً في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد أزمة «كورونا». كما أعلن عن إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي، يروم دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشروعات الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، في مختلف المجالات.
ومن أجل ضمان شروط نجاح هـذه الخطة، طالب الملك محمد السادس الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بالانخراط فيها بكل فعالية ومسؤولية؛ داعياً إلى الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية لـلمـؤسسات والمقاولات العمومية، بهدف تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية الاجتماعية. كما وجه الملك محمد السادس بإحداث وكالة وطنية، مهمتها التدبـير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
وعلى صعيد متصل بأزمة انتشار فيروس «كورونا»، قال الملك محمد السادس إن العناية التي يعطيها لصحة المواطن المغربي وسلامة عائلته، هي نفسها التي يخص بها أبناءه وأسرته الصغيرة، لا سيما في هذا السياق الصعب الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء «كوفيد- 19».
وفي هذا السياق، أشاد ملك المغرب بروح التضامن والمسؤولية التي تعامل بها المواطنون والمواطنات خلال فترة الحجر الصحي. وقال: «عشنا مشاهد لا تنسى من التعاون والعمل التطوعي بين الجيران ومع الأشخاص المسنين، والأسر المحتاجة، من خلال توزيع المساعدات، وتقديم الدعم والإرشادات».
وذكر العاهل المغربي أن ما يجعله يعتز ويفتخر هو مستوى الوعي والانضباط، والتجاوب الإيجابي الذي أبان عنه المغاربة، ومختلف القوى الوطنية خلال هذه الفترة، والذين قاموا بدورهم بكل جد ومسؤولية.
وقال بهذا الخصوص: «إننا ندرك حجم الآثار السلبية التي خلَّفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي»، مبرزاً أن انعكاساتها «شملت مختلف القطاعات الإنتاجية، فتأثرت كثيراً مداخيل الأسر، وموازنة الدولة أيضاً... ولذلك أحدثنا صندوقاً خاصاً لمواجهة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء. وما أثلج صدرنا هو أن هذه المبادرة لقيت حماساً تلقائياً، وتضامناً متواصلاً». كما أشار إلى أنه سيجري أيضاً رصد خمسة مليارات درهم (أكثر من 500 مليون دولار) لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد.
في سياق ذلك، دعا ملك المغرب إلى مواصلة اليقظة والتضامن والالتزام بالتدابير الصحية، أمام التراخي الذي تم تسجيله في مواجهة انتشار فيروس «كورونا» المستجد، وقال: «وجَّهنا الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر التي فقدت مصدر رزقها»، مستدركاً: «ومع ذلك أقول بكل صدق، إن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها».
وأضاف العاهل المغربي موضحاً: «عملنا لا يقتصر فقط على مواجهة هذا الوباء؛ بل يهدف أيضاً إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها»، مبرزاً أن هذه الأزمة «أكدت صلابة الروابط الاجتماعية، وروح التضامن بين المغاربة، إلا أنها كشفت أيضاً عن مجموعة من النواقص؛ خاصة في المجال الاجتماعي، ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية؛ خصوصاً بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية».
واعتبر العاهل المغربي أن الوقت قد حان لإطلاق عملية تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال السنوات الخمس المقبلة. ودعا إلى «الشروع في ذلك تدريجياً، ابتداء من يناير (كانون الثاني) 2021. وفق برنامج عمل مضبوط». وأوضح أن هذا البرنامج يجب أن يهم، في مرحلة أولى، تعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، قبل توسيعه ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
كما أوضح العاهل المغربي أن هذا المشروع «يتطلب إصلاحاً حقيقياً للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حالياً، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين؛ خصوصاً عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد»، مشيراً إلى أنه «ينبغي أن يشكل تعميم التغطية الاجتماعية رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني».
كما دعا العاهل المغربي الحكومة لاستكمال بلورة منظور عملي شامل «يتضمن البرنامج الزمني والإطار القانوني وخيارات التمويل، بما يحقق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية»، مبرزاً أن الهدف من كل المشروعات والمبادرات والإصلاحات التي يقوم بها هو النـهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، مع توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة التي ستبقى شغله الشاغل.
وأضاف ملك المغرب أن الهدف هو تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية، مشيراً إلى أنه سبق له أن دعا في خطاب العرش لسنة 2018 للتعجيل بإعادة النظر في منظومة الحماية الاجتماعية التي يطبعها التشتت والضعف في مستوى التغطية والنجاعة.
وقال إنه «يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء» لبلوغ هذا الهدف.



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.