عائلات مصرية تتمسك بصناعة «الكليم» وتورثه للأجيال

قرية بني عدي جنوب البلاد تقف وراء شهرته وإنتاجه

سيدات من قرية بني عدي أثناء عملهن في صناعة الكليم
سيدات من قرية بني عدي أثناء عملهن في صناعة الكليم
TT

عائلات مصرية تتمسك بصناعة «الكليم» وتورثه للأجيال

سيدات من قرية بني عدي أثناء عملهن في صناعة الكليم
سيدات من قرية بني عدي أثناء عملهن في صناعة الكليم

رغم الصعوبات الفنية والاقتصادية التي تواجه صناعة الكليم اليدوي في مصر، فإنّ ثمة عائلات في قرية بني عدي، تقف وراء إنتاجه وشهرته بمحافظة أسيوط (صعيد مصر) حيث تتمسك بصناعته وتطوّره، وتورثه للأجيال الجديدة لتحافظ عليه من الاندثار.
ومن بين تلك العائلات التي تتمسك بصناعة «الكليم» ذات المقاسات الصغيرة، التي تُوضع فوق المقاعد الخشبية في صحن المنزل، أو خارجه، عائلة أحمد الخولي، التي تأتي في الصدارة بين المنتجين.
يملك الخولي في بيته عدداً من الأنوال الصغيرة المخصصة لنسج هذا النوع من الكليم، وتعمل عليها زوجات أبنائه الثلاثة، وتنتج كل واحدة منهن قطعتين في الأسبوع.
يقول الخولي لـ«الشرق الأوسط» إنه «يُحضر الصوف من مصنع للغزل قريب من منزله، وهي مرحلة تسبق عملية الغزل، ثم يُحوّل على يده ويد باقي أعضاء أسرته إلى خيط رفيع، وبجانب نوع آخر يُسمونه (الطعمة)، وهو خيط سميك نوعاً ما، يستخدم في عملية النسيج بعد شد النول بالخيط الرفيع».
وذكر الخولي أنّ مهمته تتلخص في التعامل مع التجار الذين يتولون بيع وترويج منتجاته، كما أنّ منهم من يقدم له الصوف ليغزله وينسجه في منزله، وقد كان في السابق يحمل منسوجاته من الكليم لبيعها في الأسواق، لكن بعد تفشي «كورونا»، توقف عن ذلك، وصار يتعامل مع التجار فقط.
فيما يحصل صانع كليم آخر يدعى زكا صالح على صوف الماعز من القاهرة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّه «يصنع الكليم منذ أكثر من أربعين عاماً، ولا يعرف صناعة أو مصدر دخل سواها»،
ويملك زكا أربعة أنوال، هي كل رأس ماله في الحياة. تعمل عليها أربع سيدات، بشكل منتظم، ولكن في بعض الأحيان، وعند حدوث أي ظروف طارئة، أو غياب واحدة منهن، يستعين بفتيات أو سيدات من جمعية الكليم في القرية، هو وباقي زملائه من القائمين على صناعة الكليم، الذين لا يتجاوز عددهم خمسة أشخاص، وكل واحد منهم لديه عدد من السيدات يقدم لهن الصوف، لغزله ونسجه، مما يعني أن هؤلاء السيدات صاحبات الدور الأكبر في هذه الصناعة، لكن هناك دور أساسي لعناصر أخرى من بينها «مصنع التسريع»، وهو الذي يتحكم في العملية الإنتاجية من أساسها، وفي حالة تعطله أو غلقه يمكن أن تتهدد الصناعة بكاملها.
ورصدت بيانات حكومية، تراجع الصادرات المصرية من السجاد والكليم بشكل ملحوظ، خلال شهر أبريل (نيسان) 2020. حيث بلغ إجمالي الصادرات نحو 14 مليون و519 ألف دولار فقط.
وأظهرت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أبريل 2020، أنّ صادرات مصر من السجاد والكليم تراجعت بقيمة 11 مليون و754 ألف دولار، عند مقارنة صادرات أبريل من العام الماضي.
وفي قرية بني عدي أيضاً يعمل بدر حمزاوي في صناعة الكليم باعتبارها ميراث أجداده، يعرفها مثلما يعرف نفسه، فقد تفتحت عينه على ألوان الصوف الأبيض والأحمر والبني، والرمادي والأسود، فهي التي تشكل بين يدي النساج موتيفات الكليم، والأشكال المرسومة عليه، من أحجبة وخطوط عرضية، أمّا الأنواع فمحدودة، وتنحصر في كليم الدكة والأرض وسجادة الصلاة، كما أنّ المقاسات معروفة ولا تختلف من صانع لآخر، منها ما يزيد عرضه قليلاً عن خمسين سنتيمتراً، ولا يتجاوز طوله عن 3 أمتار، ويباع بنحو دولارين تقريباً، وهناك كليم عرضه 70 سنتيمتراً وطوله 3 أمتار، ولا يتجاوز سعره 170 جنيهاً مصرياً، «الدولار الأميركي يعادل 16 جنيها مصرياً تقريباً»، وهذه الأسعار يلتزم بها الجميع في السوق.
أمّا عايدة كرولس فكانت تعمل في بيتها، على نول ورثته من والدتها وأبيها، لكنّها منحته لأقاربها في بيت جدها، تعمل في جمعية الكليم التي تأخذ على عاتقها حماية صناعته في بني عدي، وهي تلبي طلبات عملائها، وتنسج الكليم بالمقاسات التي يحتاجونها، وتعتبر واحدة من أمهر السيدات اللواتي يعمل في صناعته، ولا تحتاج لأكثر من يومين لكي تنجز الكليم بمقاساته المختلفة سواء كان متراً أو اثنين أو ثلاثة.
ولا يتوقف الاهتمام بصناعة الكليم في بني عدي عند حدود المشتغلين به فقط، لكن هناك باحثين خصصوا دراساتهم الجامعية لعمل أبحاث ميدانية عنه، وعن مقومات صناعته، وسبل استمراره، وحدود تطويره، ومن بين هؤلاء الباحثة رانيا رجب، التي قدمت دراسة لنيل درجة الماجستير من جامعة أسيوط التي تقع القرية ضمن حدودها، وحددت الباحثة في دراستها الأسر العاملة في الحرفة، وسجلت دقائقها، ويوميات العاملات فيها، بداية من تسلمهن الصوف ثم غزله، وحتى تحويله إلى أكلمة، ولأنها سيدة فقد استطاعت أن تدخل بيوت القرية وتقدم دراسة واقعية وصادقة عن الكليم والحرفيات اللواتي يأخذن على عاتقهن برغم قسوة أوضاعهن مهمة استمرار هذه الصناعة القديمة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».