الحريري: لن أكون رئيس حكومة... ولو بشروط

تحدث عن مواجهة الحكم باغتيال والده بعقلانية

رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري (إ.ب.أ)
TT

الحريري: لن أكون رئيس حكومة... ولو بشروط

رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري (إ.ب.أ)
رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري (إ.ب.أ)

رفض رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء بشروط، منتقداً موقف رئيس الحكومة حسان دياب تجاه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. وفيما سأل عن الغموض الذي لا يزال يحيط بما حصل في الجنوب يوم الاثنين (إعلان إسرائيل إحباط تسلل لـحزب الله ونفي الحرب)، قال عن الحكم النهائي المتوقع في قضية اغتيال والده الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في 7 أغسطس (آب) المقبل: «في هذه القضية هناك دائماً عقلانية لكن العدالة يجب أن تتحقق».
وأسف الحريري في دردشة مع الصحافيين لانتقادات دياب للوزير الفرنسي قائلاً: «لا أفهم إلى أين يأخذنا الرئيس دياب بهذه الدبلوماسية تجاه أصدقائنا، فكيف يصرح رئيس حكومة تجاه دولة صديقة يعتبرونها في لبنان الأم الحنونة؟
وعن تغريدة دياب التي انتقد فيها الوضع في لبنان قال رئيس «تيار المستقبل»: «دياب نسي أن يسأل أين هو رئيس الحكومة».
وفي رد على سؤال عما إذا كان قد حان موعد تغيير الحكومة لحكومة مستقلّين، أجاب: «عندما نجد رئيس حكومة» مؤكداً: «لن أكون رئيس حكومة بشروط».
وتقاطع موقفه مع موقف «حزب الله» لجهة تأييده مشروع سد بسري «لأنه يروي بيروت»، كما قال مشيراً إلى أن البنك الدولي قام بكل الدراسات وهذا القرض الوحيد الذي يدفع فيه البنك الدولي الاستملاكات وبالنسبة للتنفيذ فهذا أمر آخر».
وسأل عن التدقيق المالي الجنائي الذي أقرّته الحكومة في المصرف المركزي: «لماذا لم تقرّه على جميع الوزارات، وعلى وزارة الطاقة خصوصاً»، مؤكداً «في موضوع الكهرباء ليس هناك كارتيل بل سوء إدارة» وقال: «ليخرجوا من هذا القطاع».
ورأى في الوقت نفسه أن ما جرى في البلد «ليس مؤامرة، إنّما انهيار اقتصادي وهو ما حاولنا تحاشيه خلال مؤتمرات باريس 1 و2 و3»، مؤكداً أن «مؤتمر سيدر» مرتبط بالإصلاحات وما حصل في البلد ليس مؤامرة ولكنه انهيار وإذا كان العلاج ينطلق بأن هناك مؤامرة فالعوض بسلامتكم».
أمّا عن الحكم المتوقع في قضية اغتيال والده قال «في 7 أغسطس سيكون لدي موقف وبموضوع رفيق الحريري هناك عقلانية ولكن العدالة يجب أن تحصل».
وأضاف: «خلال السنوات الثلاث التي مضت هناك من لجأ إلى المزايدة في هذه القضية ليصل إلى أي موقع فقتلوا رفيق الحريري لأنه مشروع ازدهار واستقرار وإنماء وأعجب أن البعض لم يدرك ذلك».
وعن التوتر الأمني الذي شهدته الحدود الجنوبية يوم الاثنين الماضي قال الحريري: «لا أحد يعلم ماذا حصل لكن هل كان ضرورياً في مرحلة التجديد للقوات الدولية أن يقوم حزب الله بهذا العمل؟ سائلاً (على من نكذب؟) الجيش واليونيفيل موجودان في المنطقة، أين الحكومة لتخبرنا ما حصل؟».
وتابع: «إضافة إلى المشكلة الاقتصادية نبحث عن مشكل آخر بينما والأمر الأساسي اليوم هو الأمور المعيشية، مضيفاً «ركزوا على الانهيار الاقتصادي لأن من دون معالجته لا أحد يستطيع أن يقاوم أو يصمد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.