أوضح مقطع فيديو مسرب طريقة تعامل بعض كوادر المستشفيات الحكومية في سوريا مع جثامين المتوفين تأثراً بفيروس كورونا، إذ ظهر عمال في أحد المستشفيات ينقلون جثة من الصندوق وأحدهم يوجه السباب والشتائم البذيئة إلى المتوفى. كما ظهر أعضاء الكادر بلباس عادي، على عكس ما سبق أن صرح به رئيس الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل، عن وجود فريق حكومي مجهز بلباس خاص يبقى مع المتوفى من التغسيل حتى الدفن.
ويدفن المتوفون نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في مقبرة الغرباء، بمنطقة نجها بريف دمشق حصراً «منعاً لانتشار الفيروس في الأماكن السكنية. كما لا يمكن دفن أي ميت دون تقرير طبي من طبيب مختص، مع تصديق التقرير من نقابة الأطباء»، وفق تصريح مدير مكتب دفن الموتى فراس إبراهيم لإذاعة محلية.
مقطع الفيديو الذي تم تداوله على نطاق واسع بين السوريين عبر السوشيال ميديا زاد حالة التخبط والذعر التي يعيشها السوريون جراء سوء المعاملة مع المصابين بفيروس كورنا، الأحياء منهم والأموات. ومما زاد الرعب، التصاعد المتسارع في أعداد الإصابات المسجلة رسمياً منذ نحو أسبوع، إذ يسجل يومياً ما بين 23 و24 إصابة. كما تزايدت أعداد الوفيات عل نحو غير مسبوق، وهي التي يُشك في أنها جراء الإصابة بالفيروس، دون التأكد من ذلك، حسب ما أفادت به تصريحات إعلامية سابقة لفراس إبراهيم، من أنه لوحظ ازدياد عدد الوفيات منذ 10 يوليو (تموز) بسبب فيروس كورونا، أو «وفيات ناجمة عن أعراض شبيهة بالفيروس لم يتم التأكد منها».
وتشير إحصاءات وزارة الصحة السورية إلى إن حصيلة الإصابات المسجلة في البلاد حتى يوم الاثنين وصل إلى 674 إصابة، مقابل شفاء 10 حالات، ووفاة حالتين، ليرتفع عدد الوفيات بفيروس كورونا منذ مارس (آذار) الماضي إلى 40 وفاة، فيما بلغ عدد المتعافين 210. وتنال دمشق النصيب الأكبر من الإصابات، وتوزع عدد المصابين المسجلين يوم الاثنين على النحو الآتي: 14 في دمشق، و8 في ريف دمشق، وواحد في درعا، وواحد في القنيطرة. أما توزع العدد الإجمالي، فكان: دمشق 368 إصابة، وريف دمشق 141، والقنيطرة 36، وحلب 30، واللاذقية 29، والسويداء 16، وحماة 10، وحمص 10، ودرعا 9، وطرطوس إصابة واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة لا تعبر عن الأرقام الواقعية لانتشار فيروس كورونا المستجد، مع تزايد أعداد الوفيات التي لا يعلن عنها رسمياً، والتي قدرت بنحو 130 وفاة يومياً. وخلال الأيام القليلة الماضية، نشر كثير من كلمات النعي لمتوفين بكورونا، بينهم شخصيات معروفة، منهم الفنان اللبناني مروان محفوظ الذي توفي في مستشفى «الأسد الجامعي»، خلال زيارته دمشق لإحياء حفلة في دار الثقافة، حسب ما قالته مصادر إعلامية غير رسمية في دمشق. كما توفيت الطبيبة الشابة أروى بيسكي، المشرفة في قسم التعويضات الثابتة بكلية طب الأسنان في جامعة دمشق، ونعتها نقابة الأطباء في دمشق مع طبيبين آخرين، هما غسان تكلة وخلدون الصيرفي، تلاهم الطبيب عزمي فريد، أحد أعضاء جمعية دعم التصلب اللويحي في سوريا الاستشاري في أمراض السكري والتغذية العلاجية، يوم السبت الماضي. كما أعلن عن إصابة رئيس جامعة حلب الذي نُقل يوم الاثنين إلى مستشفى جراحة القلب ليتلقى الرعاية الطبية، فيما نعت قناة الإخبارية الرسمية يوم الاثنين رئيس تحريرها خليل محمود، دون ذكر سبب الوفاة، فيما أكد معارفه أنه توفي جراء إصابته بفيروس كورونا.
وانتشر الفيروس بشكل كبير منذ يونيو (حزيران) الماضي، وسُجلت إصابات بين أعضاء الكوادر الطبية في مستشفى المواساة والأسد الجامعي بدمشق، إضافة إلى إصابة أحد أعضاء قيادة فرع ريف دمشق لحزب البعث، وعدد من الطلاب في كليات الطب البشري وطب الأسنان والاقتصاد بجامعة دمشق، فضلاً عن عشرات المدنيين في التل والقلمون والغوطة الشرقية وجرمانا.
ولوحظ أن أعمار المتوفين لم تقتصر على كبار السن أو الكهول ممن لديهم سوابق مرضية، فقد سجلت وفاة 3 حالات لأعمار 33 و36 و39 عاماً، وليس لديها سوابق مرضية، بحسب مصادر طبية في دمشق. كما لوحظ تغير أعراض الإصابة في سوريا في الموجة الحالية عن المسجلة في الموجة السابقة، المتمثلـة بارتفـاع الحرارة والسـعال الجـاف وضـيق التنفـس. فقد قال الدكتور نبوغ العوا، عميد كلية الطب في دمشق، إن الفيروس «أعطى أعراضاً جديدة، وغير فترة الحضانة التي كانت 10 أو 12 يوماً، وأصبحت 4 أو 5 أيام. أما الأعراض، فأصبحت فقدان الشم والتذوق... وإذا فحصنا الأنف في حالة الإصابة بفيروس الكورونا، نجد أن المنطقة الشمية بأعلى الأنف لونها أبيض وكأنها متليفة مضمحلة، وتحتاج حاسة الشم إلى 15 أو 20 يوماً حتى تعود لحالتها الطبيعية بالتدريج. ومن الأعراض أيضاً الآلام الهضمية والإسـهال والطفح الجلدي والآلام المفصليـة التي تحدث عقب إجراء تـمارين رياضية قاسية».
ويواجه السوريون الانتشار المتسارع للفيروس بنظام صحي متهالك، ونقص شديد في المسحات اللازمة لكشف الإصابة بفيروس كورونا في دمشق، إضافة للعوز الشديد في وسائل الوقاية والكمامات. وعلمت «الشرق الأوسط» من كوادر طبية أن بعض الأطباء والممرضين باتوا يتهربون من القيام بواجباتهم في المستشفيات الحكومية، لعدم توافر كمامات لهم. كما لفتت المصادر إلى أن المستشفيات والمستوصفات في دمشق باتت بؤراً لانتشار الفيروس، وتابعت: «حتى أن الأطباء المقيمين في المستشفيات الحكومية يخرجون لشراء سندويتش، ويختلطون بالناس في الشارع ومحلات الأطعمة، من دون وضع كمامات، ثم يعودون إلى مزاولة عملهم».
وتكتظ مستشفيات دمشق الخاصة والحكومية بأعداد المصابين بالفيروس، إلى حد باتت تمتنع فيه عن استقبال الحالات الإسعافية الجديدة. فقد قالت عاملة في القطاع الصحي لـ«الشرق الأوسط» إن قريباً لها، وهو مريض سكري، شك بإصابته بالفيروس، وطلب منها المساعدة، وقد بذلت كل جهدها للتواصل مع الإسعاف السريع في وزارة الصحة، ومنظمة الهلال الأحمر، وكثير من الجهات، لإرسال سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى، إلا أن الجميع رفضوا. كما رفضت المستشفيات استقباله، ولولا التوسط لدى أحد المسؤولين لما أدخل إلى المستشفى الحكومي.
«كورونا» تتوّج الكوارث السورية بسوء معاملة المصابين بالمرض... الأحياء منهم والأموات
المستشفيات تمتنع عن استقبال حالات الإسعاف والكوادر الطبية تشكو عدم توافر وسائل الحماية
«كورونا» تتوّج الكوارث السورية بسوء معاملة المصابين بالمرض... الأحياء منهم والأموات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة