«عمارة المشاهير» وسط القاهرة تواجه مصيراً مجهولاً

قطن فيها محمود المليجي وعز الدين ذو الفقار

عمارة الشربتلي من الخارج (أرشيفية)  -  لافتات مبادرة «عاش هنا» في مدخل العمارة
عمارة الشربتلي من الخارج (أرشيفية) - لافتات مبادرة «عاش هنا» في مدخل العمارة
TT

«عمارة المشاهير» وسط القاهرة تواجه مصيراً مجهولاً

عمارة الشربتلي من الخارج (أرشيفية)  -  لافتات مبادرة «عاش هنا» في مدخل العمارة
عمارة الشربتلي من الخارج (أرشيفية) - لافتات مبادرة «عاش هنا» في مدخل العمارة

تواجه عمارة «الشربتلي»، التي تلقب بـ«عمارة المشاهير» بحي الزمالك (وسط القاهرة)، مصيراً غامضاً بعد تعرضها لهبوط أرضي مفاجئ على خلفية تنفيذ مشروع مترو الأنفاق (الخط الثالث) بالمنطقة، وتم إخلاء جميع سكان العمارة خوفاً من تعرضها للانهيار، في انتظار تقرير جامعة عين شمس بشأن صلاحيتها للسكن مجدداً بعد ظهور تشققات بها.
وعاش في عمارة الشربتلي عدد من الفنانين المصريين من بينهم الفنان الكبير الراحل محمود المليجي، والمخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، والفنانة علوية جميل، وغيرهم من أشهر الفنانين المصريين بالقرن الماضي.
وتُولي السلطات المصرية اهتماما كبيراً بالعقارات التي عاشت بها الرموز الفنية في أحياء عريقة على غرار «الزمالك والمهندسين والعجوزة والقاهرة الخديوية والمعادي ومصر الجديدة»، وغيرها عبر مبادرة «عاش هنا» التي ينفذها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وتوثق عيش تلك الشخصيات وقتاً طويلاً من عمرهم خلال رحلتهم الإبداعية في العمارات تلك، من خلال وضع لافتات معدنية مكتوب بها أسماء هؤلاء الشخصيات، وتعد بمثابة شهادة توثيقية لإقامتهم.
وتتكون عمارة «الشربتلي»، من جزأين؛ الأول يطل على شارع البرازيل، ومكون من 12 طابقاً وبه 37 وحدة سكنية منها 16 آهلة بالسكان و21 وحدة سكنية مغلقة، والجزء الثاني يطل على شارع عزيز أباظة ومكون من 11 طابقاً وبه 33 وحدة سكنية منها 28 آهلة بالسكان، و5 وحدات سكنية مغلقة، وفق تقارير مصرية.
وقررت محافظة القاهرة، مساء أول من أمس، إخلاء السكان لحين فحص العقار من اللجان المختصة، وتبين من المعاينة المبدئية وجود تلفيات وشروخ عرضية وهبوط أرضي بجراج العقار، وهبوط بمدخل سفارة البحرين المجاور لعمارة الشربتلي.
بدوره، قلّل وزير النقل المصري، كامل الوزير، من «مخاوف انهيار العمارة»، قائلاً في تصريحات صحافية مساء أول من أمس: «الشرخ يوجد في حائط غير حامل»، وأكد أن «العمارة لا يوجد بها ميل أو تصدع، وما ستقوله لجنة هندسة عين شمس سوف نقوم بتنفيذه».
ووفق الوزير فإن عدد سكان العقار البالغ عددهم 86 ساكناً، حصلوا على تعويضات تقدر بـ30 ألف جنيه لكل ساكن، (الدولار الأميركي يعادل نحو 16 جنيهاً مصرياً) من أجل الإقامة خارج العقار لمدة شهر واحد، مع التجديد لهم في حالة عدم الانتهاء من التقرير.
وأبدى مصريون تعاطفهم مع سكان «الشربتلي» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى اهتمام وسائل الإعلام المصرية اللافت بعمارة المشاهير.
وأصدر الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أخيراً، كتاباً عن حي الزمالك العريق، ضمن سلسلة تسعى إلى تسليط الضوء على تميز البنايات ذات الطراز المعماري المميز، من خلال كتيب لكل حي من الأحياء التاريخية يربط نشأته ونسيجه الاجتماعي مع تنوع فنون عمارته، ويبرز الكتيب الطرز المعمارية المتنوعة في قصور وبنايات حي الزمالك من خلال معلومات فنية وتاريخية عن كل بناية ونوع عمارتها وزخارفها وتاريخ إنشائها، ويعد قصر الجزيرة الذي بناه الخديوي إسماعيل أقدم البنايات التاريخية التي ما زالت باقية في الحي الراقي، ويعود تاريخ إنشاء القصر الذي أصبح الآن ضمن بنايات فندق الماريوت إلى عام 1869 ميلادية، حيث كان إنشاء قصر الجزيرة بداية مرحلة العمارة بالحي وتحوله من مجرد جزيرة وسط نهر النيل إلى حي اشتهر طوال تاريخه بأنه حي الأثرياء والمشاهير والسفارات الأجنبية، إذ سكنه العديد من الفنانين المصريين المعروفين، من بينهم فاتن حمامة، وإسماعيل ياسين والمخرج يوسف شاهين والموسيقار محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، ومحمود المليجي وغيرهم من رموز الفكر والأدب، كما سكنه ضباط بريطانيون أثناء سنوات احتلال بريطانيا لمصر، حيث اتخذ قائم القوات البريطانية أحد القصور بالزمالك مقراً له حتى عام 1936 ميلادية.
وتواصل مصر إنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق، الذي يربط شرق القاهرة بشمال الجيزة، مروراً بحي الزمالك ووسط القاهرة، الذي يدخل في نطاق المرحلة الثالثة من المشروع الكبير، الذي ستمر قطاراته أسفل مياه نهر النيل على غرار الخط الثاني لمترو الأنفاق، الذي يربط حي المنيب (جنوب الجيزة)، بحي شبرا الخيمة (شمال القاهرة)، مروراً بالدقي ووسط القاهرة وحي شبرا مصر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».