كيف انتقلت بدلة العمال من المناجم إلى منصات عروض الأزياء الراقية؟

مرسيليا الفرنسية تحتفي بخمس قطع نموذجية من الثياب

ثياب ارتبطت بالصيف
ثياب ارتبطت بالصيف
TT

كيف انتقلت بدلة العمال من المناجم إلى منصات عروض الأزياء الراقية؟

ثياب ارتبطت بالصيف
ثياب ارتبطت بالصيف

إنّها مرسيليا، أشهر موانئ جنوب فرنسا. وهو الصيف، أبهى مواسم السنة. وثالثهما «موسم»، هذا الصرح الثقافي الذي أخذ اسمه من اللغة العربية في ثاني المدن الفرنسية من حيث المساحة وعدد السكان. ومع اجتماع الثلاثة معاً ينطلق الزوار للتمتع بمعرض جديد يقام حالياً بعنوان «ثياب نموذجية» ويستمر حتى نهاية العام.
يقع «موسم»، أو «موسيم» حسب اللفظ الفرنسي، في لسان صخري يمتد في البحر على مساحة 16 ألف متر مربع. وقد جرى افتتاحه عام 2013 حاملاً توقيع المهندس الفرنسي، الجزائري المولد، رودي ريكيوتي. وهو يتألف من متحف وقاعات للعرض الفني ومكتبة عامرة ومرافق جانبية مكملة. وهو إذ يقدم حالياً معرضاً عن الثياب فإنّه يتيح للجمهور فسحة من تنشق نسمة منعشة بعد أشهر العزلة البيتية بسبب «كورونا». وهي ليست أي ثياب، بل تلك التي كان الفرنسيون يرتدونها في فترة مبكرة من القرن الماضي، يوم راح المجتمع يخصص لكل مناسبة لباسها. فما ترتديه السيدات على شاطئ البحر لا يشبه ما يرتدينه في السهرات والحفلات. كما ظهرت هناك ملابس مخصصة للرياضيين، وفق مختلف أنواع الرياضات، وأخرى للعمال الذين اعتمدوا البدلة الزرقاء المؤلفة من سروال وصديري متصلين ببعضهما.
حتى الأقدام كانت لها أحذيتها التي تختلف حسب المناسبات. ففي الصيف ظهرت الصنادل المصنوعة من البلاستيك التي تناسب الشواطئ والمشي على الرمال. أما الأمسيات فقد عرفت موضة الأحذية الفرنسية الخفيفة المصنوعة من نسيج حبال القطن والكتان. وكان بعض نماذجها النسائية يربط بالساق بواسطة شرائط من حرير.
يتعرف زائر المعرض على خمس قطع من الثياب فرضت نفسها على المشهد العام. فبالإضافة إلى الأحذية المنسوجة وبدلة العمل، هناك «الفانيلا» أو الشيال القطني الخالي من الأكمام. وبعده تأتي بدلة الرياضة «الجوكينغ» التي أخذت اسمها من الهرولة. وأخيراً التنورة الاسكوتلندية ذات المربعات التي أصبحت موضة للجنسين. أمّا سبب اختيار هذه القطع والتوقف عند تاريخها ومساحات انتشارها فيعود إلى أنّها غادرت موقعها المحدّد وتحوّلت من لباس لمهنة أو رياضة أو قوم أجانب إلى ثياب تلهم المصممين وتماشي الموضة وتحوز إعجاب الكبار والصغار.
يستعير المعرض المئات من الصور التي التقطها مشاهير الفوتوغرافيين وضمنوها كتباً وكتالوغات جمعت أعمالهم. فهناك لقطات لمتنزهات على شاطئ المتوسط، أو لمصارعين من أواخر القرن التاسع عشر، أو لسابحات يرتدين النماذج الأولى من ثياب البحر، أيام كان «المايوه» ينافس في حشمته ثياب الراهبات. وإلى جانب الصور، هناك لوحات غنية بالمعلومات تشرح تاريخ كل زي وتطوراته. فبدلة العمل الزرقاء لم تعد ذلك اللباس الخشن الخاص بعمال المناجم، بل انتقلت إلى خزائن الأنيقات من النساء وظهرت على منصات عروض الأزياء الباريسية الراقية.
تقول إيزابيل كرامبس، المشرفة على المعرض، إن موضوعه واسع وكان يمكن لمنظميه اختيار مئات القطع. لكنّهم اكتفوا بخمس لأنّها الأكثر تمثيلاً للفكرة. والجميل فيه أنّه معرض مناسب في المكان المناسب. ويمكن للزائر أن يتمتع بمنظر البحر من خلال الشرفات والنوافذ المطلة على زرقة الموج من صخرة مرتفعة، وأن يتنسم عبق هواء البحر بعد أشهر من «الاعتقال الصحي» والتباعد الاجتماعي.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».