النظام المالي الألماني مهدّد بالانهيار

بعد تعرضه لانتكاسات متتالية

النظام المالي الألماني مهدّد بالانهيار
TT

النظام المالي الألماني مهدّد بالانهيار

النظام المالي الألماني مهدّد بالانهيار

تعرّضت ألمانيا في الآونة الأخيرة لانتكاسة مصرفية مالية كبيرة. فإلى جانب الاستقالة المدوية لأعضاء إدارة مصرف (كوميرسبنك)، وهو ثاني أكبر مصرف ألماني خاص بعد مصرف (دويتشه بنك)، تعرّضت شركة (وايركارد) الألمانية لفضيحة تاريخية، علماً بأن الأخيرة تعمل في قطاع الدفع الإلكتروني وهي مُدرجة في بورصة (فرانكفورت) كجزء من مؤشر (داكس 30) المرموق. ولقد دفعت الأحداث الأخيرة السوداء إلى تدخّل وزير المال الألماني (أولاف شولتس) مباشر وسط حالة من الارتباك الشديد لدى المسؤولين في حكومة برلين.
يقول المُحلّل المصرفي الألماني فرديناند فيشر إنّ النظام المالي الألماني مهدّد بالانهيار شبه الكامل الذي سيجذب معه إلى القاع مصارف ألمانيا الكبرى إن لم تتخذ السلطات المالية الإجراءات القادرة على التعايش مع تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الألماني. ويضيف أن عدد عمليات الغشّ والاحتيال المصرفي تعاظم عام 2020 بصورة غير طبيعية، جرّاء الضائقة المالية التي يعيشها العالم في ضوء أزمة أسوأ من تلك التي شهدتها المصارف العالمية عقب إفلاس مصرف (ليمان بروذرز) الأميركي. ومنذ بداية عام 2020 درّت عمليات الغش المصرفي على رؤوسها المُدبّرة في ألمانيا أكثر من 541 مليون يورو. وكانت فضحية شركة (وايركارد) الألمانية، المُصنّفة أسهمها «بلو تشيب»، آخر حلقة من هذه العمليات بعد ظهور فجوة مالية هائلة في دفاترها نتيجة احتيال عالمي ظل مستمراً لأعوام دون أن يكتشفه المدقّقون والمنظّمون الألمان. وفي شهر يونيو (حزيران) المنصرم، عجزت شركة (وايركارد) الألمانية عن إقفال ميزانيتها السنوية بسبب غموض يكتنف جزءاً منها.
ويختم: «تحسباً لانجرار شركات تكنولوجية مالية ألمانية أخرى نحو دوامة عمليات الاحتيال والغشّ، تسعى ألمانيا إلى تأسيس هيئة رقابة أوروبية خاصة بخدمات الدفع الإلكتروني التي تديرها الشركات المالية الألمانية والأوروبية الكبرى في موازاة تأسيس هيئة أوروبية لمكافحة غسل الأموال. فألمانيا سوية مع باقي دول الاتحاد الأوروبي تفتقر، لليوم، لهيئات رقابة مالية فعّالة. واللافت أن الأموال اللازمة لتأسيس هكذا هيئات موجودة لكن الإرادة الحكومية الأوروبية غائبة. ما قد يخلق ثقوباً مالية سوداء في الكيان المالي الأوروبي تلتهم مليارات اليوروات سنوياً».
في سياق متصل، ينوّه الخبير المصرفي الألماني أندريا كراخت بأن توحيد أسواق رؤوس الأموال الأوروبية قد يكون مخرجاً لتفادي أزمات مالية مستقبلية.
ويضيف أن تفادي انهيار النظام المالي الألماني منوط ببسط جوّ تجاري آمن على قطاع رقمنة عالم المال الألماني، من جهة، وتطوير سوق تنافسية لخدمات العملات المشفّرة تحت إشراف سلطة نقدية كريبتونية من جهة ثانية. ومن غير المستغرب أن يمرّ القطاع المصرفي الألماني بخضّات متتالية كان آخرها استقالة المدير العام لمصرف (كوميرسبنك). فالقطاع المصرفي برمّته يتم علاجه اليوم بـ«أُبر» من المورفين الحكومية، على شكل مساعدات أو إعفاءات ضريبية، كي لا يستفيق على أوجاع خساراته المالية المتراكمة، نظراً لتكاليف تشغيله المرتفعة وعائداته الهزيلة وسيره على سِكك نموذج تجاري لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي وُضع عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية لمساعدة ألمانيا في الوقوف على قدميها مجدداً.
ويختم: «تعجز حكومة برلين عن الكشف عن الحالة الصحية المالية لكل شركة من الشركات الألمانية الكبرى، على حدا، إلا بعد حصول كارثة فجائية يرتدّ صداها على البيئة الألمانية المالية أو المصرفية الحاضنة بأكملها. وهذا ما حصل مع سهم شركة (وايركارد)، التي كانت تعتبر جوهرة الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا المالية الإلكترونية. فسعر سهمها هبط في أسابيع معدودة، من 100 إلى 4 يوروات فقط، في بورصة فرانكفورت. ما تسبب بضعضعة سمعة الشركات المالية الألمانية الأخرى، محلياً ودولياً. أما المستثمرون الدوليون فعملوا على الابتعاد بسرعة عن أسهم شركات التكنولوجيا المالية الألمانية التي حقّقت أرباحاً، في عام 2019، رست عند 11.8 مليار يورو أي بزيادة 38.6 في المائة تقريباً مقارنة مع عام 2018».


مقالات ذات صلة

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا بوتين يتحدث مع طلاب مدرسة في جمهورية توفا الروسية الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 00:45

بوتين يتوعد الأوكرانيين في كورسك ويشدد على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن الهجوم الأوكراني في كورسك لن يوقف تقدم جيشه في منطقة دونباس، متعهداً بمواصلة العمليات الحربية حتى تحقيق أهداف بلاده.

رائد جبر (موسكو)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».