شبح الموجة الثانية من الوباء يطلّ على أوروبا مبكّراً

إسبانيا وفرنسا تشهدان مستويات مرتفعة من العدوى في عشرات البؤر

سياح يصلون إلى مطار مايوركا في إسبانيا أمس وسط مخاوف من انتشار جديد للعدوى (إ.ب.أ)
سياح يصلون إلى مطار مايوركا في إسبانيا أمس وسط مخاوف من انتشار جديد للعدوى (إ.ب.أ)
TT

شبح الموجة الثانية من الوباء يطلّ على أوروبا مبكّراً

سياح يصلون إلى مطار مايوركا في إسبانيا أمس وسط مخاوف من انتشار جديد للعدوى (إ.ب.أ)
سياح يصلون إلى مطار مايوركا في إسبانيا أمس وسط مخاوف من انتشار جديد للعدوى (إ.ب.أ)

بعد أن بدأ الوباء بالانحسار أواخر أبريل (نيسان) الماضي عن أوروبا التي ضربها بقسوة في المرحلة الأولى، سعت الدول الأوروبية بكل الوسائل لترسيخ الانطباع بإمكانية تمضية فصل الصيف في ظروف طبيعية نسبياً، وإفساح المجال أمام الأجهزة والطواقم الصحية كي تستعدّ لموجة ثانية محتملة لـ«كوفيد - 19» مطالع الخريف، خاصة أن اللقاح لن يكون جاهزاً قبل منتصف السنة المقبلة في أحسن الأحوال وفق غالبية الخبراء. وكان الهدف الأساسي من ذلك هو تعويض بعض الخسائر التي أصابت القطاع السياحي الذي تعتمد عليه اقتصادات أوروبية عدة.
لكن تكاثر البؤر الجديدة في عدد من البلدان، والارتفاع الملحوظ في الإصابات الجديدة، دفع بدول عدة إلى اتخاذ تدابير احترازية متشددة على مواطنيها والوافدين إليها من الخارج، لم تكن في البرنامج الذي وضعته لهذا الصيف.
من أكثر البلدان تأثراً بهذا الوضع الجديد حالياً هي إسبانيا، حيث فرضت النرويج حجراً صحيّاً إلزاميّاً لعشرة أيام على الوافدين من إسبانيا ابتداء من نهاية هذا الأسبوع، فيما طلبت فرنسا من مواطنيها الامتناع عن السفر إلى إقليم كتالونيا المحاذي لحدودها بعد أن تضاعفت فيه الإصابات الجديدة ثلاث مرات في الأيام السبعة الماضية. وكانت بلجيكا قد ذهبت أبعد من ذلك، عندما منعت مواطنيها من السفر إلى ثلاثة أقاليم إسبانية هي ويسكا ولييدا وآراغون، ونصحت بعدم انتقالهم إلى خمسة أقاليم أخرى وفرض حجر صحي على الوافدين منها بعد إخضاعهم لفحوصات إلزامية.
من جهتها، أعلنت السلطات الإيطالية فرض حجر صحي لأسبوعين على جميع القادمين من بلغاريا ورومانيا بعد ارتفاع عدد الإصابات الجديدة في هذين البلدين خلال الأيام الأخيرة، وقالت إنها تدرس تعميم هذا الإجراء على الدول والمناطق الأوروبية الأخرى التي تشهد عودة لانتشار الوباء.
وبالإضافة إلى تشديد الإجراءات على الحدود الداخلية للاتحاد، بما في ذلك ضمن منطقة شينغن، بدأت معظم الدول باتخاذ تدابير لفرض استخدام الكمّامات في الأماكن العامة، كما فعلت فرنسا. وعمدت دول أخرى إلى وقف إجراءات الانفتاح مثل بلجيكا، حيث ارتفع عدد الإصابات الجديدة بنسبة 89 في المائة في الأيام العشرة الماضية. وبينما تجهد بلدان الاتحاد الأوروبي لتحاشي العودة إلى العزل التام الذي أنهك اقتصاداتها خلال المرحلة الأولى، تواجه معضلة عدم وقف العجلة الاقتصادية وإنقاذ ما أمكن من الموسم السياحي وقطاع الزراعة الذي يحتاج بكثافة ليد عاملة أجنبية، من غير أن يؤدي ذلك إلى انتشار الوباء مجدداً على نطاق واسع. وتخشى دول الاتحاد أن تتحوّل البؤر الجديدة إلى الموجة الثانية التي يخشاها الجميع، محمولة على الحركة الكثيفة التي يشهدها الموسم السياحي في الصيف والأنشطة الزراعية.
ومن المشاهد المعبّرة عن حالة القلق التي تعيشها أوروبا حالياً من عودة الوباء، ما قامت به السلطات الصحية في إقليم «آكيتان الجديدة» في جنوب غربي فرنسا، عندما فتحت مراكز للفحوصات المجانية السريعة في المنتجعات السياحية بعد أن لاحظت ظهور 13 بؤرة جديدة للوباء في الأيام الأخيرة. وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت أنها باشرت باتخاذ إجراءات جديدة لتقريب مراكز الفحوصات والمتابعة من المواطنين في المناطق السياحية، وطلبت من المختبرات زيادة قدراتها، وفرضت استخدام الكمامات في جميع الأماكن العامة ابتداء من مطلع الأسبوع المقبل. كما أعلنت إخضاع الوافدين من 16 بلداً، بينها الهند والولايات المتحدة الأميركية، لفحوصات إلزامية في المطارات.
وبينما كان عدد الإصابات اليومية الجديدة في فرنسا يزيد على الألف في الأيام الثلاثة المنصرمة، تساءل كثيرون حول ما إذا كانت هذه الإجراءات تساعد على نشر الاطمئنان بين المصطافين أو العكس. وكانت ألمانيا، التي تعتبر من البلدان التي نجحت نسبياً في مواجهة الفيروس، قد اتخذت تدابير مماثلة بإجراء فحوصات مجانية في المطارات للوافدين من البلدان والمناطق المدرجة على لائحة الخطر، لكن خارج منطقة شينغن تحاشيا لفرض الحجر الصحي. وتخشى السلطات الألمانية أن تؤدي الحركة الكثيفة لمواطنيها خلال فصل الصيف إلى انتشار الوباء بين الوافدين من الخارج.
وفي بريطانيا، قررت الحكومة فرض استخدام الكمّامات في المتاجر والسوبر ماركت والمصارف ومكاتب البريد ومحطات النقل العام، تفاديا لارتفاع مستويات العدوى المحلية. ورغم تحسّن الوضع الوبائي بشكل ملحوظ في إيطاليا، فإن الإصابات الجديدة ما زالت تسجّا ارتفاعاً مضطرداً منذ أيام مع ظهور بؤر جديدة بسبب «الحالات المستوردة»، ما دفع السلطات الصحية إلى فرض الحجر الصحي الإلزامي على الوافدين من بلغاريا ورومانيا. ودعا وزير الصحة روبرتو سبيرانزا الدول الأوروبية الأخرى إلى أقصى درجات الحيطة وتبدية الاعتبارات الصحية على أي اعتبارات أخرى، لأن «الفيروس لم يُهزم، وما زال بيننا».
وأفاد المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة بأن وتيرة انتشار الوباء قد ارتفعت بنسبة عالية خلال الأيام الأخيرة في إسبانيا، وبلغت 34.6 حالة لكل مائة ألف مواطن، علما بأنها 13.9 في فرنسا و14.3 في المملكة المتحدة و19.4 في بلجيكا. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الإصابات اليومية كان قد بلغ 800 عشيّة إعلان حالة الطوارئ والعزل التام في إسبانيا في 13 مارس (آذار) الماضي، بينما بلغ 922 يوم الجمعة الماضي.


مقالات ذات صلة

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ (رويترز)

زوكربيرغ: البيت الأبيض ضغط على «فيسبوك» لفرض رقابة على محتوى «كورونا»

أقر الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ بقيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط على موقع «فيسبوك» لفرض رقابة على المحتوى المتعلق بجائحة كورونا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا هانس كلوغه (أرشيفية - رويترز)

«الصحة العالمية»: جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد»

قال المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا، هانس كلوغه، اليوم (الثلاثاء)، إن جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم ممرضة تحضر جرعات من لقاح «كورونا» في دار للمسنين بإسبانيا (إ.ب.أ)

بريطانيا: الآلاف يطالبون بتعويضات بعد إصابتهم بمشكلات خطيرة بسبب لقاحات «كورونا»

تقدم ما يقرب من 14 ألف شخص في بريطانيا بطلبات للحصول على تعويضات من الحكومة عن الأضرار المزعومة الناجمة عن تلقيهم لقاحات «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب اعتباراً من ديسمبر بعد فرض ضوابط صارمة منذ عام 2020 بسبب جائحة «كورونا» (أ.ف.ب)

كوريا الشمالية تستأنف استقبال الزوار الأجانب في ديسمبر

قالت شركات سياحة، اليوم (الأربعاء)، إن كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب في مدينة سامجيون بشمال شرقي البلاد في ديسمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (سول)

قضاة فرنسيون سيحددون الخطوة التالية في التحقيق مع مؤسس «تلغرام»

بافيل دوروف مالك ومؤسس «تلغرام» (رويترز)
بافيل دوروف مالك ومؤسس «تلغرام» (رويترز)
TT

قضاة فرنسيون سيحددون الخطوة التالية في التحقيق مع مؤسس «تلغرام»

بافيل دوروف مالك ومؤسس «تلغرام» (رويترز)
بافيل دوروف مالك ومؤسس «تلغرام» (رويترز)

من المقرر أن يحدد قضاة تحقيق في فرنسا، اليوم (الأربعاء)، ما إذا كانوا سيُخضعون بافيل دوروف، مالك ومؤسس «تلغرام»، المولود في روسيا، لتحقيق رسمي بعد اعتقاله في إطار تحقيق بارتكاب جريمة منظمة على تطبيق التراسل.

وبحسب «رويترز»، سلّط اعتقال دوروف لدى نزوله من طائرة خاصة في مطار قريب من باريس مساء يوم السبت، الضوء على المسؤولية الجنائية لمقدمي التطبيقات، وأثار جدلاً بشأن النقطة التي تنتهي عندها حرية التعبير ومن أين يبدأ تنفيذ القانون.

ومن المتوقع أن يصدر القضاة قرارهم بحلول الساعة الثامنة مساء اليوم (18:00 بتوقيت غرينتش)، أي بعد مرور 96 ساعة أو أربعة أيام على احتجاز دوروف، وهي أقصى مدة يمكن احتجازه فيها قبل أن يقرر القضاة ما إذا كانوا سيُخضعونه لتحقيق رسمي.

وذكرت صحيفة «بوليتيكو» أن السلطات الفرنسية أصدرت أيضاً مذكرة اعتقال بحق نيكولاي، شقيق دوروف وأحد مؤسسي «تلغرام»، وأن مذكرتي اعتقال الأخوين صدرتا في مارس (آذار).

ورداً على سؤال عن تقرير الصحيفة، قال مكتب المدعي العام في باريس إنه لا يعلق على أوامر الاعتقال لأنها تخضع لسرية التحقيق. وأضاف أن الشخص الوحيد الذي يتم استجوابه في هذه المرحلة بهذه القضية هو بافيل دوروف.

وسلّط القبض على دوروف الضوء أيضاً على العلاقة المتوترة بين «تلغرام»، الذي لديه زهاء مليار مستخدم، والحكومات.

ووضع المتهم رهن التحقيق الرسمي في فرنسا لا يعني إدانته أو إحالته بالضرورة إلى المحاكمة، لكنه يشير إلى أن القضاة يرون أن القضية فيها ما يكفي للمضي قدماً نحو التحقيق. وقد يستمر التحقيق لسنوات قبل الإحالة إلى المحاكمة أو حفظ التحقيق.

وإذا ما وُضع دوروف رهن التحقيق الرسمي، فسيقرر القضاة أيضاً ما إذا كانوا سيضعونه في الحبس الاحتياطي وسينظرون أيضاً فيما إذا كان سيحاول الفرار.

وقال مصدر في مكتب المدعي العام في باريس إن تحديثاً بشأن التحقيق من المرجح أن يصدر في وقت متأخر من اليوم (الأربعاء).

ولا يستهدف التحقيق بصفة عامة في هذه المرحلة أشخاصاً بعينهم.

وقال ممثلو الادعاء إن التحقيق يركز على شبهة التواطؤ في جرائم تشمل إدارة منصة على الإنترنت تسمح بمعاملات غير مشروعة وحيازتها صور انتهاكات جنسية لأطفال وعمليات اتجار في المخدرات واحتيال ورفضها تقديم معلومات إلى السلطات وتقدم خدمات تشفير للمجرمين.

ولم يذكر مكتب الادعاء العام ما هي الجريمة أو الجرائم التي يشتبه في أن دوروف نفسه قد ارتكبها.