«بدو النقب وبئر السبع»... 100 عام من الاحتلالات والكفاح

«بدو النقب وبئر السبع»... 100 عام من الاحتلالات والكفاح
TT

«بدو النقب وبئر السبع»... 100 عام من الاحتلالات والكفاح

«بدو النقب وبئر السبع»... 100 عام من الاحتلالات والكفاح

صدر كتاب «بدو النقب وبئر السبع 100 عام من السياسة والنضال» للدكتور منصور النصاصرة، ترجمة ساندرا الأشهب، وهو أحد إصدارات مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية للكتب المُترجَمة. يتألف الكتاب من 11 فصلاً، إضافة إلى ثبْت بالمصادر والملاحق والصور التي تضمّنها الكتاب.
يتمحور الفصل الأول على «فهم مشروع الدولة - السلطة والمقاومة والأصلانية القانونية». فالدولة الحديثة - بحسب تعريف ماكس فيبر - هي «منظمة سياسية إلزامية ذات تنظيم متصل، تنجح حكومتها في احتكار الاستخدام الشرعي للقوة في تنفيذ أوامرها ضمن منطقة إقليمية معيّنة». وإذا كانت السلطة والمقاومة مفهومين واضحين، فإن مصطلح «الشعوب الأصلانية» لا يزال غامضاً ويثير اللبس حتى الوقت الحاضر؛ لأنه يتشابك ويتشابه مع مصطلحات أخرى مثل الشعوب الأولى، والسكان الأصلانيين، وشعوب العالم الرابع وغيرها من التسميات التي تشير إلى تجمعات بشرية مبثوثة في أميركا، وأستراليا، ونيوزيلندا، والمكسيك، والبرازيل، وإسرائيل. ولعل أسهل تعريف للشعب الأصلاني، أنه «يتألف من أمة عاشت لأجيال في إقليم غزاهُ مجتمع استيطاني جديد».
يستأنس الباحث برأي ابن خلدون الذي وصف البدو «بأنهم غير متمدنين، لكنهم هم العرب الأصليون الذين وُجدوا قبل سكّان المدن المستقرين». وعندما سيطرت الإمبراطورية العثمانية على فلسطين لأكثر من 400 عام (1516 - 1917) حاولت دمج البدو في الإدارة المركزية بعد أن جعلت معظم الأراضي تابعة لها، وشرعت في بناء مدينة بئر السبع كمركز إداري عام 1900 فانتقلت السيطرة على جنوب فلسطين إلى العثمانيين بعد أن كانت بئر السبع تُدار إمّا من غزة أو القدس. أما البدو الذين كانوا يدفعون الضرائب على الأراضي الزراعية والمواشي فهو مؤشر واضح يعترف بمِلكية الأراضي للبدو الذين استوطنوا بئر السبع التي تُعدّ أهمّ رمزٍ خلّفه العثمانيون في جنوب فلسطين.
يناقش الفصل الثالث احتلال الجيش البريطاني لبئر السبع والخسارة الكبيرة التي تكبّدوها في الأرواح، لكنّ المواجهة انتهت لمصلحة البريطانيين. ويرصد الباحث طبيعة علاقة المُستعمِر البريطاني مع العرب البدو في جنوب فلسطين وكيفية اعتماد السلطة البريطانية على الشيوخ الذي ساهموا في حفظ النظام، وتأمين الحدود، مقابل الاستجابة لتخفيض الضرائب على الأراضي الزراعية والمواشي، خاصة في سنوات القحط والجفاف، إضافة إلى مطالبتهم بتحسين الخدمات الإدارية، والصحية، والتعليمية. كما يركز هذا الفصل على إنشاء المحاكم العشائرية الإقليمية التي تبتُّ في مئات القضايا، وتنفِّذ أحكامها. يعرِّج الباحث على انسحاب القوات البريطانية من بئر السبع في 14 مايو (أيار) 1948 ورفع العلم الفلسطيني على بناياتها الرسمية، لكن المدينة سرعان ما سقطت بأيدي القوات الإسرائيلية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام ذاته لتبدأ نكبة التهجير المعروفة.
يكتب بن غوريون في رسالة لابنه عاموس «إن أراضي النقب محجوزة للمواطنين اليهود متى أرادوا... ويجب أن نطرد العرب لضمان حقنا في الاستيطان على هذه الأرض». يتضمن الفصل الرابع حلم ثيودور هرتزل في تأسيس دولة أحادية الدين ولم ينكر بأن فلسطين كانت مأهولة بالشعب الفلسطيني، لكنه كان يراهم «رجعيين ومتخلفين». كما يستعرض الباحث الهجرات اليهودية المتتالية وبناء المستوطنات وإعلان دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 وهجوم الجيوش العربية على إسرائيل، وهجرة العرب البدو، وتوقيع اتفاقيات الهدنة مع البلدان العربية المحيطة بإسرائيل.

يسلّط الباحث الضوء على عدد من الحكّام العسكريين الذين يجيدون اللغة العربية ويعرفون ثقافتها مثل ساسون بار تسفي، ويتسحاق تسيماح اللذين كانا يتصرفان كعرب، لكن منظومة الحكم العسكري ظلت أنموذجاً استيطانياً للمحسوبية والفساد.
أصبح الحاكم العسكري الصارم هو الذي يرسم مستقبل البدو، ويعيد تشكيلهم من جديد، فمن بين 95 عشيرة بدوية في جنوب فلسطين بقيت منها 19 عشيرة في النقب وبئر السبع أسكنوهم في منطقة مغلقة أطلقوا عليها اسم «السياج»، وهجّروا بعض مشايخهم إلى الأردن ومصر. كما طلبت السلطات الإسرائيلية من هذه العشائر أن تؤدي قسم الولاء لتطرد بالنتيجة العشائر غير الموالية مثل عشيرة الصانع التي هُجِّرت إلى الأردن، لكن الملك لم يسمح لهم بالإقامة الدائمة خشية من انضمام المزيد من القبائل المُهجّرة. وقد أجرت الحكومة الإسرائيلية خمس عمليات تعداد سكاني، لكنها لم تنجح لأن البدو رفضوا التعاون مع الجهود المبذولة لإحصائهم.
لجأت سلطات الحكم العسكري إلى تعيين شيوخ القبائل للسيطرة على السكّان الأصليين لدرجة أن هؤلاء المشايخ أصبحوا وكلاء للإدارة العسكرية يزوّدونها بالمعلومات التفصيلية عن المواليد والوفيات وحالات الزواج. تبنى البدو استراتيجية «اقتصاد الحدود» حيث لجأوا إلى تهريب القهوة والحلويات والأقمشة والمواشي التي تُعينهم على تحمّل نفقات المعيشة اليومية الصعبة. كما كانوا يستقبلون المهجّرين ويلمّون الشمل. وعلى الرغم من انتفاع الشيوخ مادياً فإنهم كانوا يقاومون المحتل بطرق متعددة، أبسطها التضليل وعدم التعاون. ارتأى الساسة الإسرائيليون بعد مجزرة كفر قاسم ضرورة إنهاء الحكم العسكري؛ وذلك لتناقضه مع اشتراطات الدولة الديمقراطية التي شجعّت على تخفيض بعض القيود عن العرب البدو الذين يتعرضون للتهميش، وحظر التجوال، ومصادرة الأراضي، ورغم المضايقات التي شهدها النقباويون، فإنهم نجحوا في بناء المدارس، والمشاركة في الانتخابات، والوصول إلى الكنيست، لكن بعضهم رضخ لسياسة التوطين التي يسعى لها المحتل أو اختاروها طوعياً بأنفسهم، وطلبوا السكن في الأماكن المختلطة بعيداً عن المناطق الحدودية في الجزء الشمالي الشرقي من النقب.
استمرت إسرائيل بعد انتهاء الحُكم العسكري بفرض سياسة الاستعمار الداخلي على البدو الأصليين، حيث تمّ بناء سبعة مواقع لتوطين أهل النقب قسرياً، وكان الهدف من هذا التوطين الإلزامي هو تفكيك قبائل النقب وتفتيتها، وسلخها من بداوتها وعروبتها ثم تمدينها لتهويد الأرض والإنسان. وقد فشل مشروع التوطين في قرية «تل السبع»، لكنه نجح جزئياً في قرية «رهط» وأصبحت حركة التنقّل أكثر حرية، وصار بإمكان العربي الحصول على تصريح تنقّل من أي مركز شرطة. وعلى الرغم من انتقال السلطة الرسمية إلى الشرطة، فإن السياسة الجديدة كانت وجهاً آخر للعملة نفسها لأنهم لا يزالون يعاملون العربي كخطر أمني.
يفحص الفصل العاشر الوعي السياسي الذي برز بعد اتفاقية أوسلو، حيث شهد النقب نهضة ثقافية متميزة أسفرت عن تأسيس أحزاب وطنية تسعى لتمثيل أهالي النقب سياسياً، وتحاول تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية مثل حزب «نداء الوفاق». كما يركِّز هذا الفصل على دعم وصايا لجنة غولدبيرغ الداعية للاعتراف بأكبر عدد من القرى النقباوية ومنع تمرير قانون «برافر» العنصري ودخوله حيّز التنفيذ.
يخلص الدكتور منصور النصاصرة إلى أن العثمانيين والسلطات البريطانية قد اعترفوا بحقوق القبائل الفلسطينية الأصلية في الأرض وبقية الموارد الأخرى في النقب وبئر السبع في جنوب فلسطين، بينما ظل الحكم العسكري الإسرائيلي يرى فيهم خطراً على الأمن وتهديداً للتوازن السكاني في الدولة الجديدة. وقد دعّم الباحث طروحاته بالأدلة والسجلات الأرشيفية العثمانية والبريطانية.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.