جازان... تنوّع التضاريس والمناخ ينعكس أصالة وجمالاً

من طوق الورد إلى ملابس الساحل والجبل والطعام والبُنّ

لسكان الجبال مهارة عالية في تسلقها من دون استخدام أدوات مساعدة
لسكان الجبال مهارة عالية في تسلقها من دون استخدام أدوات مساعدة
TT

جازان... تنوّع التضاريس والمناخ ينعكس أصالة وجمالاً

لسكان الجبال مهارة عالية في تسلقها من دون استخدام أدوات مساعدة
لسكان الجبال مهارة عالية في تسلقها من دون استخدام أدوات مساعدة

تتميّز منطقة جازان عن مناطق السعودية في تعدد ثقافاتها وتنوعها الجغرافي. فلكلّ مدينة أو محافظة فيها لهجة وأسلوب حياة يختلف عن الأخرى، حيث المدن الساحلية والجزر والجبال، ولكل منها نمطها المميز سواء في الثقافة أو التقاليد.
يمكن ملاحظة هذا الاختلاف وتتبّعه من سواحل جازان (جنوب السعودية) حتى جبالها، حيث لا تزال ثقافاتها محافظة على أصالتها، بدءاً من أزياء رجالها ونسائها، وطوق ورد على الرؤوس أو في عقود «الفلّ» على الصدور.
كثيرون في جازان يرفضون التخلي عن الأزياء التقليدية، مثل الإزار أو كما تسمّى «الوزرة»، ولها نوعان في المنطقة؛ ساحلي ويكون لونه أبيض، وجبلي يأخذ اللون الأسود، ويوضع عليها «الجنبية» أو الخنجر، وتختلف ألوانها بسبب اختلاف التضاريس ودرجات الحرارة في فصل الصيف، حسبما يقول سكان المنطقة خلال جولة لـ«الشرق الأوسط».
وتكون درجات الحرارة أكثر برودة في الجبال مقارنةً بالسواحل، إضافةً إلى وفرة الأمطار فيها، وهو ما يجعلها خضراء، تجمع المياه بمدرجات تمتد من قمة الجبال وتحفظ التربة، وتُصرّف المياه بطرق هندسية، توصلها من قمم الجبال وأسطح المنازل إلى خزانات لحفظها بغية الاستفادة منها في ري المزارع، خصوصاً في فصول الجفاف.
وينعكس التنوع في المناخ والتضاريس على نمط وأسلوب الحياة، ليمتد إلى موائد الطعام التي تختلف بين البيئات الجبلية والبحرية. إذ يقول بعض سكان الجبال في حديثهم مع «الشرق الأوسط» إنّ وجبتهم المفضلة «عيش ودام» أي الأرز واللحم، في حين يفضل سكان السواحل الأكلات البحرية إذ تشتهر جازان بأطباق متعددة إلى جانب نوعية الأسماك مثل الحريد الذي يقام له مهرجان سنوي في جزر فرسان.
وتتميّز جبال جازان بمحاصيلها الزراعية مثل البُن والزعتر والتين البري والمانغو والحبق البري ومختلف أنواع النباتات، ومنها الصبار والنباتات العطرية، إضافة إلى العسل. ويتّخذ النّحل من بعض صخور جبال جازان خلايا يسكنها، ويملأها مما تفرزه بطونه من العسل، وتنتشر في أعالي الجبال، الأمر الذي جعل سكانها يتميّزون بمهارة عالية في تسلق الجبال الحادة من دون استخدام أدوات تساعدهم في ذلك؛ في حين أنّ سكان السواحل يميلون إلى الإبحار وصيد السمك. وعلى الرّغم من هذا الاختلاف، فهناك العديد من القواسم المشتركة بين السواحل والجبال.
يوجد في منطقة جازان الإدارية، التي يبلغ تعدادها السّكاني 1.5 مليون نسمة، العديد من اللهجات المحلية، التي تختلف من موقع لآخر، وهي لهجات جبلية، تختلف في طريقة نطقها للكلمات العربية، ولكنّ السكان المحلّيون يستطيع بعضهم فهم بعض، في حين يصعب على الآخرين من خارج المنطقة فهمها بسهولة. ومن بين هذه اللهجات، (الريث، وفيفا، وبني الغازي، وهروب، وبني مالك، وسلا)، وهي تعدّ لهجات خولانية تعود إلى الحميرية، كما أنّ لكل محافظة فيها خصوصية في لهجتها أو فرقاً نسبياً.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».