مبادرة «اكتشف تراثك» بيوت ضيافة ومتاحف بمتناول يديك

أطلقتها الـ«أجندة الثقافية» بدعم من الاتحاد الأوروبي

مبادرة «اكتشف تراثك» بيوت ضيافة ومتاحف بمتناول يديك
TT

مبادرة «اكتشف تراثك» بيوت ضيافة ومتاحف بمتناول يديك

مبادرة «اكتشف تراثك» بيوت ضيافة ومتاحف بمتناول يديك

مرة جديدة تُفعّل السياحة الداخلية من خلال مبادرة «اكتشف تراثك». ففي ظل غياب إمكانية السفر إلى خارج لبنان وبشكل محدود، يشكّل هذا النشاط أفضل وسيلة ترفيه يمكن اعتمادها من قبل اللبنانيين. كما أنه في الوقت عينه يدفع بالمغتربين وبشريحة من السياح التفكير بزيارة لبنان والاطلاع على تراثه الثقافي.
ومن هذا المنطلق أطلقت الـ«أجندة الثقافية» في لبنان بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي هذه المبادرة التي خصّصت ثلاث نقاط مهمة من موطن الأرز لاكتشافها والاطّلاع عليها. ومع ثلاث خرائط سياحية تشمل بيوت الضيافة والمتاحف ومصانع عصير العنب، تتألف مبادرة «اكتشف تراثك».
وتشير مديرة المبادرة وصاحبة الـ«أجندة الثقافية» ميريام شومان، إلى أن النقاط السياحية التي اختيرت، تشكل مجموعة صغيرة من نشاطات عدة يمكن ممارستها في لبنان. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «نأمل أن تحرك هذه المبادرة العجلة الاقتصادية، وتسهم في تعريف اللبنانيين بتراثهم. فهناك قلة منهم على بيّنة بمعالم بلدهم في حين شريحة أخرى، لا يستهان بها تجهلها تماماً».
وعن سبب دعم الاتحاد الأوروبي لهذا النشاط تردّ شومان في سياق حديثها «لم يتردّد الاتحاد الأوروبي يوماً عن دعم نشاطاتنا الثقافية في لبنان. وعندما اقترحت على سفيرها في لبنان رالف طراف خريطة مبادرتنا المرتكزة على ثلاث نقاط سياحية أبداً تجاوباً كبيراً وقرر دعمها».
خيارات الخرائط السياحية الثلاث لهذه المبادرة تأتي على خلفية تأمين إقامة مريحة للسائح من خلال بيوت ضيافة تتوزع على مختلف المناطق اللبنانية، ويصل عددها إلى نحو 140 موقعاً. في حين عملية إدراج المتاحف وعددها نحو 97 معلماً ثقافياً، فتعود إلى ضرورة حث اللبناني على التعرف إليها عن كثب. «من بين هذه المتاحف ما يندرج على الخريطة الثقافية العالمية للمتاحف كـ(ميم) في بيروت. فهو من المتاحف النادرة التي تتضمن أقدم أنواع الأحجار الكريمة، وغيرها». توضح ميريام شومان التي تعد متاحف أخرى كثيرة تنضم إلى لائحة مبادرتها. «هناك متحف (منجز) في منطقة عكار من العصور الوسطى، ومتحف القبيات للطيور والفراشات في المنطقة نفسها ومتحف (عساف) في الشوف للمنحوتات».
ومن المواقع الثقافية الأخرى التي تتضمنها المبادرة في موضوع المتاحف تلك التي تحكي قصة حياة أديب أو فيلسوف لبناني. ومن بينها متحف جبران خليل جبران في بشري، ومنزل ميخائيل نعيمة في الزلقا، ومتحف أمين الريحاني في بلدة الفريكة في قضاء المتن.
«هناك أيضاً متاحف تحمل التسلية والترفيه كالخاصة بالبطل الرياضي بيلي كرم في منطقة الزوق. وهو يحتوي على آلاف سيارات السباق المنمنمة والصغيرة التي جمعها من بلدان عربية وأجنبية». تقول ميريام شومان، مسلطة الضوء على متحف دخل موسوعة «غينيس» في عام 2016، بعد جمعه نحو 40 ألف سيارة صغيرة نادرة.
وتقوم مبادرة «اكتشف تراثك» من ناحية ثانية على بيوت الضيافة التي تعتبر مراكز إقامة حديثة وقديمة يستطيع زائرها أن يمضي فيها عطلة أسبوع لا تشبه غيرها.
وتوضح ميريام شومان «في لبنان بيوت ضيافة كثيرة تتوزع على مناطق بيروت والبقاع والشمال والجنوب وجبل لبنان. ومنها ما يحمل التراث اللبناني العريق في عمارته، وأخرى مطلة على البحر. كما بعضها يقع في عمق الريف اللبناني الذي يتمتع بخصائص طبيعية هائلة».
وهذه البيوت تؤمّن إلى جانب المنامة تناول الطعام القروي وأطباق أخرى من المطبخ اللبناني الحديث (فيوجن)، والفرص متاحة لممارسة رياضات السباحة والسير على الأقدام. «هناك بيوت ضيافة في البقاع، وبالتحديد في الهرمل تقع بالقرب من نهر العاصي. وبإمكان المقيم فيها ممارسة رياضة الـ(هايكنغ) والـ(رافتينغ) حسب رغبته». تشرح شومان.
وعلى خريطة صناعة عصائر العنب من أحمر وأبيض تقدم المبادرة مجموعة منها في البقاع كـ«كروم» و«بركة» و«ايريتاج» و«كفريا»، وغيرها.
وتختم ميريام شومان حديثها «ما نقوم به في هذه الفترة في لبنان، هو بمثابة رسالة ثقافية حرصنا على تطبيقها والترويج لها للإسهام في تسليط الضوء على لبنان الأخضر. فبعيداً عن مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، يمكننا أن نجد متنفساً طبيعياً بكلفة معقولة يخولنا التزود بطاقة إيجابية نحتاج إليها في ظل السلبيات التي نعيشها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».