لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

رئيس الدومينيكان تعود أصوله إلى بلدة بسكنتا اللبنانية

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية
TT

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

لويس أبي ناضر... فرصة جديدة لتعزيز العلاقات العربية ـ اللاتينية

في السادس عشر من أغسطس (آب) المقبل تنتقل مقاليد الحكم في جمهورية الدومينيكان إلى الرئيس الجديد لويس أبي ناضر الذي انتخب في الخامس من هذا الشهر فاتحاً بذلك صفحة جديدة في سجلّ الرؤساء المتحدّرين من أصول عربية في أميركا اللاتينية، إذ تجدر الإشارة إلى أن والده يوسف أبي ناضر مولود في بلدة بسكنتا (قضاء المتن بلبنان)، مسقط رأس المفكّر والكاتب اللبناني المعروف ميخائيل نعيمة.

جمهورية الدومينيكان تتقاسم مع جارتها هاييتي جزيرة هسبانيولا، إحدى الجزر الـ13 في البحر الكاريبي والثانية من حيث المساحة بعد كوبا. ولقد كانت هسبانيولا أوّل موئل ثابت في القارة الأميركية للفاتحين الإسبان الذين نزلوا فيها بقيادة الإيطالي كريستوف كولومبوس عام 1492 بعد أشهر من سقوط مملكة غرناطة آخر الممالك العربية في الأندلس. ورغم أن اقتصاد الدومينيكان يسجّل أعلى مستويات النمو في أميركا اللاتينية منذ خمس سنوات معتمداً بشكل أساسي على قطاع السياحة، ما زالت نسبة الفقر فيها تتجاوز 45 في المائة من مجموع السكّان، ما يجعل منها واحدة من أكثر الدول تفاوتاً في مستوى الدخل بين مواطنيها.
من ناحية ثانية، لويس أبي ناضر ليس الرئيس الأول المتحدّر من أصول لبنانية في جمهورية الدومينيكان التي كان للمتحدّرين من هذا البلد حضور بارز في تاريخها السياسي منذ أن نالت استقلالها عن التاج الإسباني في أواخر القرن الميلادي الـ19. ثم تحررت من الاحتلال الأميركي مطالع العقد الثالث من القرن الماضي.
بطاقة هوية

ولد لويس يوسف أبي ناضر عام 1967 في عائلة ميسورة تتعاطى التجارة منذ أن هاجرت من لبنان في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وكان والده يوسف ناشطاً في المعترك السياسي، فتولّى منصب نائب رئيس الحزب الثوري الذي كان من مؤسّسيه ومنظّره الأول قبل أن ينصرف إلى تأسيس جامعة معهد سانتو دومينغو للتكنولوجيا التي كان أوّل رئيس لها. وقد أطلق على قاعة المحاضرات الرئيسية فيها اسم مواطنه ميخائيل نعيمة الذي نقل أعماله إلى الإسبانية.
وتخرّج لويس من كليّة الاقتصاد في الجامعة التي أسسها والده. ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث تابع تخصصه في جامعة هارفارد العريقة، قبل أن يعود ليتولّى إدارة المؤسسات العائلية في مجالات السياحة وإنتاج مواد البناء، ويغدو رئيساً لمجموعة «آبيكور» السياحية التي تعتبر من أكبر شركات هذا القطاع في عموم أميركا اللاتينية.
وسار أبي ناضر الابن على خطى والده في السياسة فانضمّ إلى الحزب الثوري حتى العام 2014، عندما بدأ الحزب ينحرف عن الخط الذي رسمه والده. وعندها انشقّ عنه وأسس حزباً جديداً سماه «الحزب الثوري الجديد» (يسار الوسط) وترشّح عنه لرئاسة الجمهورية في العام 2016 حين نال 36 في المائة من الأصوات، معزّزاً موقعه وحظوظه استعداداً للانتخابات التالية.
وبالفعل، في الانتخابات التي أجريت يوم 5 يوليو (تموز) الجاري نال أبي ناضر نسبة 52.2 في المائة من الأصوات ليصبح الرئيس الأول الذي يخرج من صفوف المعارضة منذ 16 سنة، والأول في زمن جائحة «كوفيد - 19» التي أصيب بفيروسها هو وزوجته إستير عربجي... المتحدّرة هي أيضا من أصول لبنانية.

فوزه الانتخابي

من العوامل الرئيسية التي ساعدت على فوز أبي ناضر في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح حزب التحرير الحاكم، الفساد الذي تراكم طوال 16 سنة احتفظ خلالها هذا الحزب بالحكم. وفي أول تصريح لأبي ناضر بعد انتخابه قال: «كان من الأسهل لو اقتصرت الأمور على معالجة إرث الفساد الذي تراكم طوال سنوات في المؤسسات الضعيفة والقضاء، لكن جائحة (كوفيد - 19) تفرض علينا تحديات لها الأولوية المطلقة في برنامج عمل الحكومة الجديدة». وللعلم، كان الرئيس الجديد قد وعد بإيجاد 600 ألف فرصة عمل جديدة خلال ولايته.
عودة، لمسألة أصل أبي ناضر، نشير إلى أنه في العام 1982 وصل متحدر آخر من أصول لبنانية إلى رئاسة جمهورية الدومينيكان هو يعقوب مخلوطة عازار، الذي كان رئيساً لمجلس الشيوخ، ثم صار نائباً لرئيس الجمهورية عندما توفّي الرئيس أنطونيو غوزمان، وتولّى مكانه لفترة 42 يوماً. وعاد ليترشّح في العام 1986 لكن الحظ لم يحالفه بسبب «انقلاب» عليه داخل الحزب الثوري الذي كان قد انضمّ إليه بعيد اغتيال الديكتاتور رافاييل تروخيّو عام 1961 وأصبح أصغر وزير في تاريخ الجمهورية عندما كان لا يزال في الثامنة والعشرين من عمره. ولقد أمضى مخلوطة آخر سنوات حياته في ولاية فلوريدا الأميركية حيث كان يعالج من مرض عضال. وظل رغم ابتعاده عن بلاده يتمتع بشعبية واسعة بين مواطنيه بدليل إطلاق اسمه بعد وفاته على أكبر شارع في العاصمة سانتو دومينغو.

جولة مع الماضي

جدير بالذكر أن حضور المتحدرين من أصول لبنانية في المشهد السياسي لجمهورية الدومينيكان يعود إلى أواسط القرن الماضي إبّان حكم الديكتاتور رافاييل تروخيّو الذي ارتبط اسمه بتاريخ الجزيرة ومنطقة حوض البحر الكاريبي بكاملها، إذ هيمن على الحياة السياسية طوال 32 سنة حتى اغتياله في العام 1961. حتى أن العاصمة سانتو دومينغو عرفت لفترة باسم سيوداد تروخيّو (أي مدينة تروخيّو). هذا، وكان تروخيّو جندياً في قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» عندما اجتاحت الجزيرة عام 1916، ثم التحق بالكليّة الحربيّة التي أسستها الولايات المتحدة في الجزيرة ليتخرّج منها ويصبح قائداً للشرطة. ومن ثم، يتولّى قيادة الجيش ويحكم سيطرته على البلاد بعد رحيل الأميركيين. ولقد اتسمت فترة حكم تروخيّو الديكتاتور التي امتدت لخمس ولايات رئاسية ببطش موصوف، خلّده الكاتب والأديب البيروفي - الإسباني ماريو فارغاس يوسا في روايته الشهيرة «عيد التيس». وبالمناسبة، كان الديكتاتور تروخيّو هو الذي يختار الرؤساء في الفترات التي لم يكن يتولّى فيها الرئاسة شخصياً.
أما بالنسبة لظهور المتحدرين من أصول عربية، وبالذات اللبنانية، في المشهد السياسي للدومينيكان، فبدأ مع عام 1961 عندما اغتيل الديكتاتور الذي روّع الجمهورية ومنطقة الكاريبي على يد مهاجر لبناني اسمه سالفادور سعد الله. ولقد قال سعد الله بشجاعة أمام المحققين عندما ألقي القبض عليه «لم يعد بإمكاني أن أتحمّل رؤية هذه المظالم، فقرّرت القضاء على رأس التنّين». ومع أن أسرته حاولت إقناعه بالانتحار، خاصة أن والده كان من الموالين لتروخيّو وكان مقرّباً منه، فإنه رفض وأُعدم على يد ابن الديكتاتور الذي فرّ بعد ذلك إلى الخارج.

25 مليوناً يتحدرون من أصول عربية

يقدَّر عدد المهاجرين العرب أو المتحدرين من أصول عربية في دول أميركا اللاتينية بحوالي 25 مليون نسمة، جاء معظمهم من لبنان وسوريا وفلسطين، ولقد نزحت عائلاتهم في نهايات القرن الـ19 الميلادي ومطع القرن العشرين هرباً من الاضطهاد الذي كانوا يعانون منه تحت السيطرة العثمانية، وسعياً وراء سبل الرزق التي كانت تضيق في بلادهم. وما زال هؤلاء إلى اليوم يُعرفون بلقب «الأتراك» Turcos لكونهم وصلوا تلك البلاد حاملين وثائق سفر تركية إبان العهد العثماني.
ومنذ بداية تلك الهجرة، كانت البرازيل الوجهة الرئيسية التي قصدها أبناء بلاد الشام الذين يقدَّر عدد المتحدرين منهم هناك بما يزيد على 12 مليون نسمة، منهم حوالي تسعة ملايين من أصول لبنانية. وتأتي الأرجنتين في المرتبة الثانية حيث يشكّل المتحدرون من أصول عربية ما يقارب 10 في المائة من مجموع سكانها، ثم تشيلي التي كانت الوجهة المفضّلة للمهاجرين من فلسطين... وبالذات من رام الله وبيت لحم والقدس.
ورغم بروز العديد من أبناء الجاليات العربية في أميركا اللاتينية في عالم التجارة والاقتصاد، وتأثيرهم المباشر على نموّ المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة والعالم العربي التي بلغت في بعض الحالات مثل البرازيل 12 في المائة من إجمالي حركة الاستيراد والتصدير، فإنهم برزوا أيضاً في المعترك السياسي، حيث يشكل الآن انتخاب أبي ناضر رئيساً للدومينيكان فرصة جديدة لتعزيز العلاقات بين أميركا اللاتينية والعالم العربي.
وحقاً، لعب كثرة من اللاتينيين العرب أدواراً مؤثرة وتولوا مناصب سياسية ودبلوماسية مرموقة، ووصل عدد كبير منهم إلى سدّة الرئاسة في أكثر من بلد على امتداد القارة من الدومينيكان إلى الأرجنتين جنوباً.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».