تجدد الاشتباكات على الحدود الأرمينية ـ الآذرية... وأنقرة تلوح بتدخل

جندي أرمني يراقب منطقة الحدود مع أذربيجان (أ.ب)
جندي أرمني يراقب منطقة الحدود مع أذربيجان (أ.ب)
TT

تجدد الاشتباكات على الحدود الأرمينية ـ الآذرية... وأنقرة تلوح بتدخل

جندي أرمني يراقب منطقة الحدود مع أذربيجان (أ.ب)
جندي أرمني يراقب منطقة الحدود مع أذربيجان (أ.ب)

تجددت أمس، الاشتباكات في المناطق الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، وتبادلت باكو ويرفان الاتهامات، وسط تحرك روسي في إطار منظمة «الأمن الجماعي» لمحاصرة الأزمة المتصاعدة، في حين برز تلويح تركي بالتدخل. وتبادلت وزارتا الدفاع في البلدين الاتهامات، وحملت الناطقة الصحافية لوزارة الدفاع الأرمنية شوشا ستيبانيان باكو المسؤولية عن استئناف الاشتباكات على الحدود. في حين قالت وزارة الدفاع الآذرية، إن المواجهات تجددت بعد قيام القوات المسلحة الأرمنية، بـ«محاولة أخرى لمهاجمة مواقع الجيش الأذري، في منطقة توفوز على الحدود». ووفقا للطرف الأذري فقد «تم إطلاق النار على قرى أغدام ودوندار غوششو وفاهيدلي، من أسلحة من عيار كبير ومن مدافع الهاون». وأوضحت الوزارة أن القصف لم يسفر عن إصابة أي من المدنيين. في المقابل قالت ستيبانيان إن «القوات المسلحة الأرمنية لاحظت تحركات على خط الجبهة لقوات العدو. وعلى الفور اتخذت قواتنا وضع الدفاع وتمكنت من منع محاولة تسلل معادية. وبعد معركة شرسة، اضطر العدو للتراجع، بعد تكبده خسائر». ووفقا لها، بدأت الوحدات الآذرية في وقت مبكر من صباح أمس، بقصف قريتي أيجبار وموفسيس، باستخدام مدافع من طراز «هاوتزر». وكان التصعيد الجديد بدأ قبل أربعة أيام، بين البلدين اللذين يخوضان نزاعا منذ بداية تسعينات القرن الماضي للسيطرة على مرتفعات قره باخ الواقعة في منطقة جبلية على الحدود بينهما.
وتحتل أرمينيا منذ عام 1992 أراضي آذرية، تضم إقليم قره باخ (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي «آغدام»، و«فضولي». ودعت موسكو الطرفين إلى ضبط النفس وعدم السماح بانزلاق الموقف إلى مواجهة واسعة، في حين تحركت منظمة الأمن الجماعي التي تضم عددا من بلدان الفضاء السوفياتي السابق لمحاصرة الأزمة. وأعربت المنظمة التي تضم فضلا عن روسيا كلا من كازاخستان وأرمينيا وطاجيكستان وبيلاروسيا وقرغيزستان عن قلقها، حيث أسفرت اشتباكات باستخدام الأسلحة الثقيلة عن سقوط قتلى وجرحى. وأشارت في بيان إلى أن هذا التصعيد «لا يساعد على تطبيع الوضع على الحدود بين الدولتين المتجاورتين اللتين تعد إحداهما، وهي جمهورية أرمينيا، دولة عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ويعتبر خرقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها على مستوى قادة أرمينيا وأذربيجان». وشددت أمانة المنظمة على ضرورة «الإعادة الفورية لنظام وقف إطلاق النار «مع دعوة الطرفين إلى ضرورة التزام مبدأ تسوية الخلافات بطرق سلمية، والامتناع عن أي خطوات استفزازية».
لكن هذا التوجه، لم ينعكس على تحركات تركيا الحليف القوي لأذربيجان، إذ هدد وزير الدفاع خلوصي أكار خلال لقاء بمسؤول عسكري أذري بأن «أرمينيا سوف تدفع الثمن». وقال أثناء استقباله قائد القوات الجوية الآذرية، رامز طاهروف: «يريفان ستغرق في مكائدها وستدفع ثمن فعلتها». وأضاف أن «تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب القوات المسلحة الآذرية ضد أرمينيا المستمرة في نهجها العدائي».
وأجرى الرئيس رجب طيب إردوغان اتصالا هاتفيا مع نظيره الأذري إلهام علييف، وأكد أن تركيا تتابع عن كثب المستجدات الحاصلة على الحدود بين البلدين. وشدد أن أنقرة لا تقبل استمرار احتلال إقليم قره باخ من قِبل أرمينيا، موضحا أن هذا الاحتلال لا يستند إلى أي مشروعية أو قوانين دولية. وبحسب ما ذكر موقع «ريديت» الأميركي أجرت طائرات تركية من طراز «إف 16» مناورات بالقرب من حدود أرمينيا. وقال رئيس البرلمان الأرميني، أرارات ميرزويان، إن دعم تركيا للجيش الأذري يزيد من التوترات على الحدود مع أذربيجان ويهدد الأمن الإقليمي في المنطقة.
وبعث ميرزويان برسالة إلى كل من رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، ولمسؤول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، هندريك دامز، أعرب فيها عن استيائه من الدعم المقدم من تركيا لجيش أذربيجان.
في غضون ذلك، برزت انعكاسات التصعيد على الداخل الأذري، من خلال قرار رئيس أذربيجان، إلهام علييف، بإقالة وزير الخارجية، إلمار ممادياروف. ووقع علييف مرسوما رئاسيا يقضي بإعفاء ممادياروف من المنصب الذي كان يتولاه منذ عام 2004 وتعيين جيحون بيراموف الذي كان يشغل منصب وزير التعليم خلفا له. وجاء القرار عقب تعرض ممادياروف لانتقادات شديدة اللهجة من قبل علييف لكيفية أدائه مهامه مع بدء التصعيد مع أرمينيا.
وقال الرئيس أثناء اجتماع حكومي عقده أول من أمس، إن وزير الخارجية، خلافا عن باقي المسؤولين الكبار، غاب عن مكان عمله عقب الحادثة التي وقعت عند الحدود مع أرمينيا في 12 يوليو (تموز).
وأدت الاشتباكات في اليوم الأول إلى مقتل 4 جنود أذريين وإصابة 4 آخرين، كما قتل 7 جنود بينهم ضابط برتبة لواء في الاشتباكات التي تواصلت في الأيام التالية.
ولفتت تقارير صحافية محلية، كان ممادياروف يعد من أشد معارضي الخيار العسكري في العلاقة مع أرمينيا. وجاء ذلك، مباشرة بعد صدور معطيات بأن وزارتي الخارجية في أرمينيا وأذربيجان، أعلنتا أمام وسطاء أوروبيين استعداد البلدين لبدء مفاوضات حول قضية قره باغ. وأفاد بيان صدر عن الرؤساء المناوبين لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أن «الرؤساء المناوبين لمجموعة مينسك، يرحبون بتأكيد وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان، على عقد مفاوضات مفصلة بشأن أهم جوانب تسوية مشكلة قره باغ، في أقرب وقت ممكن».
وزاد أن الرؤساء المناوبين للمجموعة قرروا إعادة نشر مراقبين تابعين لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في المنطقة، عندما تسمح الظروف بذلك.
على صعيد آخر، اتهمت وزارة الخارجية الروسية واشنطن أمس، بتعمد «صناعة» مناطق توتر على طول الحدود الروسية، بهدف إشغال روسيا بأزمات محيطة، وعدم السماح لها بتوجيه طاقاتها نحو مشاركة أكثر فعالية في القضايا الدولية. وقال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، إن الولايات المتحدة تهتم في سياق سياستها لردع روسيا، بخلق بؤر من عدم الاستقرار على طول الحدود الروسية. وزاد أن موسكو تواجه «حزام أزمات» تجري صناعته بشكل متعمد، على محيط حدود روسيا الاتحادية، ملوحا بأن «هذا الوضع سوف يجبرنا على استخدام الموارد المتاحة لمواجهة هذه التهديدات». وأضاف نائب الوزير، أن واشنطن تعتقد أنها ستتمكن بهذه الطريقة من صرف انتباه روسيا عن المشاركة في حل المزيد من المشاكل العالمية. وزاد: «الرد الوحيد الذي يمكننا تقديمه، هو الاعتماد على الإمكانات الموجودة والموارد التي تراكمت لدينا عبر تاريخنا، مع محاولة حل ما يسمى بالصراعات المجمدة، ومن خلال التعاون الثنائي، بطريقة أو بأخرى خلق الحوافز لإمكانية الحل، ولكي ترى هذه الأطراف بنفسها جميع مزايا تطوير التعاون مع روسيا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟