الجاسوس جيمس بوند في أعين ساخرة

مخرجون استخدموا أسماء مشابهة من بينها {جيمس تونت} و{العميل 707 ونصف}

جيرت فروب يرقب الشعاع في «غولدفينغر»
جيرت فروب يرقب الشعاع في «غولدفينغر»
TT

الجاسوس جيمس بوند في أعين ساخرة

جيرت فروب يرقب الشعاع في «غولدفينغر»
جيرت فروب يرقب الشعاع في «غولدفينغر»

«هل تتوقع مني أن أعترف وأنا على هذا الوضع؟».
يقول جيمس بوند (متمثلاً بشخص شون كونيري) للشرير المُكنّى بغولدفينغر (جيرت فروب) وهو مُقيّد وممدد على طاولة من حديد لا يستطيع الحراك عنها وفي مواجهته آلة ليزر تشق طريقها نحوه. كلما اقتربت أشعة الليزر منه صهرت الحديد وازداد اقترابها من بدنه.
رد غولدفينغر عليه لا يُنسى إذ قال، بعدما أشرف على تشغيل الجهاز وتوجه للخروج من المكان «لا مستر بوند. أتوقعك أن تموت».
«غولدفينغر» كان الفيلم الثالث في سلسلة أفلام جيمس بوند. أخرجه غاي هاملتون سنة 1964 ولن يعود للسلسلة إلا سنة 1971 عندما أنجز «الماس للأبد» وفيلمين لاحقين هما «عش ودع الموت» (Live and Let Die) سنة 1973 (الذي كان أول مرة يرتدي فيها الممثل روجر مور الشخصية الشهيرة) ثم «الرجل ذو المسدس الذهبي» سنة 1974.
قبل ذلك، كان ترنس يونغ أطلق الفيلمين الأولين من هذه السلسلة الجاسوسية: «دكتور نو» (1962) و«من روسيا مع الحب» (1963).
- بيروت يا بيروت
كما يعلم القاصي والداني اليوم، فإن السلسلة الشهيرة لم تبق وحيدة في مجالها وتكاثرت من حولها في محاولة لاستثمار النجاح الكبير الذي حققته أفلام بوند تلك. لكن بالبحث والمشاهدة يستطيع هذا الناقد القول إنه لا يوجد فيلم من أفلام التقليد البوندي جاوَر بعض الحوارات المغمّسة بالسخرية الإنجليزية كما ذلك الحوار. في أفضل حالاتها، مثل «غولدسينغر» للإيطالي برونو كوربوتشي و«العميل 008: العملية إبادة» لأمبرتو لنزي، تحاول أن تثير السخرية بالصورة والكلمة لكن محاولتها تخفق في تجسيد الغاية والسبب الذي من أجله عمدت أفلام جيمس بوند الأولى، على الأخص، لإطلاق تلك التعليقات المستخفة والساخرة.
على ذلك، لم تتوان الأفلام الإيطالية والألمانية (على الأخص) من استخدام الطريقة ذاتها للسخرية من أفلام بوند الرسمية. قررت أن تسطو على الاسم فتوفر بديلاً باسم مشابه له كما فعل «غولسينغر» (لاحظ التقارب في العنوان مع «غولدفينغر») الذي قدّم شخصية جاسوس اسمه جيمس تونت أو بالرقم مثل العميل 077 والعميل 008 والعميل 707 ونصف.
وحتى حين ابتعدت عن استلهام الاسم أو الرقم في اقتباساتها، فإن التوليفة بقيت، في معظم الأحيان، ذاتها:
هناك عميل (بريطاني في الغالب ولو أن الممثل قد يكون إيطالياً أو ألمانياً أو هولندياً) مشهود له بالجرأة والقوّة ومعروف عنه جاذبيته المطلقة للجنس الآخر يُرسل في مهمّة غالباً ما تقع في دولة خارج الكيان الأوروبي الغربي. في تلك الفترة من التاريخ كانت أوروبا لا تزال تعيش بمعسكرين متواجهين شرقي يتبع المنظومة الشيوعية وغربي يتبع إحدى المنظومتين اشتراكية ليبرالية ورأسمالية.
في «قتل جاسوس في بيروت» (1966) روسيان يهرّبان مايكروفيلم إلى الغرب لكن الفيلم الذي يحمل أسراراً روسية يضيع ثم يُكتشف في بيروت. الفيلم من إخراج لوكيانو مارتينو والبطولة ذهبت إلى الأميركي رتشارد هاريسون الذي حمل في هذا الفيلم اسم بوب فلمينغ تشبهاً بإيان فلمينغ الذي وضع روايات جيمس بوند. ومارتينو هو ذاته الذي أنتج في العام ذاته فيلماً جاسوسياً من النوع ذاته سمّاه «العميل 077: تحدي القتلة» قام هاريسون كذلك ببطولته تحت إدارة المخرج النشط حينها أنطونيو مرغريتي الذي أخرج العديد من الأفلام التجارية الأخرى تحت اسم أنطوني دوسون.
هذا العميل الجاد في محاولة كسب المواجهة التجارية مع جيمس بوند كان ظهر كذلك في «العميل 077: المهمة بلودي ماري» لسيرجيو غريكو مع أميركي آخر هو كن كلارك.
قبل ذلك بعام قام الإيطالي لوسيو فولسي بتحقيق «العميل السري جداً 002» بمنوال كوميدي فاقع. صحيح أن بطليه (فرانكو فرانشي وكيكيو أنغارسيا) لم يلعبا دور جاسوسين إلا أنهما تصرّفا على هذا النحو خلال محاولتهما النجاة من أشرار المخابرات الروسية. وفي السنة ذاتها تم تحقيق «كوبلان برند يخاطر» لموريس لابرو كإنتاج فرنسي - إيطالي تصدّى له دومونيك باتورَل وفيرنا ليزي.
- عميل آخر
تشمل هذه المجموعة فيلماً آخر اقتبس إحدى معالم بوند وهو «أوكي كونيري». وهو فيلم من العام 1967 قام بتحقيقه ألبرتو دي مارتينو وتم جلب ممثل اسمه نيل كونيري ليلعب دور الدكتور الجاسوس نيل كونيري.
بيروت (وهي تستحق تحقيقاً منفصلاً عما تم تصويره فيها من أفلام أجنبية خلال تلك الفترة) كانت في واجهة الأفلام التي تدور حول الجواسيس على اختلاف مصادرهم. في «فخ موت في بيروت» للألماني مانفرد كولر نجد بطله، العميل 505 (قام به فردريك ستافورد) بالبحث عن عربي يحمل اسم «الشيخ» يتولى مسؤولية تصفية علماء دوليين.
لم يتوقف الحال عند السينما الإيطالية، بل شملت كذلك إنتاجات بريطانية وأميركية وفرنسية استلهمت بوند وصنعت موديلاً شبيهاً به. هذه الإنتاجات جاءت بأعمال أكثر جدية ولو أن هناك ما يكفي لوضع قائمة بتلك الكوميدية والخفيفة أيضاً.
على سبيل المثال، وفي الوقت الذي كان فيه جمهور السينما يتابع «غولدفينغر»، قام المخرج جيرالد توماس بتحقيق «تابع التجسس» (Carry on Spying) كواحد من أكثر من عشرين فيلما كوميديا انتمت لما يسمّى اليوم بسلسلة Carry Ons.
من فرنسا شاهدنا في مطلع السبعينات فيلم «الرجل الأشقر الطويل ذو فردة الحذاء السوداء» لإيف روبير مع الكوميدي بيير ريشار في البطولة. وكان مخرج «الفنان» ميشال هازانافيشيوس بدأ عمله في فيلمين جاسوسيين من سلسلة OSS التي راجت كتباً في الستينات والسبعينات أكثر مما راجت أفلاماً.
‫حاولت السينما الأميركية في العام 1966 مجاراة كل من جيمس بوند والسينما الإيطالية المتهكمة عليه فأنتجت «عميل هارم» (Agent for H.A.R.M) مع ممثل لم يسمع به أحد قبل ذلك (وغاب سريعاً بعد ذلك) هو بيتر مارك ريتشمان.‬
الاقتباس الأميركي الأجدى في ذلك الحين كان تلفزيونياً عبر سلسلة «الرجل‫ من أونكل» الذي قاد بطولته بنجاح كل من روبرت فون وديفيد ماكولم.‬


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.