سنوات السينما: (1977) The Ascent

مشهد من {الصعود}
مشهد من {الصعود}
TT

سنوات السينما: (1977) The Ascent

مشهد من {الصعود}
مشهد من {الصعود}

(1977) The Ascent
ثمن البقاء حياً
(تحفة)

بعد عشر سنوات على تحقيق فيلمه المبهر في بساطته وقوّته معاً «أجنحة» سنة 1966 ثم إخراج فيلمين لاحقين بالجودة ذاتها هما «بداية فترة مجهولة» (1967) و«أنا وأنت» (1971)، وصلت المخرجة لاريسا شبيتكو إلى العمل الأهم في حياتها القصيرة (1938 - 1979) وهو «الصعود» الذي خطف بجدارة جائزة الدب الذهبي في برلين في العام ذاته.
تم ذلك في زمن كانت السُلطة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ما زالت على حالها من التشدد الذي واجهت به أعمالاً سينمائية روسية كثيرة لمجرد أنها لم تكن مصنوعة بمقياس النظام المتّبع. بالنسبة للرقابة الروسية، فإن أحب الأفلام هي التي إما لا تقول شيئا كثيراً، وإما تقول الكثير عن النظام الشيوعي والبطولات والتضحيات التي سيقت خلال الثورة الشيوعية في مطلع القرن الماضي والمقاومة الباسلة خلال الحرب العالمية الثانية. الأهم في هذا الإطار ليس البروباغاندا التي تعكس الجلد والمعاناة ثم الانتصار على المحن فقط، بل الشخصيات الروسية الأصيلة التي تتمتع بتلك المساحات الوطنية في داخلها والقيم المشتركة بصرف النظر عن الجمهورية التي تمثّلها.
مثل أفلام تاركوفسكي وبرادجانوف وسواهما من الذين لم يتّبعوا التعاليم، أقدمت شيبتكو على تقديم صورة إنسانية مختلفة للصورة التقليدية للبطل الروسي خلال الحرب العالمية الثانية. ما يتصدّر الفيلم تحديد كلمة بطولة، وهل هي فقط في التضحية بالحياة أو يمكن لها أن تكون درءاً للموت كذلك.
موقع الأحداث هو غابات بلاروسيا. الثلج يغطّي كل شيء والمجموعة التي تطالعنا وهي تشق طريقها فوق الثلوج هي فرقة من المقاومين ضد الاحتلال النازي.
الأفراد منهكون وجائعون والطرق شاقّة. لذلك يرى قائد الفريق إرسال جنديين هما ريباك (فلاديمير غوستيوخين) وسوتنيكوف (بوريس بلوتنيكوف) إلى القرية الكبيرة للبحث عن مؤونة وينطلقان منفردين. سوتنيكوف متوعك أساساً وأضعف قدرة على المواصلة من رفيقه لكنهما يصلان إلى تلك القرية ويكتشفان أنها خالية من السكّان بعدما دمّرها العدو. ريباك يقرر المضي صوب قرية أخرى. يصلان إلى بيت يجدان فيه مأوى ليكتشفا أن هناك امرأة وأولادها الثلاثة. حين تقترب دورية ألمانية تحاول المرأة الروسية (ليدوميلا بولياكوفا) إخفاءهما لكن أمرهما يُكتشف ويتم إلقاء القبض عليهما كما على المرأة (رغم توسّلاتها بسبب أطفالها الثلاثة) وأخذهم إلى الحامية الألمانية التي يشترك في إدارتها بضعة روس في مقدّمتهم بورتنوف (أناتولي سولونيزتن الذي لاحقاً ما ظهر في أفلام تاركوفسكي).
يبدأ بورتنوف التحقيق معهما. وفي حين أن سوتنيكوف يرفض الإفصاح عن مكان وجود المقاومين رغم التعذيب، نجد أن ريباك أكثر استعداداً لأنه يريد أن يعيش، وهو يعتقد أن الألمان يعلمون كل شيء على أي حال وأنه حين يعترف بما يعرفونه فسيستطيع البقاء حيّاً لأن بقاءه حيّاً أفضل من موته.
انطلاقاً لدينا روس متعاونون مع النازية ثم روسي لا يريد أن يموت حتى ولو سيدلي بمعلومات مقابل البقاء على قيد الحياة. كلا المعيارين مرفوض رسمياً، لكنهما يؤلفان إحدى أهم الدراميات التي تقع تحت ظلال الحروب لا في نطاق السينما الروسية فقط، بل في أي نطاق آخر. فيلم لاريسا شيبتكو ليس مضموناً فقط وإلا لما استحق هذا القدر من الإعجاب به. إنه جمالي وشعري وحسن اختيار كل تفاصيله الدالة وتقديمها بصياغة فنية سليمة في وقت واحد.


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز