«بنات السياسة»... 6 شهادات عن حياة السجون لتونسيات

تجمع بين الخبر والسرد الأدبي

«بنات السياسة»... 6 شهادات عن حياة السجون لتونسيات
TT

«بنات السياسة»... 6 شهادات عن حياة السجون لتونسيات

«بنات السياسة»... 6 شهادات عن حياة السجون لتونسيات

صدر عن دار «زنوبيا»، في تونس، كتاب جديد يحمل عنوان «بنات السياسة»، وهو من إعداد الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة. وتتصدر الكتاب توطئة بقلم الناشرة زينب فرحات، سلطت فيها الضوء على العنوان اللافت للانتباه، فحارسات سجن النساء بمنوبة ينادين السجينات السياسيات بـ«بنات السياسة»، للتفريق بينهن وبين سجينات الحق العام.
ويتضمن الكتاب مقدمتين: الأولى كتبتها المعدة هيفاء زنكنة التي أدارت ورشة الكتابة الإبداعية لست سجينات سياسيات كتبن في نهاية المطاف ست شهادات، تجاوزن فيها حدود الاعتقال والتعذيب إلى محاور سردية مضيئة تلامس أعماق النفس البشرية الحالمة، رغم عتمة الأمكنة التي عشن فيها. وقد استعارت زنكنة من الناقدة فريال غزول تعريفها لهذا النمط من الكتابة السردية التي سمتها «القصة الإخبارية التي تجمع بين الخبر والسرد الأدبي». ولفتت زنكنة في ورشتها عناية السجينات التونسيات الست إلى كيفية التعامل مع عناصر الزمان والمكان، وبناء الشخصيات، والحوار، والضمائر الملائمة للسرد، وتدفق اللغة وسلاستها، وتجنب التكرار، ومصداقية الأحداث، خصوصاً أن المساهمات كلهن عضوات في تنظيم يساري واحد، هو «حركة برسبكتيف - العامل التونسي»، نشطن فيه في سبعينيات القرن الماضي.
أما الخلفية التاريخية التي كتبتها المؤرخة ليلى تميم بليلي، فقد ركزت فيها على اعتراف النظام البورقيبي بفشل الاشتراكية الدستورية، وتوجه البلاد نحو الاقتصاد الليبرالي، وقد اختار شباب الجامعات في السبعينيات معسكر اليسار، ووقفوا بالضد من الخصم المشترك، وهم الطلبة الدستوريون الذين يمثلون النظام الاستبدادي للحزب الحاكم.
ورغم أوجه التشابه في الأزمنة والأمكنة، وأسماء الحرس والجلادين، فإنّ لكل شهادة خصوصيتها التي يمكن أن نستشفها من صدق المشاعر، واللغة المعبرة، وزاوية نظر الكاتبة التي رصدت تجربتها، وانتقت ما هو مؤثر من الأحداث التي مرت بها.
وقد كتبت الصحافية أستاذة الفلسفة آمال بن عبا شهادة بعنوان «تجربة حياة»، إذ حصلت على منحة من الدولة التونسية لدراسة الفلسفة في جامعة السوربون سنة 1964، وانضمت إلى حركة «برسبكتيف» حال عودتها إلى تونس. وفي 13 ديسمبر (كانون الأول) 1973، وبينما كانت تحضر درس الغد لمادة الفلسفة، دهم منزلها ثلاثة أشخاص، وبدأوا يبحثون عن آلة راقنة لم تكن بحوزتها، فأخذوها إلى وزارة الداخلية، وحشروها في غرفة الاستنطاق، ثم تعرضت للتعذيب على يد أحد الجلادين الذي هددها بالاغتصاب. وبعد الانتهاء من الاستنطاق، تراخت الرقابة نسبياً، وأصبح التواصل مع السجناء ممكناً. وبعد 75 يوماً من السجن، بدأت محاكمة 202 ناشط من «برسبكتيف»، وكان نصيبها السجن لسنة واحدة مع وقف التنفيذ. وحينما أُخلي سبيلها، عملت في صحيفة «لوتون» الفرنسية مصححة، ثم نُقلت إلى قسم التحرير، وبدأت تكتب للصفحة الثقافية، قبل أن تنتقل لتدريس اللغة الفرنسية عام 1980 في معاهد الوردية وباردو وحلق الوادي تباعاً.
ولا تختلف شهادة دليلة محفوظ عن زميلتها آمال، حيث تم توفيقها في الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار) 1972، وحُكمت مع شقيقها نور الدين محفوظ بالسجن لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ للاحتفاظ بجمعية غير مُعترف بوجودها. فتحولت في السجن من كائن بشري إلى الرقم (265). وبعد قضاء هذه المدة، حوكمت ضمن 101 سجينة بتهمة الانتماء إلى حركة العامل التونسي، وصدر عليها الحُكم بسنة وستة أشهر. وقد تعرضت خلال فترتي السجن إلى ضرب مبرح بالسياط تارة، واللكمات تارة أخرى، والركل أسفل البطن الذي تسبب لها بنزيف حاد. وعند خروجها من السجن، تزوجت المحامي عمار الجديدي، وأنجبت ابنها رامي عزيز جديدي الذي تبع خطى أبيه في مسيرته الحقوقية.
وتتميز الشهادة التي كتبتها الأستاذة الجامعية زينب بن سعيد الشارني بتفردها، فهي الوحيدة بين السجينات الست التي تعرضت للتعذيب بطريقة غريبة تُسمى «محنة الدجاجة»، فبعد أن تلقت الصفعات والركل وهي معصوبة العينين، طلب منها الجلادون أن تتعرى من ملابسها لتتهيأ للتعذيب، حيث تم تقييد يديها ورجليها معاً بحبل، ثم أولجَوا عصاً بين أعضائها الأربعة المشدودة، وعلقوها بين طاولتين؛ الرأس منكس إلى الخلف، والرجلان والبطن مرتفعتان نحو المعصمين، ثم بدأ الجلاد بالضرب على باطن القدمين حتى اشتعلتا من الألم، ولم يكن الهدف من هذا التعذيب إيذاءها بدنياً ونفسياً فحسب، وإنما لإيلامها وخدش أنوثتها، والاستخفاف بدرجتها العلمية، فهي دكتورة تُدرس الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة تونس، ولديها خمسة كتب وعشرات المقالات الفلسفية الرصينة.
كانت سياسية قوية عنيدة حتى أن وجهها قد أصبح بلا ملامح من شدة التعذيب، ولم تعترف على رفاقها، فنُقلت إلى سجن منوبة للنساء، حيث مارست الإضراب عن الطعام أكثر من مرة، إلى أن شملها العفو الرئاسي الخاص، وتنفست هواء الحرية من جديد.
والصحافية المتخصصة بالأدب الفرنسي عائشة فلوز تحولت هي الأخرى إلى رقم (362). ورغم ذلك، فقد باحت بكل شيء لأنها تؤمن بأن دواء الكتمان هو الحكي لفضح سلوكيات النظام القمعي. وقد صدرت ضدها الأحكام بمرحلتين: الأولى لمدة سنتين، ثم خُفِّض الحكم إلى ستة أشهر، بتهمة الاحتفاظ بجمعية غير معترف بوجودها؛ والمحاكمة الثانية قضت بسجنها لمدة ستة أشهر لنشر أخبار زائفة، وثلب شخصية رئيس الدولة. وكانت إدارة السجون تتعمد شطب كلمة «سياسية»، في محاولة يائسة لطمس حقيقة وضعهن بصفتهن سجينات رأي، والإيحاء بتصنيفهن ضمن سجينات الحق العام.
وتتوسع المؤرخة ليلى تميم بليلي في الحديث عن سيرتها الذاتية، فنفهم أن أباها ينحدر من عائلة فقيرة من «واحة وذْرف»، لكنه سوف يصبح مقاولاً، ويكون ثروة كبيرة، ويتزوج فتاة من الطبقة البرجوازية الصغيرة في تونس، ويقيم في فيلا راقية في باردو، ويسفر زواجه عن ثماني بنات وولد واحد. ونظراً لولعها بالقراءة الأدبية والفكرية، يداهمها رجال الأمن، ويصادرون كتابين: الأول رواية «الأحمر والأسود» لستندال التي يعدونها حجة على شيوعيتها، وكتاب ثانٍ «Les sans culottes»، ترجموه حرفياً وفق ذهنيتهم المشوشة «من دون كيلوت» أو «منزوع السراويل»، وعدوه دليلاً على تفسخها الأخلاقي. وقد سُجنت لمدة سنة مع وقف التنفيذ، وأُخلي سبيلها لتواصل دراستها في السوربون بالمراسلة، وتكتب أطروحتها عن «الفيدرالية الشيوعية التونسية».
ولم تُدرج الروائية هيفاء زنكنة شهادتها في إطار «بنات السياسة»، مع أنها سُجنت في الحقبة الزمنية نفسها في أثناء حكم البعث، وانتمت إلى تنظيم مماثل فكرياً، وهو «الحزب الشيوعي العراقي - القيادة المركزية»، لكنها اختارت لنصها السردي مكاناً مجاوراً للشهادات الست، تكشف فيه عن أسباب سجنها، ومدة محكوميتها، وطرق التعذيب الوحشية التي تعرضت لها، ومحاولة إهانتها وإذلالها من خلال نقلها إلى «سجن العواهر». وذلك رغم أن القراء المتابعين لتجربتها الروائية سيعرفون أن مقاطع هذا النص مُستلة من روايتها الموسومة «في أروقة الذاكرة»، وهي من روايات «أدب السجون» المؤثرة في العراق.



الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
TT

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح. وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث لأنه يدفعنا إلى «إزالة أي تهديدات» وتحقيق أهدافنا، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

وأوضح الأكاديمي، وهو أستاذ في علم الأعصاب والنوم في مستشفى كينغز كوليدج في لندن، أن الغضب يمكن أن يخدم «غرضاً مفيداً للغاية» ويمكّن من تحقيق نتائج أكثر ملاءمة.

وفي حديثه ضمن بودكاست Instant Genius، قال الدكتور ليشزينر إن هرمون التستوستيرون يلعب دوراً رئيساً في ذلك، حيث يستجيب الهرمون - الذي تشير بعض الدراسات إلى أنه مرتبط بالعدوانية والغضب - للنجاح.

وتابع «لذا، إذا فزت في رياضة، على سبيل المثال - حتى لو فزت في الشطرنج الذي لا يُعرف بشكل خاص أنه مرتبط بكميات هائلة من العاطفة - فإن هرمون التستوستيرون يرتفع... تقول إحدى النظريات إن هرمون التستوستيرون مهم بشكل أساسي للرجال على وجه الخصوص لتحقيق النجاح».

«شعور مهم»

وحتى في العالم الحديث، لا يزال الغضب يشكل حافزاً مهماً للنجاح، بحسب ليشزينر، الذي أوضح «إذا أعطيت الناس لغزاً صعباً للغاية لحله، وجعلتهم غاضبين قبل أن تقدم لهم هذا اللغز، فمن المرجح أن يعملوا عليه لفترة أطول، وقد يجدون فعلياً حلاً له... لذا، فإن الغضب هو في الأساس عاطفة مهمة تدفعنا إلى إزالة أي تهديدات من هدفنا النهائي».

وأشار إلى أن المشكلة في المجتمعات البشرية تكمن في «تحول الغضب إلى عدوان».

لكن الغضب ليس العاطفة الوحيدة المعرضة لخطر التسبب في الضرر، حيث لاحظ أن مشاعر أخرى مثل الشهوة أو الشراهة، قادرة على خلق مشكلات أيضاً. وتابع «كلها تخدم غرضاً مفيداً للغاية، ولكن عندما تسوء الأمور، فإنها تخلق مشكلات».

ولكن بخلاف ذلك، إذا استُخدمت باعتدال، أكد الدكتور أن هذه الأنواع من المشاعر قد يكون لها بعض «المزايا التطورية».