كلينتون: لحظات من الانتصار والانكسار

في الـ67 من عمرها أكثر انضباطا وفطنة سياسية وهي تتطلع إلى البيت الأبيض

هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
TT

كلينتون: لحظات من الانتصار والانكسار

هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)

عندما كانت محامية شابة وعضوا في اللجنة المعنية بقضية «ووترغيت» في سبعينات القرن الماضي، سافرت هيلاري رودهام إلى بلدتها ذات ليلة برفقة رئيسها، برنارد نوسبوم. وأثناء جلوسها بجانبه في السيارة بأخبرته أنها تود أن تقدمه إلى صديقها. وقالت «بيرني، إنه سيصبح ذات يوم رئيسا للولايات المتحدة».
إلا أن نوسبوم تحت وطأة الضغوط التي اتسمت بها تلك الفترة لم يملك سوى الانفجار غضبا بوجهها بسبب سذاجتها، وقال «هيلاري، هذا أحمق شيء سمعته». لكنها صرخت بوجهه في المقابل، قائلة «أنت لا تدري شيئا عما تتحدث عنه!»، ثم وجهت إليه سبابا. وعن الموقف، قال نوسبوم «يا إلهي، لقد بدأت في الصياح في وجهي، ثم خرجت من السيارة وأغلقت الباب بعنف، قبل أن تدخل بعصبية إلى المبنى المجاور».
ومرت الأيام وأثبتت أنها كانت على صواب وأنه كان مخطئا. لقد آمنت رودهام، التي تزوجت لاحقا صديقها الطموح، بيل كلينتون، حتى في ذلك الوقت بأن الحياة ستحملها نحو البيت الأبيض. والآن، ربما تسعى للعودة مجددا، ليس كزوجة وشريكة، وإنما بشروطها هي.
خلال الشهور الأخيرة، وفي الوقت الذي بدأت فيه هيلاري كلينتون تستعد لاحتمالات خوضها حملة انتخابية رئاسية عام 2016، فإنها غالبا ما كانت تصف السنوات التي قضتها داخل البيت الأبيض بأنها كانت سنوات نضال بالنسبة لها، مثلما الحال مع الكثير من الأمهات، بين احتياجات تنشئة ابنة شابة ومطالب العمل. أما الأمر الذي تغفل ذكره بخصوص السنوات التي قضتها كسيدة أولى للبلاد فهو تعاملاتها الفوضوية وأحيانا الغاضبة والمفتقرة إلى اللباقة السياسية مع الجمهوريين من أعضاء الكونغرس ومساعدي البيت الأبيض. الآن، صدرت مجموعة من الأوراق مؤلفة من 6.000 صفحة تحوي لقاءات مع أكثر من 60 من مسؤولي إدارة كلينتون، وترسم صورة أدق لسيدة أولى رائعة، لكنها لا تتحلى دوما بالذكاء السياسي.
وتكشف اللقاءات عن لحظات الانتصار والانكسار في حياتها خلال فترة رئاسة زوجها، وصدر الكتاب الذي يحوي المقابلات الشهر الماضي عن مركز ميلر التابع لجامعة فيرجينيا.
الواضح أن تلك السنوات أسهمت في تشكيل شخصية هيلاري كلينتون، وهي فترة طغت عليها مشاعر الجرأة والغطرسة، وهي فترة تطورت خلالها من محامية شابة عنيدة منبهرة بشدة بالرجل الذي ستتزوجه إلى شخصية سياسية في حد ذاتها. وخرجت من المعارك التي خاضتها حول الرعاية الصحية وقضية «وايت ووتر» أكثر حنكة، لكنها خرجت أيضا مليئة بالندوب العميقة وأصبحت سياسية حذرة تملك فكرة أعمق عن كواليس الحياة داخل واشنطن، وأصبحت شديدة الحذر تجاه المشروعات الطموحة التي ربما تفتقر إلى الشعبية.
الآن، في الـ67 من عمرها، أصبحت هيلاري أكثر انضباطا، بينما اتسمت آنذاك بالعصبية الشديدة وميلها لتوجيه تعليقات ساخرة غير متوقعة خلال الاجتماعات الخاصة وجلسات الاستماع داخل الكونغرس. وبينما تواجه هيلاري حاليا انتقادات بأنها تميل لتيار الوسط مما يعرضها لهجوم من اليسار، كانت هيلاري حينها تعد ليبرالية تهمس في أذن زوجها كي يرفض اتفاقية التجارة الحرة بأميركا الشمالية وإصلاح منظومة الرفاه.
من جهته، قال آلن بليندر، الذي عمل خبيرا اقتصاديا لدى البيت الأبيض «لقد أصبحت تمتلك الآن فطنة سياسية أكبر عما كان عليه الحال مطلع عام 1993. أعتقد أنها تعلمت مما سبق، خاصة أنها ذكية حقا. إنها تتعلم باستمرار وتعي الأخطاء التي ارتكبتها».
الواضح أنه لم يسبق أن حظي أي رئيس أميركي بشريكة مثل هيلاري رودهام كلينتون، فقد حرصت على حضور اجتماعات صياغة استراتيجية الحملة الرئاسية في ليتل روك بأركنساس، وأصبحت لاحقا السيدة الأولى الوحيدة حتى الآن التي كان لها مكتب في الجناح الغربي من البيت الأبيض. وكانت تتدخل لإنهاء اجتماعات زوجها التي كانت تمتد بلا مبرر. وصاغت حججه الدفاعية للخروج من الفضائح التي واجهته.
وأعربت أليس ريفلين، التي عملت مديرة لشؤون الموازنة بالبيت الأبيض، عن اعتقادها أن «الأمر الذي يفتقده هو النظام، في الحياة الشخصية وحياته الفكرية أو المتعلقة باتخاذ القرارات، إلا إذا تدخل أحد لإنقاذه. وأعتقد أنه على امتداد جزء كبير من حياته المهنية كانت هيلاري من ينقذه لكونها أكثر حسما وانضباطا منه، ولحرصها على العمل المستمر».
شكلت هيلاري قوة مستقلة داخل البيت الأبيض، حيث عملت بمفردها على دفع قضية الرعاية الصحية لداخل أجندة العمل، وأجبرت من خشوا أن تسيء إدارة هذا الملف على الصمت، لكنها عانت نوبات من الغضب الشديد وحملت بداخلها كراهية شديدة تجاه واشنطن. كما تحملت عبء علاقة شديدة التعقيد مع زوجها اللعوب. ومع ذلك، كانت هي الشخص الذي غالبا ما يقوم بتوجيه طاقاته ودفعه نحو النجاح وإنقاذه من نفسه. وقال نوسبوم الذي أصبح المحامي الأول بالبيت الأبيض في إدارة بيل كلينتون، إن هيلاري «ربما كانت ناقدة وتعاني من نوبات غضب من وقت لآخر، لكنها كانت قوية للغاية، وكان هو بحاجة ماسة لها. أعتقد أنه لم يكن ليصل للرئاسة من دونها».
رغم تفاخرها أمام نوسبوم، كانت هيلاري عقلانية تماما في حساباتها بخصوص ما إذا كان زوجها على استعداد للترشح للرئاسة. عندما كان حاكما لأركنساس، فكر بيل كلينتون في الترشح للرئاسة عام 1988، عندما يكمل عامه الـ42، معتقدا أن التجربة ستفيده حتى إذا خسر، لكن زوجته اعترضت. وقالت له حينها «إما أن تترشح لتفوز أو لا تترشح على الإطلاق». وعن ذلك، قال فرانك غرير، خبير وضع الاستراتيجيات الإعلامية «أعتقد أنها شعرت بأنه غير مستعد آنذاك».
ربما كانت هناك أسباب أخرى أيضا، حيث اشتكى بيل كلينتون لصديقه بيتر إدلمان من أن السيناتور آل غور من تينيسي، الذي كان يعد حملته للترشح عن الحزب الديمقراطي عام 1988 «ينشر شائعات حول أن لديه علاقات خارج الزواج».
وقد سمع آخرون بهذا الأمر أيضا. بعد لقائها بيل كلينتون، تحدثت ريفلين عنه لصديقتهما المشتركة دونا شالالا. وقد اتفقت شالالا مع فكرة أن كلينتون شخصية «رائعة»، لكنها استطردت بأنه «لن يصبح رئيسا للولايات المتحدة قط». وعندما استفسرت ريفلين عن السبب، قالت شالالا «إن لديه مشكلة مع النساء»، حسبما ذكرت ريفلين.
بحلول عام 1992، أصبحت هيلاري مقتنعة بأنه أصبح مستعدا لخوض التنافس الرئاسي، وحرصت على مواجهة «مشكلته مع النساء» مباشرة خلال الاجتماعات التي عقدت لوضع استراتيجيات الحملة الانتخابية.
من جهته، قال ستانلي غرينبرغ، مسؤول استطلاعات الرأي بالحملة «عقدنا اجتماعا تم تخصيصه بالكامل لهذا الأمر. كان اجتماعا غير مريح. وأتذكر أن هيلاري قالت «طبعا إذا كان بإمكاني رفض الأسئلة بهذا الخصوص، كنت سأرفضها». وقد تحدثت عن هذا الأمر بقدر ما تحدث هو.
وفي الوقت الذي شكلت فيه غراميات كلينتون تحديا، فإن بعض مساعديه شعروا بالقلق من أن زوجته تشكل تحديا هي الأخرى، حيث رأى بعضهم أن شخصيتها القوية قد تجعل بيل يبدو بجانبها شديد الضعف. وعن ذلك، قالت سوزان توماسيز، الصديقة المقربة من هيلاري كلينتون والتي شاركت بالحملة «كانت شخصيتها قوية للغاية لدرجة أن البعض شعر بأنه أثناء وجودهما معا فإن شخصيتها القوية تجعل كلينتون يبدو ضعيفا».
بمجرد دخولها البيت الأبيض تحولت هيلاري لنمط آخر من السيدات الأوائل، فعندما تولت مسؤولية إصلاح منظومة الرعاية الصحية استعانت بمستشار ذكي وشديد الثقة بنفسه وهو إيرا ماغازينر، ووضعا خطة جريئة وشديدة الدقة. بيد أن جهود إصلاح الرعاية الصحية وتوسيع نطاق المشاركة الحكومية داخل القطاع الخاص أثارت مشكلات سياسية وانقسامات داخلية عميقة بالبيت الأبيض. وجرى النظر لماغازينر باعتباره شخصا يأبى التعاون مع الآخرين، بينما أبدى القليلون استعدادهم للدخول في تحد مع زوجة الرئيس. وكانت شالالا، التي تم اختيارها وزيرة للصحة والخدمات الإنسانية، واحدة من هؤلاء القلائل.
وقال إدلمان، الذي عمل مساعدا لشالالا، إنها أخبرته بأنها «أخبرت هيلاري بأن هذا الأمر سيؤدي لكارثة، وردت علي بأنني أشعر بالغيرة لأنني لست مسؤولة عن الأمر ولهذا اشتكي». في النهاية، شعر بيل وهيلاري بصدمة بالغة جراء انهيار جهودهما بهذا المجال داخل الكونغرس، في هزيمة أدت لسيطرة الجمهوريين على الكونغرس عام 1994.
في هذا الصدد، قال ويليام إيه غالستون، مستشار السياسات الداخلية «ربما شكل الزوجان قوة يتعذر مقاومتها، لكنهما واجها عقبة لا سبيل للتغلب عليها». وفي أعقاب هذا الفشل «انسحبت هيلاري لبعض الوقت كي تضمد جراحها»، حسب تعبير غالستون، حيث قل ظهورها في الجناح الغربي وزاد سفرها للخارج. وعملت على التأكيد على نفوذها بأساليب أقل وضوحا، حيث أقنعت زوجها باختيار مادلين أولبرايت كأول وزيرة خارجية، ووضعت المعاملة الوحشية للنساء على أيدي «طالبان» على أجندة البيت الأبيض.
إلا أن فصول فضيحة أخرى كانت بانتظار الزوجين، ورفضت هيلاري الكشف عن ملفات بخصوص استثماراتها هي وزوجها في صفقة شراء أرض فاشلة في أركنساس، وهو ما عرف بقضية «وايت ووتر». وبدأ المحقق المستقل كينيث دبليو ستار في التحقيق في ما إذا كان بيل قد حنث بيمينه في ما يخص شهادته حول علاقته بمونيكا لوينسكي، المتدربة بالبيت الأبيض. وظل الرئيس ينكر هذه العلاقة لشهور، وأعلنت زوجته أنها تصدقه، لكن هذه الثقة لم تمتد لجميع المقربين من الزوجين. وقالت توماسيز إن هيلاري شعرت بغضب عارم تجاه زوجها، لكنها لم تفكر في الانفصال قط. وأضافت «أعتقد أنها لم تكن لتتردد في ضربه بمقلاة لو أتيحت لها، لكنها لم تفكر قط في تركه أو الطلاق منه».
بدلا من ذلك، اتجهت السيدة الأولى لـ«كابيتول هيل» لحشد دعم الديمقراطيين ضد سحب الثقة من الرئيس. وبدلت هذه الأزمة صورة هيلاري العامة تماما، حيث أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبيتها بصورة هائلة، مما شجعها على التفكير في الترشح لعضوية مجلس الشيوخ عن نيويورك، وهي فكرة بدت حينها غير محتملة إطلاقا لدرجة دفعت السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جو لوكهارت، لنفيها علانية، حتى تدخلت هي وبدأت تلمح للأمر.
ومن هنا بدأت الحياة السياسية لهيلاري، والآن بعد عقد ونصف العقد تبدو أعينها متركزة ثانية على البيت الأبيض. ولك أن تتخيل ما كان نوسبوم ليقوله لو أنها صارحته بذلك في السبعينات!

* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».