كلينتون: لحظات من الانتصار والانكسار

في الـ67 من عمرها أكثر انضباطا وفطنة سياسية وهي تتطلع إلى البيت الأبيض

هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
TT

كلينتون: لحظات من الانتصار والانكسار

هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)
هيلاري رودهام كلينتون وابنتها تشيلسي والرئيس الأسبق بيل كلينتون يلقي كلمة في حفل لجمع التبرعات في لوس أنجليس عام 2000 (نيويورك تايمز)

عندما كانت محامية شابة وعضوا في اللجنة المعنية بقضية «ووترغيت» في سبعينات القرن الماضي، سافرت هيلاري رودهام إلى بلدتها ذات ليلة برفقة رئيسها، برنارد نوسبوم. وأثناء جلوسها بجانبه في السيارة بأخبرته أنها تود أن تقدمه إلى صديقها. وقالت «بيرني، إنه سيصبح ذات يوم رئيسا للولايات المتحدة».
إلا أن نوسبوم تحت وطأة الضغوط التي اتسمت بها تلك الفترة لم يملك سوى الانفجار غضبا بوجهها بسبب سذاجتها، وقال «هيلاري، هذا أحمق شيء سمعته». لكنها صرخت بوجهه في المقابل، قائلة «أنت لا تدري شيئا عما تتحدث عنه!»، ثم وجهت إليه سبابا. وعن الموقف، قال نوسبوم «يا إلهي، لقد بدأت في الصياح في وجهي، ثم خرجت من السيارة وأغلقت الباب بعنف، قبل أن تدخل بعصبية إلى المبنى المجاور».
ومرت الأيام وأثبتت أنها كانت على صواب وأنه كان مخطئا. لقد آمنت رودهام، التي تزوجت لاحقا صديقها الطموح، بيل كلينتون، حتى في ذلك الوقت بأن الحياة ستحملها نحو البيت الأبيض. والآن، ربما تسعى للعودة مجددا، ليس كزوجة وشريكة، وإنما بشروطها هي.
خلال الشهور الأخيرة، وفي الوقت الذي بدأت فيه هيلاري كلينتون تستعد لاحتمالات خوضها حملة انتخابية رئاسية عام 2016، فإنها غالبا ما كانت تصف السنوات التي قضتها داخل البيت الأبيض بأنها كانت سنوات نضال بالنسبة لها، مثلما الحال مع الكثير من الأمهات، بين احتياجات تنشئة ابنة شابة ومطالب العمل. أما الأمر الذي تغفل ذكره بخصوص السنوات التي قضتها كسيدة أولى للبلاد فهو تعاملاتها الفوضوية وأحيانا الغاضبة والمفتقرة إلى اللباقة السياسية مع الجمهوريين من أعضاء الكونغرس ومساعدي البيت الأبيض. الآن، صدرت مجموعة من الأوراق مؤلفة من 6.000 صفحة تحوي لقاءات مع أكثر من 60 من مسؤولي إدارة كلينتون، وترسم صورة أدق لسيدة أولى رائعة، لكنها لا تتحلى دوما بالذكاء السياسي.
وتكشف اللقاءات عن لحظات الانتصار والانكسار في حياتها خلال فترة رئاسة زوجها، وصدر الكتاب الذي يحوي المقابلات الشهر الماضي عن مركز ميلر التابع لجامعة فيرجينيا.
الواضح أن تلك السنوات أسهمت في تشكيل شخصية هيلاري كلينتون، وهي فترة طغت عليها مشاعر الجرأة والغطرسة، وهي فترة تطورت خلالها من محامية شابة عنيدة منبهرة بشدة بالرجل الذي ستتزوجه إلى شخصية سياسية في حد ذاتها. وخرجت من المعارك التي خاضتها حول الرعاية الصحية وقضية «وايت ووتر» أكثر حنكة، لكنها خرجت أيضا مليئة بالندوب العميقة وأصبحت سياسية حذرة تملك فكرة أعمق عن كواليس الحياة داخل واشنطن، وأصبحت شديدة الحذر تجاه المشروعات الطموحة التي ربما تفتقر إلى الشعبية.
الآن، في الـ67 من عمرها، أصبحت هيلاري أكثر انضباطا، بينما اتسمت آنذاك بالعصبية الشديدة وميلها لتوجيه تعليقات ساخرة غير متوقعة خلال الاجتماعات الخاصة وجلسات الاستماع داخل الكونغرس. وبينما تواجه هيلاري حاليا انتقادات بأنها تميل لتيار الوسط مما يعرضها لهجوم من اليسار، كانت هيلاري حينها تعد ليبرالية تهمس في أذن زوجها كي يرفض اتفاقية التجارة الحرة بأميركا الشمالية وإصلاح منظومة الرفاه.
من جهته، قال آلن بليندر، الذي عمل خبيرا اقتصاديا لدى البيت الأبيض «لقد أصبحت تمتلك الآن فطنة سياسية أكبر عما كان عليه الحال مطلع عام 1993. أعتقد أنها تعلمت مما سبق، خاصة أنها ذكية حقا. إنها تتعلم باستمرار وتعي الأخطاء التي ارتكبتها».
الواضح أنه لم يسبق أن حظي أي رئيس أميركي بشريكة مثل هيلاري رودهام كلينتون، فقد حرصت على حضور اجتماعات صياغة استراتيجية الحملة الرئاسية في ليتل روك بأركنساس، وأصبحت لاحقا السيدة الأولى الوحيدة حتى الآن التي كان لها مكتب في الجناح الغربي من البيت الأبيض. وكانت تتدخل لإنهاء اجتماعات زوجها التي كانت تمتد بلا مبرر. وصاغت حججه الدفاعية للخروج من الفضائح التي واجهته.
وأعربت أليس ريفلين، التي عملت مديرة لشؤون الموازنة بالبيت الأبيض، عن اعتقادها أن «الأمر الذي يفتقده هو النظام، في الحياة الشخصية وحياته الفكرية أو المتعلقة باتخاذ القرارات، إلا إذا تدخل أحد لإنقاذه. وأعتقد أنه على امتداد جزء كبير من حياته المهنية كانت هيلاري من ينقذه لكونها أكثر حسما وانضباطا منه، ولحرصها على العمل المستمر».
شكلت هيلاري قوة مستقلة داخل البيت الأبيض، حيث عملت بمفردها على دفع قضية الرعاية الصحية لداخل أجندة العمل، وأجبرت من خشوا أن تسيء إدارة هذا الملف على الصمت، لكنها عانت نوبات من الغضب الشديد وحملت بداخلها كراهية شديدة تجاه واشنطن. كما تحملت عبء علاقة شديدة التعقيد مع زوجها اللعوب. ومع ذلك، كانت هي الشخص الذي غالبا ما يقوم بتوجيه طاقاته ودفعه نحو النجاح وإنقاذه من نفسه. وقال نوسبوم الذي أصبح المحامي الأول بالبيت الأبيض في إدارة بيل كلينتون، إن هيلاري «ربما كانت ناقدة وتعاني من نوبات غضب من وقت لآخر، لكنها كانت قوية للغاية، وكان هو بحاجة ماسة لها. أعتقد أنه لم يكن ليصل للرئاسة من دونها».
رغم تفاخرها أمام نوسبوم، كانت هيلاري عقلانية تماما في حساباتها بخصوص ما إذا كان زوجها على استعداد للترشح للرئاسة. عندما كان حاكما لأركنساس، فكر بيل كلينتون في الترشح للرئاسة عام 1988، عندما يكمل عامه الـ42، معتقدا أن التجربة ستفيده حتى إذا خسر، لكن زوجته اعترضت. وقالت له حينها «إما أن تترشح لتفوز أو لا تترشح على الإطلاق». وعن ذلك، قال فرانك غرير، خبير وضع الاستراتيجيات الإعلامية «أعتقد أنها شعرت بأنه غير مستعد آنذاك».
ربما كانت هناك أسباب أخرى أيضا، حيث اشتكى بيل كلينتون لصديقه بيتر إدلمان من أن السيناتور آل غور من تينيسي، الذي كان يعد حملته للترشح عن الحزب الديمقراطي عام 1988 «ينشر شائعات حول أن لديه علاقات خارج الزواج».
وقد سمع آخرون بهذا الأمر أيضا. بعد لقائها بيل كلينتون، تحدثت ريفلين عنه لصديقتهما المشتركة دونا شالالا. وقد اتفقت شالالا مع فكرة أن كلينتون شخصية «رائعة»، لكنها استطردت بأنه «لن يصبح رئيسا للولايات المتحدة قط». وعندما استفسرت ريفلين عن السبب، قالت شالالا «إن لديه مشكلة مع النساء»، حسبما ذكرت ريفلين.
بحلول عام 1992، أصبحت هيلاري مقتنعة بأنه أصبح مستعدا لخوض التنافس الرئاسي، وحرصت على مواجهة «مشكلته مع النساء» مباشرة خلال الاجتماعات التي عقدت لوضع استراتيجيات الحملة الانتخابية.
من جهته، قال ستانلي غرينبرغ، مسؤول استطلاعات الرأي بالحملة «عقدنا اجتماعا تم تخصيصه بالكامل لهذا الأمر. كان اجتماعا غير مريح. وأتذكر أن هيلاري قالت «طبعا إذا كان بإمكاني رفض الأسئلة بهذا الخصوص، كنت سأرفضها». وقد تحدثت عن هذا الأمر بقدر ما تحدث هو.
وفي الوقت الذي شكلت فيه غراميات كلينتون تحديا، فإن بعض مساعديه شعروا بالقلق من أن زوجته تشكل تحديا هي الأخرى، حيث رأى بعضهم أن شخصيتها القوية قد تجعل بيل يبدو بجانبها شديد الضعف. وعن ذلك، قالت سوزان توماسيز، الصديقة المقربة من هيلاري كلينتون والتي شاركت بالحملة «كانت شخصيتها قوية للغاية لدرجة أن البعض شعر بأنه أثناء وجودهما معا فإن شخصيتها القوية تجعل كلينتون يبدو ضعيفا».
بمجرد دخولها البيت الأبيض تحولت هيلاري لنمط آخر من السيدات الأوائل، فعندما تولت مسؤولية إصلاح منظومة الرعاية الصحية استعانت بمستشار ذكي وشديد الثقة بنفسه وهو إيرا ماغازينر، ووضعا خطة جريئة وشديدة الدقة. بيد أن جهود إصلاح الرعاية الصحية وتوسيع نطاق المشاركة الحكومية داخل القطاع الخاص أثارت مشكلات سياسية وانقسامات داخلية عميقة بالبيت الأبيض. وجرى النظر لماغازينر باعتباره شخصا يأبى التعاون مع الآخرين، بينما أبدى القليلون استعدادهم للدخول في تحد مع زوجة الرئيس. وكانت شالالا، التي تم اختيارها وزيرة للصحة والخدمات الإنسانية، واحدة من هؤلاء القلائل.
وقال إدلمان، الذي عمل مساعدا لشالالا، إنها أخبرته بأنها «أخبرت هيلاري بأن هذا الأمر سيؤدي لكارثة، وردت علي بأنني أشعر بالغيرة لأنني لست مسؤولة عن الأمر ولهذا اشتكي». في النهاية، شعر بيل وهيلاري بصدمة بالغة جراء انهيار جهودهما بهذا المجال داخل الكونغرس، في هزيمة أدت لسيطرة الجمهوريين على الكونغرس عام 1994.
في هذا الصدد، قال ويليام إيه غالستون، مستشار السياسات الداخلية «ربما شكل الزوجان قوة يتعذر مقاومتها، لكنهما واجها عقبة لا سبيل للتغلب عليها». وفي أعقاب هذا الفشل «انسحبت هيلاري لبعض الوقت كي تضمد جراحها»، حسب تعبير غالستون، حيث قل ظهورها في الجناح الغربي وزاد سفرها للخارج. وعملت على التأكيد على نفوذها بأساليب أقل وضوحا، حيث أقنعت زوجها باختيار مادلين أولبرايت كأول وزيرة خارجية، ووضعت المعاملة الوحشية للنساء على أيدي «طالبان» على أجندة البيت الأبيض.
إلا أن فصول فضيحة أخرى كانت بانتظار الزوجين، ورفضت هيلاري الكشف عن ملفات بخصوص استثماراتها هي وزوجها في صفقة شراء أرض فاشلة في أركنساس، وهو ما عرف بقضية «وايت ووتر». وبدأ المحقق المستقل كينيث دبليو ستار في التحقيق في ما إذا كان بيل قد حنث بيمينه في ما يخص شهادته حول علاقته بمونيكا لوينسكي، المتدربة بالبيت الأبيض. وظل الرئيس ينكر هذه العلاقة لشهور، وأعلنت زوجته أنها تصدقه، لكن هذه الثقة لم تمتد لجميع المقربين من الزوجين. وقالت توماسيز إن هيلاري شعرت بغضب عارم تجاه زوجها، لكنها لم تفكر في الانفصال قط. وأضافت «أعتقد أنها لم تكن لتتردد في ضربه بمقلاة لو أتيحت لها، لكنها لم تفكر قط في تركه أو الطلاق منه».
بدلا من ذلك، اتجهت السيدة الأولى لـ«كابيتول هيل» لحشد دعم الديمقراطيين ضد سحب الثقة من الرئيس. وبدلت هذه الأزمة صورة هيلاري العامة تماما، حيث أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبيتها بصورة هائلة، مما شجعها على التفكير في الترشح لعضوية مجلس الشيوخ عن نيويورك، وهي فكرة بدت حينها غير محتملة إطلاقا لدرجة دفعت السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جو لوكهارت، لنفيها علانية، حتى تدخلت هي وبدأت تلمح للأمر.
ومن هنا بدأت الحياة السياسية لهيلاري، والآن بعد عقد ونصف العقد تبدو أعينها متركزة ثانية على البيت الأبيض. ولك أن تتخيل ما كان نوسبوم ليقوله لو أنها صارحته بذلك في السبعينات!

* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».