حملة اعتقالات تركية تشمل رؤساء بلديات منتخبين

محاولة جديدة لإقناع واشنطن بتسليم غولن... وزيارة «آيا صوفيا» في غير أوقات الصلاة

TT

حملة اعتقالات تركية تشمل رؤساء بلديات منتخبين

نفّذت السلطات التركية حملة اعتقالات جديدة شملت العشرات، بينهم رؤساء بلديات من «حزب الشعوب الديمقراطي» وناشطات في مجال الدفاع عن المرأة، فيما جددت أنقرة محاولاتها لدى واشنطن لتسليم الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016.
وأصدر مكتب المدعي العام في ولاية غازي عنتاب التركية أمراً باعتقال 33 شخصاً، بينهم رئيس بلدية المدينة وعدد من رؤساء البلدات والأحياء المنتخبين من «حزب الشعوب الديمقراطي» المعارض وناشطات في مجال حقوق المرأة. وجاء أمر الاعتقال في إطار تحقيقات بحق «حزب العمال الكردستاني». وعلى الفور، نفذت قوات مكافحة الإرهاب في غازي عنتاب ما يقرب من 30 مداهمة في المدينة فجراً لضبط المطلوبين. وقال متحدث باسم «الشعوب الديمقراطي» إن المعتقلين أعضاء في الحزب، ومعظمهم ناشطات. وتتهم الحكومة الحزب بالارتباط بـ«العمال الكردستاني»، فيما ينفي الحزب هذه الاتهامات. واعتقلت السلطات التركية منذ الانتخابات المحلية التي أُجريت في مارس (آذار) من العام الماضي، نحو 60 من رؤساء البلديات المنتمين إلى «الشعوب الديمقراطي» وعيّنت مسؤولين آخرين مكانهم كأوصياء. وأسقط البرلمان عضوية النائبين ليلي جوفان وموسى أوغوللاري الشهر الماضي، بعد أن أيّد القضاء أحكاماً صادرة بحقهما، وتم اعتقالهما على الفور.
في سياق متصل، عيّنت السلطات وصياً علي بلدية ديادين بولاية أغري، شرق البلاد، بعد اعتقال الرئيس المشارك للبلدية، بتول ياشار، المنتمية إلى «الشعوب الديمقراطي» على خلفية اتهامها بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي والدعاية للجماعات الإرهابية». وقالت الرئيسة المشاركة للحزب بروين بولدان، إنه تم منذ 6 يوليو الجاري حتى اليوم، تعيين 42 وصياً في بلديات تابعة للحزب.
على صعيد آخر، طالبت «اللجنة التوجيهية الوطنية الأميركية - التركية»، وهي جماعة تابعة للوبي التركي في واشنطن، الكونغرس الأميركي بتسليم الداعية فتح الله غولن، في رسالة بعثتها إلى مجلسي الشيوخ والنواب، موقّعةً من جميع أعضائها. واتهمت الرسالة «حركة الخدمة» التي صنّفتها الحكومة التركية «منظمة إرهابية» باسم «منظمة فتح الله غولن الإرهابية»، بـ«مهاجمة الشعب التركي بتعليمات من زعيمها غولن، مستخدمة أسلحة حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، وأن «غولن أعطى رسائل واضحة حول محاولة الانقلاب في بعض خطاباته».
جاءت الرسالة متواكبة مع إحياء تركيا الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب التي نفى غولن أي صلة له بها. ورفضت الإدارتان الأميركيتان السابقة والحالية طلبات متكررة من تركيا بتسليمه. وطالبتا أنقرة بتقديم أدلة مقنعة للقضاء الأميركي على تورطه في محاولة الانقلاب حتى يتم تسليمه.
على صعيد آخر، أعلنت تركيا أن متحف «آيا صوفيا» الذي تحول مسجداً في إسطنبول «سيواصل استقبال السائحين في غير أوقات الصلاة» بعد إعادة افتتاحه في 24 يوليو. ورداً على بيان أصدره الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عقب اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد، قال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكصوي، في بيان، أمس، إن «مسجد (آيا صوفيا) سيواصل احتضان الجميع بوضعه الجديد، والحفاظ على التراث الثقافي المشترك للبشرية... (آيا صوفيا) ملك لتركيا، ولها الحق في اتخاذ كل الإجراءات بخصوصه، بما في ذلك تغيير وضعه، وهذا حق سيادي لها، ولا يحق لأحد التدخل فيه».
وأدان وزراء خارجية أوروبا قرار تحويل المتحف إلى مسجد، محذرين من أنه «سيزيد حتماً انعدام الثقة، ويشجع على الانقسامات المتجددة بين الطوائف الدينية ويقوّض جهودنا في الحوار والتعاون». وأشاروا إلى أن بينهم «دعماً واسعاً لدعوة السلطات التركية إلى إعادة النظر في القرار الصادر يوم الجمعة الماضي، وإبطاله على وجه السرعة».
في السياق ذاته، قالت هيئة الشؤون الدينية التركية إن الأيقونات المسيحية الموجودة في (آيا صوفيا)، «لن تمنع إقامة الصلاة فيه، وستتم تغطيتها بطريقة معينة خلال الصلوات الخمس، اعتباراً من 24 يوليو».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟