الوباء يرهق تجار فلسطين والارتباك الحكومي يفاقم الأزمة

أسواق رام الله أغلقت أبوابها جراء تفاقم الوضع الوبائي في فلسطين (أ.ف.ب)
أسواق رام الله أغلقت أبوابها جراء تفاقم الوضع الوبائي في فلسطين (أ.ف.ب)
TT

الوباء يرهق تجار فلسطين والارتباك الحكومي يفاقم الأزمة

أسواق رام الله أغلقت أبوابها جراء تفاقم الوضع الوبائي في فلسطين (أ.ف.ب)
أسواق رام الله أغلقت أبوابها جراء تفاقم الوضع الوبائي في فلسطين (أ.ف.ب)

أدى ارتباك في القرارات الحكومية حول إغلاق محافظات في الضفة الغربية إلى غضب شعبي، ترجم بتنفيذ التجار في الخليل ورام الله وقفات احتجاجية ضد سياسات الحكومة.
وتظاهر تجار في الخليل ورام الله مطالبين بإعادة فتح محلاتهم في ظل سماح الحكومة للبنوك بالعمل.
وقال تجار إن مطلبهم الوحيد هو الحصول على مصدر رزقهم في ظل عدم تعاون الحكومة أو تقديمها أي مساعدات أو إعفاءات ضريبية لهم.
ورفض التجار استمرار الإغلاق الذي فرضته الحكومة على رام الله وبيت لحم والخليل ونابلس، بسبب أن الإغلاق ليس شاملاً، وأصبح يهدد قوت أبنائهم دون حلول أو بدائل.
وقال أحد التجار في رام الله: «الناس تذهب للشراء من كفر عقب (منطقة في رام الله لا تسيطر عليها السلطة) وتعود. ما جدوى هذا الإغلاق؟ إغلاق علينا بس». وأضاف آخر: «أنا معيش 20 شيكل. تعالوا شوفو وضعنا صرنا شحادين. الشيكات بترجع. البلد كلها فاتحة.. فاتح البنوك ليش؟ النزيف الرئيسي البنوك، كل المشكلة من البنوك، سكر البنوك ليش فاتحهن. مطلبنا بدنا نعيش».
والغضب الذي أبداه التجار جاء في ظل حالة إرباك عاشتها الأراضي الفلسطينية ليل الأحد/ الاثنين، بعدما أعلن الناطق باسم الحكومة إبراهيم ملحم استمرار إغلاق رام الله والخليل وبيت لحم ونابلس بسبب إصابات كورونا، قبل أن تعلن محافِظة رام الله ليلى غنام استثناء رام الله من هذا الإغلاق، وهو ما أثار غضب تجار الخليل الذين تظاهروا ثم حصلوا على استثناء، ما اضطر محافظي نابلس وبيت لحم لإعلان فتح المحلات كذلك، وهي قرارات عاد رئيس الوزراء محمد أشتية وألغاها، معلناً استمرار الإغلاق.
وتحول الأمر إلى مثار سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي لا تخلو من الغضب.
ويعتقد أن تعيد الحكومة فتح المحافظات الأربع في أي وقت.
وكانت الحكومة أعلنت إلى جانب إغلاق المحافظات الـ4 منع الحركة بين المحافظات لمدة أسبوعين، وإغلاق القرى والمخيمات والأحياء المصابة في المحافظات الأخرى. ومنع الحركة يومياً من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً، في جميع المحافظات ولمدة أسبوعين، على أن تتم مراجعة ذلك حسب حدة الوباء، وإغلاق جميع محافظات الوطن من الساعة الثامنة من مساء الخميس وحتى صباح يوم الأحد، مع السماح للأفران والصيدليات بالعمل، ولمدة أسبوعين.
وجددت الحكومة منع إقامة الأعراس وبيوت العزاء والمهرجانات وأي تجمعات في جميع المحافظات، كما قررت منع إقامة المخيمات الصيفية منعاً قاطعاً، وإغلاق صالونات الحلاقة والتجميل والنوادي الرياضية، واقتصار عمل المطاعم على البيع المباشر والتوصيل، مع عدم الجلوس. 
وأعادت الحكومة الطلب من فلسطينيي 48 عدم زيارة الضفة الغربية، وطلبت عدم التنقل اليومي للعمال بين أماكن عملهم بالداخل ومدنهم وقراهم.
جاء ذلك في ظل استمرار تسجيل مئات الإصابات يومياً في الضفة.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أمس، وفاة مواطنة ستينية من بيت أولا بمحافظة الخليل بالضفة المحتلة، متأثرة بإصابتها بـ«فيروس كورونا»، ما يرفع حصيلة الوفيات في فلسطين نتيجة الفيروس إلى 41.
وأعلنت تسجيل 298 إصابة جديدة بفيروس «كورونا» المستجد، خلال الـ24 ساعة الأخيرة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.