«القدرة الفخارية» تستعيد مكانتها في صعيد مصر

«تبرّد وتنقي» مياه الشرب... وبيعها يشهد انتعاشاً

كمية من القدور بعد حرقها في الفرن (الشرق الأوسط)  -  فتى يحمل قدرة مياه قبل بيعها (الشرق الأوسط)
كمية من القدور بعد حرقها في الفرن (الشرق الأوسط) - فتى يحمل قدرة مياه قبل بيعها (الشرق الأوسط)
TT

«القدرة الفخارية» تستعيد مكانتها في صعيد مصر

كمية من القدور بعد حرقها في الفرن (الشرق الأوسط)  -  فتى يحمل قدرة مياه قبل بيعها (الشرق الأوسط)
كمية من القدور بعد حرقها في الفرن (الشرق الأوسط) - فتى يحمل قدرة مياه قبل بيعها (الشرق الأوسط)

بعد سنوات طويلة من النسيان والتهميش، استعادت «البورمة» أو «القدرة الفخارية المصرية» والمخصصة لتبريد وتنقية المياه، مكانتها لدى سكان صعيد مصر (جنوب مصر)، بعدما أقصتها قوارير المياه المثلجة والزجاجات المعدنية من طريقها، وأفقدتها هيبتها في المنازل الريفية سنوات طويلة، لكن بعد تفشي فيروس «كورونا»، وإصابة عشرات الآلاف به في مصر أخيراً، لجأ إليها كثيرون لتبريد وتنقية المياه في ظل أجواء العزلة والحذر من الجائحة لتستقر من جديد في قلوب وشرفات وصالونات بيوت كثيرة في محافظات صعيد مصر التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة في شهور الصيف.
القدرة الفخارية التي تشبه قدرة الفول المعدنية الشهيرة، تتمتع بتاريخ طويل وذكرياتمهمة مع سكان جنوب مصر، الذين لا يزالون يحافظون عليها رغم اقتناء الثلاجات والأجهزة المنزلية الحديثة، وهي تشبه كثيرا «الزير» الذي يستخدم في تبريد المياه أيضاً مع وجود اختلاف كبير في التصميم والشكل. وتشبه هذه القدور بعض الأواني الفخارية المكتشفة في مقابر الفراعنة المصريين بالأقصر والمدن الأخرى.
السيد سليمان سالم، «فواخري» من مدينة منفلوط، التابعة لمحافظة أسيوط، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «القدرة تصنع من عجين طين محدد يوجد بمدينتي صدفا وأبو تيج وهما مدينتان تتبعان محافظة أسيوط، وهناك تتركز أماكن صناعتها بعدما برع فيها أجدادنا، ويتم تجهيزها داخل قوالب متنوعة قبل أن يتم رصها في صفوف حتى تجف تماما، ثم تبدأ مرحلة إحراقها داخل أفران بلدية في إطار عملية قديمة متوارثة منذ زمن الفراعنة».
ويؤكد محمود البنان «فواخري» من قرية بني يحيى بمحافظة أسيوط، أن «تفشي وباء (كورونا) كان له دور كبير في زيادة مبيعات هذه القدور وانتعاش الصناعة التي ترتبط بمياه الشرب، فهي مصنوعة بطريقة تجعل ماءها باردا دون الحاجة لوقت طويل، فقط نضعها في مكان يتعرض لتيار هواء، والباقي عليها»، مشيراً إلى أن «هناك من يضعون في قلبها بعد ملئها بالمياه قطعة من الطوب الأحمر، لتسحب الشوائب إلى الأسفل، وهناك من يشربون ماءها المقطر الذي يسقط منها في إناء يضعونه في أسفل الحامل».
وديعة محمد 70 عاما، وهي ربة منزل من المنيا، (شمال صعيد مصر)، تتذكر العصر الذهبي لقدور المياه الفخرية وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت تستيقظ أمي مبكراً قبل وصول السقا لتفرغ القدرة من بقايا المياه التي كانت فيها من الأمس، وتغسلها جيداً، وتعيدها إلى مكانها، بجوار باب المطبخ، وتكرر الأمر ذاته مع قدرة الطابق الثاني، والتي كانت تظل ساعات الليل في الشرفة مغطاة بصينية نحاس وفوقها كوب من النحاس، المخصص للشرب منها»، وتشير وديعة إلى أن مهمتها كانت عبارة عن غسل هذا الكوب النحاسي بالتراب لتلميعه ثم تغسله بالماء وتعيده إلى مكانه فوق القدرة، وهي مطمئنة تماما من نظافته قبل أن يستعمله أحد.
بكري السيد «موظف» اعتاد شراء مياه معدنية من محال البقالة بسبب تردي حالة مياه الشرب البلدية، لكن بعد ظهور وباء «كورونا»، عاد إلى القدرة الفخارية من جديد، اشترى اثنتين، بـ70 جنيها مصريا، وهو ما يوازي أربعة دولارات تقريبا، ووضعهما في البيت، فوق حامل حديدي مخصص لهذه المهمة.
ولم يكتف بكري بشراء قدور لأسرته الصغيرة فقط، بل استغل سيارته ومروره بشكل مستمر على أجران الفخار، واشترى قدوراً لكل من طلب منه، كما أهدى إخوته منها، وأرسل لوالدته واحدة حتى لا تضطر للشرب من ماء الصنابير مباشرة، وحتى لا تلجأ لشراء زجاجات المياه المعدنية، وتتعرض لمخاطر الإصابة بـ«كورونا».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».