بومبيو يتعهد منع تدفق النفط الإيراني إلى «حزب الله» اللبناني

اتهم طهران بإرسال شحنة أسلحة للحوثيين تضم 27 صاروخاً باليستياً

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يرد على أسئلة الصحافيين في واشنطن أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يرد على أسئلة الصحافيين في واشنطن أمس (أ.ب)
TT
20

بومبيو يتعهد منع تدفق النفط الإيراني إلى «حزب الله» اللبناني

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يرد على أسئلة الصحافيين في واشنطن أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يرد على أسئلة الصحافيين في واشنطن أمس (أ.ب)

تعهد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بمنع بلاده تدفق نفط إيران إلى حليفها «حزب الله» اللبناني، وحض مجلس الأمن الدولي على تمديد قرار حظر الأسلحة المفروض على طهران، مشيراً إلى ضبط سفينة تحمل أسلحة إيرانية إلى المتمردين الحوثيين في اليمن الشهر الماضي.
وعلق بومبيو، خلال مؤتمر صحافي بمقر وزارة الخارجية أمس، على إمكانية إرسال شحنات نفط إيرانية إلى لبنان، قائلاً إن واشنطن «لن تسمح بتدفق الأموال إلى أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، محذراً من فرض عقوبات إذا وقّعت بيروت اتفاقاً مع طهران لشراء النفط.وصرح بومبيو بأن «هذا لن يكون مقبولاً. هذا منتج خاضع للعقوبات بالتأكيد»، مضيفاً: «سنفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن إيران لا يمكنها الاستمرار في بيع النفط الخام في أي مكان، بما في ذلك (حزب الله)».
وجاء تحذير بومبيو بعدما حثّ الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الحكومة اللبنانية على شراء النفط من إيران ومحاكاة نموذجها الاقتصادي للاكتفاء الذاتي.
ونوه بومبيو بأن الولايات المتحدة «ستبقى تتعامل مع (حزب الله) اللبناني على أنه منظمة إرهابية»، مؤكداً في الوقت نفسه مواصلة دعم الولايات المتحدة للبنان ومساعدة الشعب اللبناني على تشكيل حكومة مستقلة، «ما دامت الإصلاحات تنجح وتتراجع سيطرة (حزب الله)».
وتمسك بومبيو بدعوة الولايات المتحدة مجلس الأمن الدولي إلى تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، المقرر انتهاؤه في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وقال: «لا بد لمجلس الأمن من أن يمدد حظر الأسلحة على إيران لمنع مزيد من الصراعات في المنطقة... لا يسع أي شخص جاد الاعتقاد بأن إيران ستستخدم الأسلحة التي تحصل عليها لأغراض سلمية»، حسبما أوردت «رويترز».
وقال بومبيو إن الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها «ضبطت الشهر الماضي سفينة أسلحة؛ بينها 27 صاروخاً باليستياً، كانت متوجهة إلى المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن»، لافتاً إلى أنها «لا تزال تقوم بإرسال الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن».
وأشار بومبيو في السياق نفسه، إلى تقرير الأمم المتحدة الذي صدر أخيراً ويتهم طهران بمسؤوليتها عن شحنات الأسلحة التي ضبطت في نوفمبر (تشرين الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين. كما اتهم الحوثيين بمنع موظفي الأمم المتحدة من الصعود إلى ناقلة النفط «صافر» التي يتسرب منها النفط في البحر الأحمر؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى انفجارها والتسبب في تلوث بيئي كبير بالمنطقة.
وفيما يخص العراق، طالب بومبيو بملاحقة واعتقال ومحاكمة المسؤولين عن اغتيال الصحافي والباحث العراقي هشام الهاشمي «الذي وقف إلى جانب طموحات الشعب العراقي وتعرض لتهديدات من ميليشيات إيران». وقال إن الولايات المتحدة «تنضم إلى مختلف الأصوات والدول التي أدانت عملية الاغتيال، وتقف مع حكومة العراق للاقتصاص من القتلة».
من جانب آخر؛ اتهم بومبيو نظام الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا والصين بمنع صدور قرار أممي يسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وقال إن روسيا والصين «استخدمتا حق النقض في مجلس الأمن لإجهاض القرار الدولي على أمل الاستفادة لاحقاً من عمليات البناء في المستقبل؛ الأمر الذي يفاقم راهناً من الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً».



عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
TT
20

عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)

يشهد عالم اليوم ما يُسمّى «التحوّل النموذجي» (Paradigm Shift)، وفي أبعاد عدّة، منها الاجتماعي والاقتصاديّ، والتكنولوجي وبالطبع الجيوسياسيّ. التحوّل النموذجيّ يعني أن العالم يمرّ بمرحلة الانتقال من منظومة قديمة، كانت لها قواعدها وقوانينها وثقافتها وتوازناتها، إلى مرحلة لم تتّضح فيها الضوابط بعد. تُعدّ هذه المرحلة الانتقالية الأخطر على الأمن والسلم العالميّين.

في تسعينات القرن الماضي، أطاحت العولمة بكل الضوابط والحدود، لكن بطريقة سلميّة. يشهد عالم اليوم الانكماش والتراجع عن الانفتاح. وفي الحالتَيْن، يكون التأثير على التوازنات الجيوسياسيّة في النظام العالمي مختلفاً. في التسعينات، فتحت أميركا نفسها، وانفتحت على العالم بشكل لم يسبق له مثيل.

صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)
صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)

قرّرت أميركا اليوم الانحسار. عندما انفتحت على العالم ثبّتت نفسها بصفتها أولى بين متساوين، حتى الوصول إلى درجة الأحاديّة. تنحسر اليوم أميركا، مع الرئيس ترمب، في شكل لم تتظهّر معالمه وتداعياته الكاملة بعد، على العالم وعلى الداخل الأميركيّ أيضاً. وعليه يمر عالم اليوم بحالة من اللاتوازن. وفي حالة اللاتوازن، تستغلّ عادة القوى العظمى، والكبرى، وضمنها القوى الإقليميّة، هذا الوضع، وهذه الفرصة الجيوسياسيّة، لتحقيق أحلامها وأهدافها، خاصة عبر التوسّع الجغرافي، أو عبر الهروب من التحالفات، والاصطفاف في مكان آخر.

الترابط والانفصال

تفتح روسيا الباب أمام أميركا الآن، لكنها مع الصين في شراكة لا حدود لها. تقاتل الوحدات الخاصة من كوريا الشمالية في روسيا ضدّ أوكرانيا، كما تمدّ كوريا الشمالية روسيا بالذخيرة والصواريخ، علماً بأن ترمب سبق أن هدّد في ولايته الأولى بتدمير كوريا الشمالية، قبل أن يعقد محادثات مع زعيمها كيم جونغ أون. تُصنّف كوريا الشمالية اليوم ضمن مجموعة الدول التي تملك أسلحة نوويّة، وبذلك تشكّل، بسبب قربها الجغرافيّ من الصين، خطراً استراتيجياً على الأمن القومي الصيني، علماً بأن التنين الصيني يحاول حالياً فرض منطقة نفوذ في محيطه تشمل بحر الصين الجنوبي وتايوان وفيتنام وكوريا بشطرَيْها الشمالي والجنوبي.

وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)

هناك شراكة «دون حدود» بين الصين وروسيا، لكن منطقة نفوذ الصين الحالية في آسيا الوسطى، تهدّد منطقة النفوذ الروسية التاريخيّة. كما أن المشروع الكوني للرئيس الصيني شي جينبينغ، «الحزام والطريق»، يمرّ حكماً في مناطق النفوذ الروسي.

في المقابل، تنشر أميركا في الفلبين صواريخ «تايفون» القادرة على ضرب كل الساحل الصيني الشرقي، كما تعزز القدرات الدفاعية لتايوان. لكن روسيا تشارك الصين في الكثير من المناورات البحريّة على حدود اليابان، الحليف المركزي للعم سام في الشرق الأقصى.

تستعجل الصين التحضير العملانيّ لضم جزيرة تايوان بالقوة، إذا تعثّرت القوة الناعمة عن تحقيق الأهداف. وحسب بعض الخبراء، تعتمد الصين على استراتيجية تجاه تايوان ترتكز على أربعة أسس هي: الإذلال، والإكراه، والعقاب، ومن ثمّ الاجتياح بوصفه حلاً أخيراً. ولذلك تعتمد الصين في محيطها الشرقي، ولتأمين منطقة نفوذها، على استراتيجيّة «الملفوف» (Cabbage)، بدل «السلامي» (Salami Tactic). فما الفارق بين المقاربتَيْن؟ ترتكز مقاربة «السلامي» على القضم المتدرّج للشرائح واحدة بعد الأخرى. لكن ما يربط شرائح «السلامي» بعضها ببعض يبقى هشّاً. أما استراتيجيّة «الملفوف» فهي تقوم على حماية كل إنجاز بإنجاز آخر يحميه ويٌحصّنه، وعلى عدّة مستويات وطبقات (Layers) تلتف حول بعضها، كما تلتف أوراق «الملفوف» على القلب. فإذا ما أراد البعض الوصول إلى القلب، فعليه المرور بطبقات عدة، الأمر الذي يبدو مُكلفاً.

جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)
جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)

تعاني تايوان من استراتيجيّة الغموض الأميركيّ تجاه مصير الجزيرة؛ فهل سيكون مصيرها مثل مصير أوكرانيا مع الإدارة الجديدة؟ وماذا لو هاجمت الصين الجزيرة واستبقت أي تحضير أميركيّ؟ أتى الردّ الأميركيّ على القلق التايواني بطريقة غير مباشرة؛ ولكن كيف؟

عمّمت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) مؤخراً مذكّرة تحت اسم «توجيهات سريّة ومؤقّتة» تشرح فيها رؤية الرئيس دونالد ترمب تجاه الصين. تطلب المذكّرة التحضير العسكري للانتصار في أيّ حرب مستقبليّة مع الصين. تعدّ المذكّرة أن الصين تشكّل الخطر الأوحد على الولايات المتحدة، ومن الضروري ردعها كي لا تفرض أمراً واقعاً (Fait Accompli) باحتلال الجزيرة.

وفي هذا الإطار، زار وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، مؤخراً كلاً من الفلبين واليابان. ولإرضاء ترمب، قررت تايوان وعبر أهم شركة مُصنّعة للشرائح الذكيّة في العالم، استثمار ما يُقارب من 100 مليار دولار في الداخل الأميركي.

في الختام يُنظّر المفكّر والمحاضر في جامعة تكساس، إيونوت بوبيسكو، في كتابه «لا نظراء منافسون» (No Peer Rivals)، أن على الولايات المتحدة، وكي تبقى مهيمنة، وكي تحافظ على نفسها بصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تعتمد الواقعية الهجوميّة والاستراتيجية الكبرى التالية: «الهيمنة (الأميركية) على المحيط المباشر، ومنع الصين من الهيمنة على محيطها المباشر كي لا تنطلق منه إلى الهيمنة العالمية». فهل تشكّل تايوان مفتاح الهيمنة الصينيّة على محيطها، والباب للهيمنة العالميّة؟ وأين تصبّ سياسة ترمب الخاصة بغرينلاند وكندا وقناة بنما؟ وهل تدخل الحرب التجارية مع العالم في هذا الإطار؟ إن غداً لناظره قريب.