عندما انضم جيمي بلاكلي إلى القوات المسلحة لخدمة وطنه أثناء حرب فيتنام، كانت حالته الصحية وبصره في حالة ممتازة. ومع ذلك، فإنه لدى إنجازه الخدمة العسكرية عام 1971 كان بصره قد بدأ في التراجع على نحو حاد.
واكتشف الأطباء وجود آثار من «العامل البرتقالي» (مبيد حشري سام جرى استخدامه أثناء الحرب) في دمائه، وأخبروه أنه من المحتمل أن يتسبب في تراجع في حدة بصره. وعلى مر سنوات، خاض بلاكلي جراحة وعدة عمليات حقن للعينين، لكنه أصبح ضعيف البصر على نحو بالغ بحلول عام 1999، وبسبب ذلك، اضطر إلى الاستعانة بعدسات مكبرة فوق عدسات نظارته كي يتمكن من القراءة، واحتاج لأن يجلس على بعد قدمين من شاشة التلفزيون الخاص به البالغ حجمها 65 بوصة، الأمر الذي أصابه بإحباط شديد.
بعد ذلك، علم بلاكلي، البالغ اليوم 72 عاماً ويعيش في كوليدج ستيشن، بأمر «آيريس فيجن»، وهو جهاز يعتمد على هاتف ذكي وجهاز يوضع على الرأس خاص بالواقع الافتراضي وبرنامج لوغاريتمات لمعاونة أصحاب النظر الضعيف على الرؤية والقراءة بوضوح. ووجد بلاكلي في الجهاز تجربة غيرت مسار حياته.
وعن ذلك، قال: «شعرت بالانبهار. لقد شعرت وكأنني استعدت نظري في سن الـ19».
من بين الشركات التي تسعى لاستغلال التكنولوجيا في إيجاد حلول لمشكلات الإبصار، تعمل «آيريس فيجن» على التقدم خطوة عن الآخرين، ذلك أن الجهاز الذي ابتكرته، بجانب إسهامه في تحسين القدرة على الإبصار، من المتوقع أن يتمكن من تشخيص الحالات الصحية وإجراء اختبارات، بل وعلاج المرضى عن بعد في غضون عامين من الآن.
من ناحيته، قال جيروم ووجيك، مدير البرنامج وشؤون الموارد البحثية لدى «المعهد الوطني للعيون»، الذي يشكل جزءا من المعاهد الصحية الوطنية: «رغم أن مظهره قد لا يكون جذاباً، فإنه يقدم خدمات قيمة حقاً للأفراد. إننا في جوهرنا حيوانات بصرية. وإذا فقدت رؤيتك على الإبصار، فستفقد جزءا كبيراً من حياتك».
وأشار ووجيك إلى اعتقاده بأن الأجهزة التي تعتمد على الذكاء الصناعي في إجراء اختبارات وتشخيص وعلاج المرضى عن بعد هي المستقبل، ذلك أنها ستمكن أطباء العيون وغيرهم من علاج سكان المناطق الريفية والنائية.
ومن الممكن أن تصبح السوق المتاحة أمام هذه التكنولوجيا الجديدة هائلة. جدير بالذكر في هذا الصدد أن قرابة 6.4 مليون أميركي يعانون ضعف البصر على نحو يتعذر تصحيحه باستخدام النظارات أو العدسات اللاصقة، تبعاً لما ورد في تقرير أصدرته الأكاديمية الوطنية للعلوم عام 2016.
ومن بين هؤلاء 4.2 مليون نسمة تتجاوز أعمارهم الـ40 ومع تقدم أبناء الجيل الذي ولد بين عامي 1946 و1964 واشتهر بكثرة الإنجاب، في العمر من المتوقع أن تشهد البلاد ارتفاعاً شديداً في معدلات الأمراض والحالات الصحية المرتبطة بالعمر، مثل التنكس البقعي والغلوكوما واعتلال الشبكية السكري.
من ناحية أخرى، تسببت أزمة تفشي وباء فيروس «كورونا» في ازدياد الوضع صعوبة أمام أصحاب الإعاقات البصرية، ذلك أن أصحاب النظر الضعيف يعتمدون بشدة على اللمس والأصوات في التعرف على الأشياء والأشخاص. وقد يصبح هذا الأمر صعباً في وقت يلتزم المرء بتطهير يديه باستمرار وممارسات التباعد الاجتماعي والإنصات إلى الآخرين عبر أقنعة حماية الوجه، حسبما شرح الدكتور بيني روزنبلوم، مدير شؤون الأبحاث لدى «المؤسسة الأميركية للمكفوفين».
وأضاف روزنبلوم أن أصحاب النظر الضعيف قد يجدون أنفسهم معزولين بدرجة أكبر عن المعتاد لعجزهم عن استخدام تطبيق «زوم» والتكنولوجيات الأخرى التي تبقيهم على اتصال بآخرين.
على الجانب الآخر، تفتق ذهن فرنك ويربلين، أحد مؤسسي «آيريس فيجن» وأحد العلماء البارزين في الشركة وبروفسور علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي منذ أكثر عن 40 عاماً، عن فكرة ابتكار جهاز «آيريس فيجن» عام 2014 وأثناء حديثه أمام مؤتمر عقدته «مؤسسة محاربة فقدان البصر»، اقترب منه جيه. لين دوغان، أمين المجلس، وعرض عليه إمداده بالتمويل إذا ما تمكن ويربلين من ابتكار جهاز يمكن ارتداؤه بإمكانه معاونة ابنته التي تعاني إعاقة بصرية.
وقال ويربلين إنه لطالما شعر بالانبهار إزاء العلاقة بين المخ والأعصاب، وشبكية العين والقدرة على الإبصار، الأمر الذي دفعه بحماس إلى قبول التحدي.
وخلال المشروع، استعان ويلبرين بمطور بارع بمجال تطبيقات الهاتف يدعى عماد خان، كشريك له في المشروع. وعن هذا، قال خان: «تخيل فكرة بمقدورها إحداث تحول في حياة إنسان ما، كان ذلك أمرا شديد الجاذبية لي».
ومع تقديم دوغان 1.5 مليون دولار، وتوافر منحة بقيمة 1.5 مليون دولار أخرى من «المعهد الوطني للعيون»، وقرابة 4 ملايين دولار من مجموعة من المستثمرين الخيرين، انطلق العمل في المشروع. وتعاون القائمون على المشروع مع خبراء من جامعتي ستانفورد وجونز هوبكينز، ودخلوا في شراكة مع شركة «سامسونغ» التي وفرت الهاتف الذكي وتكنولوجيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط، وكذلك منصة الذكاء الصناعي المتنقلة. وبحلول عام 2017 كان العمل قد انتهى في الجهاز.
من جهته، يسهم «آيريس فيجن» في استعادة الوظائف البصرية للأشخاص الذين يعانون حالات مثل التنكس البقعي واعتلال الشبكية السكري والتهاب الشبكية الصباغي ومرض ستارغاردت والضمور البصري ـ لكن ليس إعتام عدسة العين.
وبمقدور الجهاز معاونة شخص يعاني من انخفاض مستوى حدة البصر إلى 20 - 1000.
أما عن كيفية عمل الجهاز، فإنه يعين المخ على استخدام أجزاء العينين التي لا تزال تعمل بكفاءة. وتتولى كاميرا الهاتف الذكي التقاط صور ما، ثم يتولى جهاز الواقع الافتراضي الذي يجري ارتداؤه على الرأس مع برنامج اللوغاريتمات تعزيز الصورة من خلال توفير قدر كاف من المعلومات لسد الفجوات وإعادة رسم ملامح المشهد من أجل توفير صورة كاملة.
وفي وقت قريب، أضافت الشركة خدمة تحكم صوتي وبث فيديو مباشر و«أليكسا» وعددا من السمات التفاعلية الأخرى كي تتيح لمن يعانون ضعف البصر الوصول إلى الأخبار وتحديثات حالة الطقس وفيديوهات «يوتيوب» والبرامج التلفزيونية والتي يشاهدونها من خلال الجهاز الذي يجري ارتداؤه على الرأس. وبمقدور الشخص الذي يرتدي الجهاز تعديله من خلال إصدار أمر صوتي أو الضغط على زر، بحيث يقرب الصورة أو يعدل اللون أو يغير مستوى الإضاءة.
ورغم ذلك، تبقى هناك بعض أوجه القصور في الجهاز الجديد، أبرزها ضخامته وثقل وزنه وضرورة أن يبقى من يرتديه ثابتاً في مكانه كي يتمكن من استخدامه. كما أنه يتسم بارتفاع تكلفته، ذلك أن ثمنه يبلغ 2950 دولاراً.
- نيويورك تايمز
التكنولوجيا تحيي الأمل في إبصار أفضل
أجهزة تدمج تقنيات الواقع الافتراضي والبرامج الإلكترونية توفر الأمل لمن يعانون من ضعف البصر الشديد
التكنولوجيا تحيي الأمل في إبصار أفضل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة