ظهر المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو بلحية طويلة بها بعض الشعر الأبيض، أثناء إجراء هذه المقابلة معه عبر تطبيق «زووم» من منزله في شمال العاصمة البريطانية لندن، لكن كل شيء آخر بدا مألوفاً، كما لو كان لا يزال يجلس خلف ذلك المكتب الطويل في مقر التدريبات بنادي توتنهام، ليجيب عن الأسئلة في المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده كل أسبوع.
وخلال هذا الحوار الطويل، تحدث بوكيتينو عن كثير من الأشياء، التي ربما كان أبرزها حديثه عن المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو الذي خلفه في قيادة توتنهام في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي قد يشعر بوكيتينو تجاهه بالامتنان. يقول المدير الفني الأرجنتيني عن ذلك: «انظر، أنا وجوزيه يعرف بعضنا بعضاً منذ فترة طويلة». وقد بدأت العلاقة بين المديرين الفنيين الكبيرين عندما كان بوكيتينو يقود نادي إسبانيول في بداية عمله مديراً فنياً، بينما كان مورينيو يتولى قيادة ريال مدريد.
وكانت وسائل الإعلام الإسبانية تنشر تقارير تفيد بأن بوكيتينو قد يكون مرشحاً لتولي قيادة النادي الملكي في حال رحيل مورينيو. وفي عشية مباراة إسبانيول أمام ريال مدريد، سئل بوكيتينو عن ذلك في المؤتمر الصحفي قبل المباراة، لكنه نفى ذلك الأمر، قائلاً: «أطفالي ينامون وهم يرتدون ملابس نادي إسبانيول كل ليلة، لذا من الصعب جداً بالنسبة لي التفكير في تغيير الأندية».
ورداً على هذه التصريحات، انتظر مورينيو المدير الفني الأرجنتيني وقدم له هدية فور وصوله إلى ملعب المباراة. يتذكر بوكيتينو ذلك قائلاً: «لقد كانت الهدية عبارة عن زجاجة من النبيذ الأحمر الفرنسي الرائع، بالإضافة إلى قميصين من قمصان ريال مدريد. لقد قدم لي مورينيو هذه القمصان وقال لي إن أطفالي يمكنهم ارتداء هذه الملابس من الآن فصاعداً. لقد حافظنا على علاقة جيدة للغاية منذ ذلك الحين، وأنا سعيد جداً لأنه هو من خلفني في قيادة توتنهام. كما أنني سعيد لأنني تركت النادي على هذه الحالة، وأعتقد أنه ممتن للغاية للطريقة التي عملنا بها على بناء هذا النادي، الذي أصبح ناديه الآن».
لكن بوكيتينو لديه اعتراف، ربما لم يخبر به مورينيو أو يقله في أي مؤتمر صحفي، ويقول عن ذلك: «كنت أعتقد دائماً أنني سأخلفه في النادي الذي يعمل به، فعندما كان يعمل في ريال مدريد، كنت أقول لنفسي: ربما يمكنني أن أحل مكانك في ريال مدريد في يوم من الأيام. لكن انظر إلى ما تفعله بنا الحياة، حيث كان هو من خلفني في قيادة توتنهام. إنه أمر لا يصدق، يا إلهي!».
لقد انقلب كل شيء رأساً على عقب الآن، وبعدما قاد بوكيتينو نادي توتنهام للوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، التي خسرها أمام ليفربول، قضى الأشهر السبعة الماضية بلا عمل. ولا يزال المدير الفني الأرجنتيني يقول إنه «من الصعب قبول» الخسارة أمام ليفربول بهدفين دون رد في المباراة التي شهدت حصول الريدز على ركلة جزاء في الدقيقة الأولى من عمر اللقاء.
يقول بوكيتينو: «لقد كنا أفضل من ليفربول بكثير، وربما كنا نستحق تحقيق نتيجة أفضل، لكن المباريات النهائية تُكسب ولا تُلعب كما يقال، وأهم شيء بها هو تحقيق المكسب، لأنها لا تهتم بمن يستحق ومن لا يستحق. من المؤكد أن أي نادٍ لا يتمنى أن تهتز شباكه بهدف بعد مرور 30 ثانية فقط من المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، لأن هذا الأمر قد قلب كل شيء رأساً على عقب، وكان له تأثير على الحالة المعنوية للاعبين. ومن الصعب إعداد فريق للتغلب على مثل هذا الأمر. لقد شعرت بخيبة أمل كبيرة بعد ذلك، وكان من الصعب أن أتوقف عن البكاء أو الإحساس بشعور سيئ».
لكن هذا الأمر لا ينفي أن الفرق الكبيرة تخسر مباريات مهمة، وحتى ليفربول نفسه كان قد خسر المباراة النهائية للموسم السابق أمام ريال مدريد، وهو الأمر الذي جعل الفريق يعمل جاهداً على تعويض هذه الخسارة. لكن كل فريق له ظروفه الخاصة، وبالنسبة لبوكيتينو كانت هذه الهزيمة أكثر من مجرد خسارة في مباراة نهائية، نظراً لأنه كان مقتنعاً خلال الاستعدادات لهذه المباراة، التي استمرت 3 أسابيع كاملة، أن توتنهام قادر على الفوز والصعود إلى منصة التتويج الأوروبي، كما قضى السنوات الخمس السابقة، وهو يستعد لمثل هذه اللحظة التاريخية. وعندما فشل الفريق في تحقيق الفوز باللقب، كانت عملية إعادة الفريق إلى المسار الصحيح وإعداد اللاعبين للتغلب على التداعيات النفسية لهذه الخسارة صعبة للغاية.
قد يكون من السهل أن تشعر بأن مرارة الخسارة أمام ليفربول ستظل عالقة إلى الأبد في حلق بوكيتينو، لكنه مع ذلك يشعر بسلام نفسي تجاه القرار الذي اتخذه رئيس توتنهام، دانيال ليفي، بإقالته من منصبه بعد أشهر قليلة من بداية الموسم الجديد. وعن ذلك يقول بوكيتينو: «لقد قلت لدانيال إن علاقتنا انتهت بالطريقة التي لا يريدها أحد، لكن هذه هي النهاية على أي حال، وكان لا بد من الرحيل لأنني لم أكن لأعمل في النادي إلى الأبد! وربما لم يكن هذا جيداً للنادي أو لنا. وعندما صدر هذا القرار، كان يتعين علينا أن نمضي قدماً. لقد اتخذ النادي قراراً رائعاً عندما قرر تعييننا على رأس القيادة الفنية للفريق، وبالتالي عندما لا يكون القرار جيداً بالنسبة لنا فيتعين علينا أن نظهر الاحترام. سيظل دانيال صديقي دائماً، والأمر نفسه ينطبق على كل الناس الموجودين في نادي توتنهام».
لقد وجد بوكيتينو حياته تتوقف فجأة - وليس فقط بسبب تفشي فيروس كورونا - نظراً لأن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها بلا عمل منذ يناير (كانون الثاني) 2013، عندما تولى قيادة ساوثهامبتون. ويقول بوكيتينو إنه تحدث مع عدد من العاملين في مجال كرة القدم الذين يكن لهم احتراماً كبيراً، مثل مورينيو، وأوناي إيمري، الذي أقاله آرسنال من منصبه بعد عشرة أيام فقط من رحيل بوكيتينو عن توتنهام.
يقول بوكيتينو: «قبل الوباء، التقيت أنا وجيسوس (جيسوس بيريز، مساعده السابق في توتنهام) مع أوناي إيمري لتناول القهوة والتحدث وتبادل تجاربنا. لقد كنا نعمل في أندية مختلفة بينها عداوة كبيرة، وكان الناس يسيرون بجانبنا ويقولون: أوناي وبوكيتينو وجيسوس يتناولون القهوة معاً الآن! كان ذلك في كوكفوسترز في شمال لندن، وكان الأمر مضحكاً للغاية».
ويضيف: «لقد كان وقتاً رائعاً لمراجعة وتحليل كل شيء: الحصص التدريبية والمباريات وطريقة تفكيرنا وطريقة العمل في التدريبات، من أجل القيام بأعمال محددة وجماعية. وبالطبع، كان ذلك يهدف للتكيف مع الوضع الجديد، والاستعداد لأي احتمال قد يحدث، لأن ما سيكون مطلوباً منك خلال الفترة المقبلة سيكون مختلفاً تماماً. إننا نسعى للاستعداد للمهمة المقبلة، ويجب أن ندرك أن كرة القدم تتغير باستمرار، وبالتالي يتعين عليك أن تكون مستعداً للحظة التي تتلقى فيها عرضاً جديداً. نحن جاهزون الآن، ومتعطشون لخوض تجربة جديدة بعد مرور سبعة أشهر من التوقف عن العمل».
ويحلم بوكيتينو بما سماه «النادي المثالي، والمشروع المثالي». إنه يمتلك طموحاً هائلاً لا حدود له، ويفضل البقاء في إنجلترا. ويقول المدير الفني الأرجنتيني إن أسرته قد استقرت في لندن، كما أن نجله الأكبر، سيباستيانو، لديه صديقة الآن، في حين أن نجله الأصغر، ماوريسيو، الذي أكمل عامه التاسع عشر في مارس (آذار) الماضي، يلعب كجناح في فريق الناشئين بنادي توتنهام.
يقول بوكيتينو: «أنا أنتظر المشروع المناسب بغض النظر عن الدولة التي سأعمل بها. الأمر يتعلق بالنادي، وبالطبع بالناس وبالبعد الإنساني، ونحن منفتحون جداً. من المؤكد أننا نحب إنجلترا والدوري الإنجليزي الممتاز، الذي ما زلت أعتقد أنه أفضل دوري في العالم. إنه أحد الخيارات المتاحة أمامي، وبالطبع يمثل الأولوية بالنسبة لي، لكنني لا أرفض العمل في أي بلد آخر».
لكن كيف يبدو المشروع المثالي الذي يحلم به بوكيتينو؟ باختصار، لا يمكن للمدير الفني الأرجنتيني أن يتحدث عن هذا الأمر، لأنه «من الصعب تقييم الأمور من الخارج، ومن الصعب معرفة قدرات النادي واللاعبين والفريق حتى تقترب منك بعض الأندية وتبدأ في الحديث معك». لكن هل يشعر بوكيتينو بأن فريقه القادم يجب أن يكون من أندية النخبة التي تنافس على البطولات والألقاب؟ يرد المدير الفني السابق لتوتنهام قائلاً: «يجب أن ندرك أننا سنعيش حقبة مختلفة تماماً في عالم كرة القدم وعلينا اكتشافها. وكيف ستبدو هذه الأندية أو الشركات بعد التغلب على فيروس كورونا؟ إنها علامة استفهام كبيرة».
وقد أعرب بوكيتينو عن فخره واعتزازه بما حققه مع توتنهام. ويتذكر عندما التقى ليفي ومالك توتنهام، جو لويس، على متن يخت لويس في نيس. يقول بوكيتينو وهو يبتسم: «لقد كان ذلك على اليخت القديم. وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي استقبلني فيها على متن يخته، ولم يوجه لي الدعوة بعد ذلك. لكن في ذلك الاجتماع وقبل أن نوافق على هذا العرض، كانوا واضحين للغاية بشأن النجاح الذي يمكن للنادي تحقيقه على مدى خمس سنوات».
وواجه بوكيتينو تحدياً كبيراً عندما طُلبت منه المنافسة على احتلال أحد المراكز الأربعة الأولى في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز والمؤهلة لدوري أبطال أوروبا، في ظل الميزانية المحدودة التي يخصصها النادي للصفقات الجديدة، حيث كان النادي يركز على بناء ملعبه الجديد. ومع ذلك، نجح المدير الفني الأرجنتيني في قيادة توتنهام لاحتلال المراكز الثالث والثاني والثالث والرابع، بدءاً من ثاني موسم له مع الفريق وحتى الموسم الخامس، متجاوزاً كل التوقعات بشكل كبير. ومع ذلك، أصبح بوكيتينو مطالباً بقيادة النادي للحصول على البطولات والألقاب والصعود إلى منصات التتويج!
من المؤكد أن بوكيتينو يريد أن يفوز بالبطولات، لكن ما يحبطه هو أن النقاد لا يأخذون في الاعتبار العوامل الأخرى، مثل القدرات المالية للنادي، قبل إصدار أحكامهم القاسية. كما أشار إلى أن السير أليكس فيرغسون لم يفُز بأي بطولة مع مانشستر يونايتد، ومايكل جوردان لم يفُز بأي بطولة مع شيكاغو بولز إلا بعد سبعة مواسم كاملة.
يقول بوكيتينو: «انظر إلى كلاوديو رانييري، الذي فاز بأول بطولة في مسيرته مع ليستر سيتي وهو يقترب من نهاية مسيرته التدريبية. يمكن للبعض أن يزعموا أنه ليس مديراً فنياً ناجحاً، لكنه ناجح بكل تأكيد. تكمن المشكلة في أننا لم نبدأ مسيرته التدريبية من خلال العمل مع نادٍ عملاق مثل بايرن ميونيخ. ولو حدث ذلك، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً عما إذا كنت ستبدأ مسيرتك مع نادٍ مثل نورنبرغ، مع كامل احترامنا لنورنبرغ».
وقد تحدث بوكيتينو مع ليفي الشهر الماضي، بينما كان يستعد لقطع علاقاته المهنية مع توتنهام، حيث كان النادي يقدم له الشكر على مسيرته مع الفريق منذ عام 2014. يقول بوكيتينو وهو يبتسم: «لقد مزحت معه أيضاً، وقلت له إنه تعاقد معي لأن المدير الفني الذي كان يحبه في ذلك الوقت، وهو لويس فان غال، قد فضل العمل في مانشستر يونايتد».
وما يريده بوكيتينو الآن هو أن يُظهر شخص آخر ثقته به، ويقول عن ذلك: «يتعين علينا نحن العاملين في مجال كرة القدم أن يكون سلوكنا بمثابة مثال يحتذي به الجميع. من الواضح أننا نشعر بالألم بسبب تأثير الوباء على الناس، مثل جوسيب غوارديولا الذي أرسلت له رسالة بعد وفاة والدته». ويضيف: «لكن مع الالتزام بكل البروتوكولات التي ستنفذها الأندية، ستكون كرة القدم مكاناً آمناً للغاية. وسوف تساعد الناس في التطلع إلى المستقبل. لا يمكن للحياة أن تتوقف، علاوة على أن لدينا مسؤولية تجاه الأعمال التي نقوم بها».
ويختتم حديثه قائلاً: «يتعين علينا أن نتحلى بالشجاعة الآن ونواجه الوضع الحالي بكل قوة. كرة القدم هي التي تجعل الناس يشعرون بالسعادة، ومن المؤكد أن الحالة المزاجية للكثيرين ستتغير للأفضل بمجرد مشاهدتهم للمباريات على شاشات التلفاز. من المؤكد أن استئناف المباريات تطلب جهداً هائلاً من اللاعبين والعاملين، لكنه يشبه الجهد الذي يبذله الأشخاص الذين يعملون في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا والناس الذين يعملون في المتاجر والصيدليات، والمزارع التي تقدم لنا الطعام. نحن بحاجة إلى إظهار التضامن مع الآخرين».
بوكيتينو: أشعر بسعادة لأن مورينيو خلفني في قيادة توتنهام
المدرب السابق للنادي اللندني عاجز عن نسيان شعوره بمرارة الهزيمة أمام ليفربول في نهائي دوري الأبطال
بوكيتينو: أشعر بسعادة لأن مورينيو خلفني في قيادة توتنهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة