أبطال خارقون يعانون أوجاع العالم مثلنا

الإنتاج الجديد يجاري انكشاف هشاشتهم أمام «كورونا»

مشهد من «الحارس القديم»
مشهد من «الحارس القديم»
TT

أبطال خارقون يعانون أوجاع العالم مثلنا

مشهد من «الحارس القديم»
مشهد من «الحارس القديم»

إذا ما برهن انتشار «كوفيد - 19» عن شيء فعلى هشاشة شخصيات السوبر هيرو التقليدية. كيف نستطيع بعد اليوم أن نصدّق، ولو افتراضياً، أن آيرون مان وكابتن أميركا وفلاش غوردون وووندر وومان قادرون على مجابهة كل التحديات ومصارعة كل المصاعب والتصدي لكل الكوارث إذا ما كانوا لا يستطيعون مواجهة داء كالذي انتشر حول العالم؟
حين نراهم مجدداً بعد سنة أو نحوها، هل سننظر إليهم كما كنا نفعل من قبل؟ هل سنتابعهم بالشغف نفسه؟ أم سنبتسم لهم بسخرية كونهم أعجز من أن يجسّدوا حتى حضورهم المفترض كاملاً؟
«الحارس القديم» (The Old Guard) هو جديد إنتاجات «السوبر هيروز» وسينطلق على شاشة «نتفليكس» بعد السابع من هذا الشهر. الفارق بينه وبين «ذا أفنجرز» و«كابتن أميركا» وسواهما هو أن هذا المسلسل الجديد يقف على قدمين ثابتتين في الواقع. نعم هو عن شخصيات تتمتع بقوى وقدرات غير اعتيادية لكن ما تعايشه هو قريب جداً منا كونه يتعامل مع الواقع الذي نعيش نحن فيه من حروب ومشاكل أمنية في مناطق حول العالم.
«الحارس القديم» هو فيلم مبني على رواية مسلسلة مصوّرة للكاتب غريغ روكا. روكا هو نفسه الذي كتب السيناريو الذي تسلمته المخرجة جينا برينس - بيثوود. والقيادة على الشاشة من نصيب الممثلة التي وجدت في هذا النوع، ومنذ مشاركتها بطولة «ماد ماكس: طريق الغضب»، امتداداً جوهرياً لحضورها على الشاشة، تشارليز ثيرون التي تلي رئيس مجموعة من المحاربين اسمها آندي. محاربة قوية الشخصية وقوية المهارة معاً. تفهم لحظات المزج الرائعة بين الواقع والخيال. بين حياتها السرمدية وبين وقائع الحياة من حولها. الحياة ضد الحرب. الموت مع الحرب. وجدت آندي نفسها في صراع مرير دائم عبر التاريخ كونها لا تموت. تنظر إلى الحاضر بيأس كونها لم تعد تستسيغ الحياة الأبدية وتشارك الرأي مع أحد أفراد طاقمها عندما يقول: «أحزن حين أرى أناساً أعرفهم يموتون بينما أنا لا أستطيع أن أموت».
هنا تكمن مأساتها. على عكس سوبرمان أو باتمان أو حتى مصاصي الدماء. هي ليست سعيدة بتواصل حياتها اللا منتهي التي بدأت منذ قرون شهدت فيها حروباً عديدة ومواقع موت متلاحقة من خاضتها وبقيت حيّة. كآبة الحروب المتواصلة. هشاشة المعايير الدنيوية من حولها. مشكلات الحياة الجسيمة في هذا العالم، عناصر تصيبها في القلب. تجعلها غير شخصيات السوبر هيرو المتداولة التي تبدو، في نهاية الأمر، أنانية تعمل لصالحها ولو كانت تدعي الذود عن المدن وسكانها. صور بطولية لذاتها بينما آندي هي بطلة بالرغم عنها.
معها ثلاث أشخاص من الطينة ذاتها، وهناك عضو رابع جديد. نايل (كيكي لَيّن) مجندة أفرو - أميركية نراها في مشاهدها الأولى تقود فرقتها في قرية أفغانية جبلية بحثاً عن رجل مطلوب. المواجهة معه سريعة لكن الرجل يستل خنجره ويجذ رقبة الفتاة قبل مقتله. يتم نقلها سريعاً إلى المستشفى والجميع على ثقة من أنها ستموت في أي لحظة. وربما ماتت، لكنها تستيقظ من جديد وليس على رقبتها أي أثر لما حدث لها. هي لا تعرف لماذا ولا رفاقها والفريق الطبي يعرف كيف.
لعبة جديدة
آندي تريد ضم نايل إلى فرقتها وهذا بعد بداية نجدها ورجالها فيها يواجهون الموت (وينتصرون عليه) في جنوب السودان. تلك المواجهة جاءت نتيجة مؤامرة خطط لها عميل سي آي سابق اسمه كوبلي (شيوَتل إجيوفور) تبقى مجهولة الدوافع لبعض الوقت، مما يزيد من نسبة التشويق الناتج عن أسئلة يتم تأجيل الأجوبة عليها لفصول الفيلم اللاحقة. ما يتضح باكراً معرفته أن آندي ورجالها لا يموتون.
المحاربون العاملون تحت جناح آندي لديهم شخصياتهم الطبيعية (بمعنى الإنسانية) بدورهم. اثنان منهم (لوكا مارينيللي ومروان كنزاري، الذي شاهدناه سابقاً في إنتاج سابق لـ«نتفليكس» هو «الملاك» لاعباً شخصية الجاسوس أشرف مروان) مثليان. هذه المفارقة ليست مهمّة درامياً. ليس بالقدر الذي يتوجب فيه متابعة وضع درامي (أو عاطفي) منفصل، بل هو اختيار الفيلم الذي لا يقدّم أو يؤخر إلا بمقدار احتفاء الفيلم بهما تلويناً لشخصياته.
ما توفره المخرجة (التي لم يسبق لها أن حققت أفلام أكشن من قبل لكنها تبرهن هنا عن إجادتها للعبتها الجديدة) هو فيلم مبني على شخصيات لا تموت. شخصيات تعيش كآبة الواقع ولا تستطيع أن تتركه وراءها. تتمنى آندي أن تفعل ذلك، وفي أحد المشاهد ترفع يديها وتقول: «أنا انتهيت وليذهب العالم إلى الجحيم».
يُسارع الفيلم إلى توفير كل ما سبق من خصائص شخصياته. يبدأ بمعركة طاحنة (وينتهي بأخرى) وفيها نتعامل مع أبدية شخصياته. وبينهما تمتد حكاية فعلية تؤمّن كل ما ذكرناه من معاناة هذه الشخصيات أو بعضها. عندما ينجح صاحب مؤسسة علمية مقرها باريس في خطف اثنين من رجال آندي تهب هذه لنجدتهما غير مدركة - في بادئ الأمر - أن صاحب المؤسسة يحاول استغلال رجليها لخدمة اكتشافاته المشكوك بها. هذا - تحت أي مفهوم - يذكرنا بالوضع الذي نعيشه هنا اليوم. هل وباء «كورونا» هو ولادة طبيعية غامضة ضربتنا بكل قسوتها، أم صنع مختبرات تعرف تماماً ما كانت تقوم به؟
إنه صراع دائم ذلك الذي يعرضه الفيلم علينا وعلى مستويات مختلفة. صراع بين الحياة والرغبة بالموت (بالنسبة لآندي) وصراع بينها وفريقها ضد شرور العالم وويلاته المفتعلة ثم بينها وفريقها وبين عالم تخلّى عن أخلاقياته ومبادئه.
هذا كله يحتاج إلى شخصية تبلوره جيداً لئلاً ينتهي الفيلم كأحد أفلام الـ«سوبر هيروز» الأخرى. وهذه الشخصية تؤمّنها تشارليز ثيرون بكل ما لديها من قوّة وقدرات داخلية وبدنية معاً. هي تمثل الدور بغية تجسيد حالة وتنبري لمشاهد القتال بغرض تنفيذ مقتضيات الدور، وفي الحالتين تبقى على سدة ما تقوم به بلا هوان. بذلك يؤمن الفيلم لمشاهديه منوالاً درامياً وإنسانياً عميقاً جنباً إلى جنب آخر يعتمد التشويق الذي هو أشبه بالواجهة الجاذبة للزبائن.
مصدر كل ذلك هو جودة التمثيل. لا شيء آخر. يستطيع الناقد أن يتخيل المخرجة وقد أرسلت شيفراتها إلى ممثليها ثم اكتفت بمتابعة كيف أن كل واحد منهم سيترجم هذه الشيفرات استناداً إلى موهبته. كلهم يؤدون الأدوار لا جيداً فقط بل جدياً أيضاً. الفيلم يخلو تماماً من تلك المنغصات الكوميدية ومن حوارات مثل عناوين الصحف متوفرة لكي تتردد لأيام قليلة ثم تذوب.
دور المخرجة الواضح هو التركيز على تنفيذ العمل بمقتضياته التقنية في الوقت الذي تفرد فيه المساحات الكافية لشخصياتها لكي تعبر عما هو مطلوب منها. هذا الجهد ما كان لينعكس على هذا المستوى لولا عناصر الإنتاج والتصوير والمونتاج والمؤثرات الأساسية. للفيلم مديرا تصوير وأحدهما خبير تصوير واقعي بما في ذلك الكاميرا المحمولة بعدساتها المختلفة وهو باري أكرويد («ذا هيرت لوكر» و«كابتن فيليبس» من بين أخرى). في عمومه «الحارس القديم» يختلف ويدافع عن اختلافه بجدارة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».