«تيك توك»

«تيك توك»
TT

«تيك توك»

«تيك توك»

شبح يطوف العالم، ويواصل نمواً خارقاً، ويجترح ازدهاراً مطرداً؛ إنه شبح «تيك توك»، الذي يتقدم بسرعة، فيكسب كل يوم أرضاً جديدة، ويُخلّف جرحى، لا يكترث بهم في ظل انشغاله المحموم بتحقيق العوائد وتوسيع الانتشار.
أسس شاب صيني تطبيق «تيك توك» الشهير في 2012؛ وهو تطبيق يُمكّن مستخدميه، ومعظمهم من الشباب والمراهقين، من بث محتوى عبر الفيديو ومشاركته، لكن ما جرى لاحقاً كان رحلة صعود ونفوذ مثيرة للاهتمام، ففي نهاية العام الماضي سجلت عوائد التطبيق 17 مليار دولار أميركي، بأرباح صافية ثلاثة مليارات دولار.
لا تكمن أهمية تلك الأرقام في ضخامتها فقط، لكنها تعبر أيضاً عن درجة نمو مذهلة؛ إذ لم تتخطَّ عوائد «تيك توك» 7.4 مليار دولار في 2018، وبسبب ذلك التقدم الهائل يقدّر مالكو التطبيق قيمته السوقية بنحو 100 مليار دولار، بعدما بات يمتلك 800 مليون مستخدم نشط، في 150 دولة. يقع 41% من مستخدمي «تيك توك» ضمن الشريحة العمرية من 16 إلى 24 عاماً؛ ما يرفد التطبيق بحيوية لافتة، وهي حيوية شجّعت 83% من مستخدميه على بث فيديوهات عبره.
لكن «تيك توك» بدأ في إثارة مشكلات كبيرة؛ وهي مشكلات لا تقتصر على دول الشرق فقط بسبب ما هو معروف عنها من شيوع الثقافة التقليدية وهيمنة الحس المحافظ؛ إذ وقعت مصادمات أيضاً في دول الغرب المتقدمة، وبسببها تجدد الحديث عن أهمية حرية الرأي والتعبير التي يرى قطاع مهم من نشطاء «السوشيال ميديا» أنها «تتعرض لتقييد غير مسوَّغ».
يعزو الباحث المتخصص دانييل بيل صعود «تيك توك» إلى توافقه مع مقاصد النجوم من «المؤثرين»، الذين يبثون عبره «محتوى إبداعياً» بغرض الرواج والتسويق وجني العوائد، بموازاة استخدام الناشطين العاديين له لـ«عرض أنفسهم» و«تلبية احتياجاتهم النفسية».
بسبب شيوع استخدام التطبيق وتفعيل خاصية عرض مقترحات للمشاهدة، تحول «تيك توك» إلى آلية فعالة لترويج ما تُسمى «الثقافة الشعبية»، حيث يطوّر المستخدمون محتوى و«أوضاعاً» يمكنها أن تحظى باهتمام المتابعين، وفي غضون ذلك يتحول بعض الناشطين المغمورين إلى نجوم، ويجنون عوائد مجزية، في حال حققوا نسبة مشاهدات معينة.
لا يوجد حراس للبوابات إذن، ولا تدقيق تحريري، ولا قيود على مدى الملاءمة سوى ما يرتضيه المستخدم لذاته، ولذلك فالأخبار تتوالى عن نساء يخضعن للمحاكمة في مصر بسبب استخدامات «مسيئة» على «تيك توك»، وشخصين محبوسين في الأردن، ودبي، بتهم تتعلق بالتحريض على الاغتصاب، وإهانة العملة الوطنية.
وفي الهند، تم توقيف شخصين مطلع الشهر الجاري بتهمة «تدنيس رمز ديني»، بعد توقيف اثنين آخرين بتهمة إهانة ضباط الشرطة في أبريل (نيسان) الفائت، وهو الشهر نفسه الذي أوقفت شرطة ولاية فيرجينيا الأميركية فيه شخصاً بتهمة بث فيديو «تيك توك» يلحس خلاله علب المنتجات المعروضة في «سوبر ماركت»، متسائلاً: «من يخاف (كورونا)؟»، حيث تم توجيه تهم له تتعلق بإطلاق «تهديد إرهابي».
وفي لوس إنجليس، تم القبض على مستخدم نشط على «تيك توك» يبلغ من العمر 35 عاماً، في فبراير (شباط) من العام الماضي، لأنه انتحل شخصية طفل عمره 13 عاماً، وخاطب أطفالاً بكلمات «فظة وذات طبيعة جنسية».
يطرح «تيك توك» بصعوده المذهل تحديات خطيرة على عالم «السوشيال ميديا» و«الأمن المجتمعي» في آن، وتتوالى الأخبار يومياً عن أنماط من المحتوى تقود مستخدمين إلى المحاكم، وهو أمر يحدث في الشرق والغرب معاً، لأن لكل مجتمع حدوداً يعتقد في أهميتها ويرغب في حمايتها.
من جانبي، فقد عاينت تجاوزات خطيرة يتم بثها عبر «تيك توك»، في إطار توفيره منفذاً حراً لـ«الثقافة الشعبية»، عبر تعزيز آلية «الجمهور عايز كده»، التي تُمكّن المستخدمين من الرواج وجني العوائد. والحل الأمثل لتلك الصدامات لا يكمن في سجن «المتجاوزين»، بل يتعلق بقدرة «تيك توك» على تخصيص جزء من عوائده الهائلة لضبط المحتوى المقدم عبره، وبقدرة السلطات المعنية بإنفاذ القوانين على فرض غرامات على «المتجاوزين» بدلاً من سجنهم بتهم تتعلق ببث محتوى يعكس «الثقافة السائدة» ويتربح منها.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».