«كوفيد ـ 19» يمهّد لـ«صحوة بيئية» في أوروبا

أشخاص يستمتعون بالمناظر الطبيعية في نهر ثون السويسري الاثنين الماضي (أ.ب)
أشخاص يستمتعون بالمناظر الطبيعية في نهر ثون السويسري الاثنين الماضي (أ.ب)
TT

«كوفيد ـ 19» يمهّد لـ«صحوة بيئية» في أوروبا

أشخاص يستمتعون بالمناظر الطبيعية في نهر ثون السويسري الاثنين الماضي (أ.ب)
أشخاص يستمتعون بالمناظر الطبيعية في نهر ثون السويسري الاثنين الماضي (أ.ب)

الصيف في الربوع السويسرية دعوة لا تقاوم للخروج إلى الطبيعة، والتمتع بمفاتنها التي لا تحصى، بين البحيرات الصافية والغابات المطرّزة بكثيف الشجر والجبال التي ما زالت عروق الثلج تقاوم أشعة الشمس على قممها المسنّنة. لكن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الفيدرالية في السنوات الأخيرة لحماية البيئة والتنوع البيولوجي والثروة الحيوانية أصبحت رادعاً يمنع السويسريين من ممارسة إحدى هواياتهم المفضّلة خلال أجمل فترات السنة.
منذ انتصاف فصل الربيع، وحتى أواخر الصيف، لم يعد مسموحاً التنزّه في الحقول والمناطق الزراعية، كما أصبحت مواعيد الرحلات في الغابات تخضع لشروط قاسية حماية لصغار الطيور والحيوانات، وعدم إزعاجها في موسم تكاثرها. لم ينتظر السويسريون جائحة «كوفيد - 19»، ليستفيقوا على الاهتمام بالبيئة، والحرص على الطبيعة التي وضعوا لها أشدّ القوانين في العالم، وزرعوا في الأجيال المتعاقبة وعياً عميقاً بالحفاظ عليها، والتعامل معها برقي ومسؤولية. لكن الوباء كان فرصة إضافية لم توفّرها الأحزاب والحركات البيئية لتعزيز مواقعها لاستقطاب المزيد من التأييد، كما بيّنت الاستطلاعات الأخيرة والاستفتاءات الشعبية التي يدمن عليها أهل هذه البلاد، كلما كانوا على أبواب قرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.
لكن رياح الصحوة البيئية التي حملها الوباء لم تقتصر على سويسرا السبّاقة بين جيرانها في هذا المضمار. فالأحزاب البيئية التي كانت قد بدأت تسجّل صعوداً ملحوظاً في ألمانيا وفرنسا منذ مطلع العام الماضي، رسّخت رصيدها على الصعيدين المحلي والوطني، كما تبيّن من نتائج الانتخابات الفرعية الأخيرة في ألمانيا والانتخابات البلدية الفرنسية التي حقق فيها أحزاب «الخضر» أفضل النتائج، منذ دخولها حلبة الصراع الانتخابي.
وإذا كان «الخضر» قد تمكنوا من فرض جزء كبير من أجندتهم البيئية على الحكومة الائتلافية التي شكّلتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد مخاض طويل كاد أن ينتهي بالفشل، فإنهم في فرنسا قد دفعوا بالرئيس إيمانويل ماكرون، بعد فوزهم في الانتخابات البلدية، إلى إعادة نظر جذرية في سياسته، وتبنّي المشروع البيئي نواة لحكومته الجديدة التي يعتمد عليها لاستعادة ما فقد من شعبية والتجديد بعد عامين لولاية رئاسية ثانية. كان ماكرون قد أعلن مؤخراً تخصيص ١٥ مليار يورو لتعميم المعايير البيئية على كل المشاريع الإنمائية، التي تعتزم الحكومة الجديدة تنفيذها.
الحكومة الإيطالية، من جهتها، جعلت من البيئة أحد المحاور الرئيسية الثلاثة، إلى جانب الصحة والاقتصاد الرقمي، للنهوض من الأزمة التي خلّفها الوباء والاستعداد لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. ومن المقرّر أن تخصّص إيطاليا ثلث المساعدات والقروض الميسّرة التي ستحصل عليه من صندوق الإنقاذ الأوروبي لمشاريع بيئية، أو لها علاقة بالبيئة.
إسبانيا أيضاً تراهن على البيئة كعنوان رئيسي للبرامج والمشاريع الإنمائية، التي وضعتها للنهوض من الأزمة الاقتصادية، وتستعدّ للكشف عن خطة طموحة تهدف إلى تأمين نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة قبل حلول عام ٢٠٣٥.
وفي المفوضية الأوروبية، يسود التفاؤل بشأن المفاوضات التي يُنتظر أن تبدأ أواخر هذا العام حول «الميثاق الأخضر»، الذي سيكون العمود الفقري لنشاط الاتحاد الأوروبي في السنوات العشر المقبلة، والذي قالت رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين، إنه سيكون المعيار الأساسي لجميع المؤسسات الأوروبية في السنوات المقبلة.
القوى السياسية في أوروبا، خصوصاً الأحزاب اليسارية التقليدية التي شهدت تراجعاً في السنوات الأخيرة، تراهن اليوم لاستعادة مواقعها على الرافعة البيئية التي تستقطب نسبة عالية من الشباب والناخبين الذين أبعدتهم الخيبات المتعاقبة عن المشاركة في النشاط السياسي المباشر. لكن المراقبين الذين يتابعون عن كثب مسار الحركات والأحزاب البيئية في أوروبا، يحذّرون من «علّة الخضر» التي كانت تصيبهم غالباً، وتؤدي إلى انقسامات حادة في صفوفهم.


مقالات ذات صلة

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

آسيا قوات أمنية تقف خارج معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (رويترز)

يرتبط بـ«كورونا»... مختبر ووهان الصيني يخطط لتجارب «مشؤومة» جديدة على الخفافيش

حذر خبراء من أن العلماء الصينيين يخططون لإجراء تجارب «مشؤومة» مماثلة لتلك التي ربطها البعض بتفشي جائحة «كوفيد - 19».

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ وسط ازدياد عدم الثقة في السلطات الصحية وشركات الأدوية يقرر مزيد من الأهل عدم تطعيم أطفالهم (أ.ف.ب) play-circle

مخاوف من كارثة صحية في أميركا وسط انخفاض معدلات التطعيم

يحذِّر العاملون في المجال الصحي في الولايات المتحدة من «كارثة تلوح في الأفق» مع انخفاض معدلات التطعيم، وتسجيل إصابات جديدة بمرض الحصبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جائحة كورونا نشأت «على الأرجح» داخل مختبر ولم تكن طبيعية (أ.ف.ب)

فيروس كورونا الجديد في الصين... هل يهدد العالم بجائحة جديدة؟

أثار إعلان علماء في معهد «ووهان» لعلم الفيروسات عن اكتشاف فيروس كورونا جديد يُعرف باسم «HKU5 - CoV - 2» قلقاً عالمياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك عالمة تظهر داخل مختبر معهد ووهان لأبحاث الفيروسات بالصين (إ.ب.أ)

يشبه «كوفيد»... اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في مختبر صيني

أعلن باحثون في معهد ووهان لأبحاث الفيروسات في الصين، أنهم اكتشفوا فيروس «كورونا» جديداً في الخفافيش يدخل الخلايا باستخدام البوابة نفسها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» بنيويورك (أ.ب)

دراسة: بعض الأشخاص يصابون بـ«متلازمة ما بعد التطعيم» بسبب لقاحات «كوفيد-19»

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن اللقاحات التي تلقّاها الناس، خلال فترة جائحة «كوفيد-19»، منعت ملايين الوفيات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
TT

أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)

قال 4 أشخاص مطلعين، الثلاثاء، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأوكرانيا تخططان لتوقيع صفقة المعادن التي نوقشت كثيراً بعد اجتماع كارثي في ​​المكتب البيضاوي، يوم الجمعة، الذي تم فيه طرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من المبنى.

وقال 3 من المصادر إن ترمب أبلغ مستشاريه بأنه يريد الإعلان عن الاتفاق في خطابه أمام الكونغرس، مساء الثلاثاء، محذرين من أن الصفقة لم يتم توقيعها بعد، وأن الوضع قد يتغير.

تم تعليق الصفقة يوم الجمعة، بعد اجتماع مثير للجدل في المكتب البيضاوي بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أسفر عن رحيل الزعيم الأوكراني السريع من البيت الأبيض. وكان زيلينسكي قد سافر إلى واشنطن لتوقيع الصفقة.

في ذلك الاجتماع، وبّخ ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس زيلينسكي، وقالا له إن عليه أن يشكر الولايات المتحدة على دعمها بدلاً من طلب مساعدات إضافية أمام وسائل الإعلام الأميركية.

وقال ترمب: «أنت تغامر بنشوب حرب عالمية ثالثة».

وتحدث مسؤولون أميركيون في الأيام الأخيرة إلى مسؤولين في كييف بشأن توقيع صفقة المعادن على الرغم من الخلاف الذي حدث يوم الجمعة، وحثوا مستشاري زيلينسكي على إقناع الرئيس الأوكراني بالاعتذار علناً لترمب، وفقاً لأحد الأشخاص المطلعين على الأمر.

يوم الثلاثاء، نشر زيلينسكي، على موقع «إكس»، أن أوكرانيا مستعدة لتوقيع الصفقة، ووصف اجتماع المكتب البيضاوي بأنه «مؤسف».

وقال زيلينسكي، في منشوره: «اجتماعنا في واشنطن، في البيت الأبيض، يوم الجمعة، لم يسر بالطريقة التي كان من المفترض أن يكون عليها. أوكرانيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن لإحلال السلام الدائم».

ولم يتضح ما إذا كانت الصفقة قد تغيرت. ولم يتضمن الاتفاق، الذي كان من المقرر توقيعه الأسبوع الماضي، أي ضمانات أمنية صريحة لأوكرانيا، لكنه أعطى الولايات المتحدة حقّ الوصول إلى عائدات الموارد الطبيعية في أوكرانيا. كما نصّ الاتفاق على مساهمة الحكومة الأوكرانية بنسبة 50 في المائة من تحويل أي موارد طبيعية مملوكة للدولة إلى صندوق استثماري لإعادة الإعمار تديره الولايات المتحدة وأوكرانيا.

يوم الاثنين، أشار ترمب إلى أن إدارته لا تزال منفتحة على توقيع الاتفاق، وقال للصحافيين إن أوكرانيا «يجب أن تكون أكثر امتناناً».

وأضاف: «وقف هذا البلد (الولايات المتحدة) إلى جانبهم في السراء والضراء... قدمنا لهم أكثر بكثير مما قدمته أوروبا لهم، وكان يجب على أوروبا أن تقدم لهم أكثر مما قدمنا».