الانتخابات الأميركية: «كوفيد ـ 19» والعنصرية يخلطان الأوراق

تجربة 2016 تفرض التريث والحذر في الحكم على نتائج الاستطلاعات

الانتخابات الأميركية: «كوفيد ـ 19» والعنصرية يخلطان الأوراق
TT

الانتخابات الأميركية: «كوفيد ـ 19» والعنصرية يخلطان الأوراق

الانتخابات الأميركية: «كوفيد ـ 19» والعنصرية يخلطان الأوراق

دخلت الانتخابات الأميركية الرئاسية والتشريعية وانتخابات حكام الولايات هذا الشهر فصلها الجدّي، استعدادا للمؤتمرين العامين للحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين سيعقدان خلال الشهر المقبل. وبما أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه مايك بنس لا يواجهان منافسين في الحزب الجمهوري، تتجه الأنظار نحو مؤتمر الحزب الديمقراطي، الذي لا يزال يبحث عن نائب للرئيس. وهنا يؤخَذ في الاعتبار تعهد جو بايدن، نائب الرئيس السابق، الذي ضمن مبدئيا ترشحه عن الديمقراطيين، بأن يكون النائب امرأة واحتمال أن يكون من الأقليات العرقية وخصوصا من السود، من أجل الاستفادة من المناخات التي أثارتها الاحتجاجات على مقتل الرجل الأسود جورج فلويد في مدينة مينيابوليس قبل أكثر من شهر.
وبعد غياب دام نحو ثلاثة أشهر، كان من اللافت مسارعة ترمب إلى إعادة إطلاق تجمّعاته الانتخابية في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، رغم إحجام العديد من الولايات الأميركية إنهاء الإغلاق الذي فرضه انتشار جائحة «كوفيد - 19». وأكد ذلك إصرار الرئيس أنه غير عابئ بالمخاوف الصحية، في ظل أولويته لإعادة فتح الاقتصاد، الميدان المحبب له، والذي تضرّر بشكل كبير بفعل الإغلاق.

بينما يراهن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مجدّداَ على ما يراه إنجازات في المجال الاقتصادي، للفوز بولاية رئاسية جديدة من أربع سنوات، يرى منتقدوه داخل الولايات المتحدة وخارجها، أن التجديد له سيغيّر ليس فقط وجه أميركا، بل والعالم برمّته.
قد يكون من الصواب القول إن كل انتخابات رئاسية أميركية تحظى على الدوام بأهمية خاصة، خصوصاً، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بحسب العديد من المحللين. ويقول هؤلاء إن التاريخ يشير أيضاً إلى أن بعض الرؤساء الأميركيين الذين انتخبوا، شكلوا علامات فارقة، أو على الأقل، لعب وصولهم إلى السلطة دوراً كبيراً في إعادة رسم سياسات العالم. هكذا لعب فرانكلن روزفلت دوراً حاسما في تقرير وجهة الحرب العالمية الثانية، عبر استجابته الحاسمة للهجوم الذي شنته اليابان على بيرل هاربور في جزر هاواي عام 1940، وكذلك الدور الذي لعبه رونالد ريغان، بعد فوزه عام 1980، في التعجيل بإنهاء الحرب الباردة وتفكيك الاتحاد السوفياتي. واليوم يتوقع البعض أن تكون انتخابات هذا العام حدثاً استثنائياً في ظل الاضطراب والبلبلة في التحالفات الأميركية وفي الدول الديمقراطية.

هواجس «كوفيد ـ 19»... وتداعياته

قبل انتشار جائحة «كوفيد - 19» والدمار الذي سببته على الاقتصادين الأميركي والعالمي، وكذلك الانتقادات التي وُجّهت لإدارة ترمب في طريقة تعاملها معها ومواجهة تداعياتها الصحية والاقتصادية، كانت كل التقديرات تشير إلى أن ترمب في طريقه لتحقيق فوز سهل ومريح على منافسه جو بايدن.
واليوم، ورغم أن نتائج استطلاعات الرأي تشير كلها إلى تقدم بايدن عليه بنحو 14 نقطة مئوية، تظلّ تجربة انتخابات عام 2016 التي فاز فيها ترمب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ماثلة في أذهان الناس. وهو ما يفرض على غالبية «المتفائلين» التريث في إطلاق أحكام نهائية حول النتيجة المتوقعة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

الرهان على الاقتصاد

يفسر البعض جزئياً تعجّل ترمب إعادة فتح الاقتصاد، بأنه قد يمكّنه من قلب المؤشرات السلبية، ويدعم دفاعه عن «إنجازاته» التي توقفت لأسباب قاهرة لا علاقة لها بسياساته، التي لا يزال يعتقد أنها كانت صحيحة.
وغني عن القول أن أرقام البطالة التي وصلت قبل الجائحة إلى أدنى مستوى لها خلال أكثر من 40 سنة، عادت لتحلق بأرقام خيالية، إذ سُجلت خسارة 40 مليون وظيفة، في حين يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأميركي بما بين 8 و19 في المائة هذا العام، مع ما يفرضه ذلك من آثار مؤلمة على حياة الأميركيين.
ولعل الطامة الكبرى كانت في أرقام الإصابات بفيروس «كوفيد - 19» القياسية، أكثر من 2.6 مليون والوفيات أكثر من 126 ألفا، التي سجلتها الولايات المتحدة. إذ فاقت هذه الحصيلة بدرجات كبيرة أي بلد آخر نتيجة عوامل عديدة، صبّت غالبيتها في نهاية المطاف في تحميل إدارة ترمب والهيئات الصحية التي تشرف عليها، مسؤولية تقصيرها في تطبيق سياسات وبرامج احتواء لطالما برعت فيها الولايات المتحدة، وقادت من خلالها دول العالم في التصدي لموجات من الأوبئة مثل «الإيبولا» و«السارس» و«الإيدز».
ومع عودة ارتفاع عدد الإصابات الجديدة والتخوّف من إعادة الإغلاق، واصل ترمب والساسة الجمهوريون، عموماً، الإحجام عن اتباع أساليب الوقاية كوضع الكمامات من منطلق الحفاظ على «مظهر القوة». وفي المقابل، التزم خصمه بايدن بالكمامة.
لكن، وسط تحذير المسؤولين الصحيين من أن الأوان قد يكون انقضى للسيطرة على الجائحة، بحسب وزير الصحة أليكس عازار، شنّ المشرعون الجمهوريون حملة ضغط عامة من أجل ارتداء الكمامات، مختلفين مع موقف ترمب. وقال كبير الجمهوريين في مجلس النواب كيفن مكارثي الاثنين الماضي إن «على كل أميركي مسؤولية اتباع التوصيات للمساعدة في إبطاء انتشار الفيروس»، وهذا، بعدما بدأت ولاية كاليفورنيا مسقط رأسه في التراجع عن جهودها لإعادة فتح الاقتصاد. كذلك حث السيناتور الجمهوري النافذ ريك سكوت من ولاية فلوريدا، وهي بؤرة تفش كبير، الإدارة على تقديم مزيد من المعلومات من دون دفعنا دفعاً لما ترى أن علينا فعله.
وبعد ساعات خرجت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كايلي ماكناني لتقول إن الرئيس «يعتقد بأن قرار وضع الكمامة لمنع انتشار الفيروس قرار شخصي». وأضافت أن وضع الكمامة في جاكسونفيل في فلوريدا، حيث سينعقد مؤتمر الترشيح الخاص بالحزب الجمهوري، «هو خيار شخصي لأي فرد، وإن الرئيس يشجع الناس على اتخاذ القرار الأفضل لسلامتهم، وليس لديه مشكلة مع ارتدائها كما تطلبه السلطات المحلية».
لكن آندرو كومو الحاكم الديمقراطي لولاية نيويورك، أكثر الولايات تضرّراً من الجائحة، قال إنه يتوجب على الرئيس ترمب إصدار أمر تنفيذي يلزم الناس بوضع الكمامات في الأماكن العامة. وأضاف أن «حكام الولايات التي كانت تعترض على وضع الكمامات، ها هم يغيرون موقفهم تماماً، وعلى الرئيس أن يفعل ذلك أيضاَ». وكرّر كومو انتقاد طريقة تعامل الإدارة مع الجائحة، قائلا إن البيت الأبيض «ظل في حالة إنكار في بداية الأزمة الصحية، ولم يفعل ما يكفي لمعالجة زيادة حالات الإصابة بالمرض في العديد من الولايات». وأشار إلى أن تركيز ترمب على إعادة فتح الاقتصاد كان «مضللاً وأدى إلى نتائج عكسية»، بحسب قوله.

تسييس التدابير الصحية

وبالفعل، اكتسبت مقاومة تدابير الصحة العامة صبغة حزبية، إذ كشفت دراسة لـ«رويترز إبسوس» في مايو (أيار) الماضي، أن ثلث الجمهوريين «قلقون للغاية» بشأن الفيروس مقابل نحو نصف الديمقراطيين. إلا أن الأمر بدأ يتغيّر بعدما سجلت ولايات يسيطر عليها الجمهوريون كفلوريدا وتكساس، وحتى أريزونا، التي أحيا فيها ترمب مهرجاناً انتخابياً الشهر الماضي، ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات. وهو ما دفع حكامها إلى إصدار أوامر بإعادة إغلاق الحانات وأماكن الاختلاط الكثيفة فيها. وشجّع نائب الرئيس مايك بنس الأميركيين على استخدام الكمامات إبّان زيارة إلى تكساس يوم الأحد.
كذلك، نقل عن جمهوريين في العديد من الولايات التي تصوّت لهم، وخصوصاً، في تكساس وفلوريدا اللتين تتمتعان بثقل انتخابي كبير - وقد تقرر نتائج انتخاباتها مصير رئاسة ترمب - تذمّرهم من أداء إدارته في التعامل مع الجائحة. وقارنوا ذلك بأداء العديد من الدول الأوروبية وحتى مع الصين، التي يواصل ترمب اتهامها ونقدها، في سياسة اعتبرها البعض محاولة لإضفاء طابع تآمري خارجي للتغطية على فشل إدارته، عبر تحميل الصين ومنظمة الصحة العالمية التي عاقبها عبر وقف التمويل عنها.

تفاؤل ديمقراطي

الديمقراطيون، من جهتهم، يشعرون عموماً بتفاؤل متزايد بشأن فرصهم، ليس فقط للفوز بالرئاسة بل واستعادة الغالبية في مجلس الشيوخ مطلع نوفمبر المقبل. وفي هذا المجلس يدافع الجمهوريون عن 23 مقعدا مقابل 12 مقعدا للديمقراطيين. وقال السيناتور الديمقراطي تيم كين الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2016 «رغم أن الانتخابات بعد 4 أشهر، وقد تحصل العديد من التقلبات والتغييرات، فإنها إذا أجريت اليوم فسأشعر بالرضا». وقدّر كايل كونديك، مدير تحرير نشرة «ساباتو كريستال بول» الصادرة عن «مركز السياسات» في جامعة فيرجينيا، أن فرص الديمقراطيين في استعادة مجلس الشيوخ هي بنسبة 50 إلى 50 على الأقل.
وفي استطلاع لـ«ريل كلير بوليتيكس» تقدّم بايدن على ترمب بفارق 6 نقاط مئوية أو أكثر في ولايات فلوريدا وميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، ومتقارب جدا في ولايات نورث كارولاينا وأريزونا، وهي ست ولايات فاز فيها ترمب عام 2016. أيضاً وجد استطلاع أجرته شبكة «فوكس نيوز» - المحسوبة على الجمهوريين - أن بايدن يتقدم في ولاية فلوريدا بـ9 نقاط مئوية، وإذا خسر ترمب هذه الولاية فقط فلن يبقى له أمل للفوز بالرئاسة. كذلك وجد الاستطلاع أن بايدن يتقدم الرئيس بـ20 نقطة أو أكثر بين النساء والمستقلين وغير البيض في فلوريدا، بينما يسجّل ترمب نتائج سيئة حتى مع قاعدته الأكثر ولاء، وهم الناخبون الأكبر سناً والبيض وأولئك الذين لا يحملون شهادات جامعية.
بل، وما زاد الطين بلة - بالنسبة للجمهوريين - الفوضى التي رافقت توزيع المساعدات المالية الحكومية سواء على الأفراد أو المؤسسات والتي بلغت نحو 3 تريليونات دولار، رغم حرص ترمب على «التوقيع على الشيكات» التي دفعت للأميركيين. ولقد تردد ترمب في الموافقة على حزمة مساعدات ثانية بالقيمة نفسها، كان قد اقترحها الديمقراطيون، وضعته أمام خيار صعب قد يعود ريعه السياسي لمنافسه بايدن، الذي لا يزال يلتزم الحذر في إطلالاته الانتخابية.

معضلة بايدن واليساريين

في المقابل، رغم كل ما سبق، تشير بعض التقديرات إلى أن تقدّم بايدن حالياً قد لا يؤدي بالضرورة إلى تغلبه على ترمب، خاصة، وأن قاعدة الحزب الديمقراطي منقسمة بحدة، في ظل تقدم كبير للتيار اليساري فيه. ولقد انعكس هذا أخيرا في بعض الانتخابات التمهيدية، حيث تقدم مرشحوه على «ليبراليي» الحزب. وللعلم، يتردد اليساريون حتى الآن في منح أصواتهم لبايدن، بينما يزيد «اختفاء» بيرني ساندرز وإحجامه حتى اللحظة عن تأكيد تأييده بايدن المزيد من الغموض. وهذه قضية يستغلها ترمب في الاتجاهين، وبشكل كبير، ويحرص في تصريحاته وتغريداته على «تويتر»، على الإيقاع بين الطرفين.
أيضاً، يعكس تأخر الحزب الديمقراطي في اختيار نائب الرئيس، وإعلان هويته وجنسه وعرقه، حجم الأزمة والمأزق الذي يعانيه، في ظل الانتقادات المكثفة لبايدن بسبب ضعف «كاريزميته» وأدائه الشخصي المثير للجدل. وهنا ثمة من يقول، إن موقع نائب الرئيس هذا العام قد يكون للمرة الأولى بأهمية موقع الرئيس - إن لم يكن أكثر - في قيادة الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة. وفي حين يؤكد الحزب الديمقراطي وبايدن أن نائب الرئيس سيكون امرأة، يدور الجدل حول ما إذا كان من المهم أن تكون من الأقلية السوداء، أو من التيار اليساري. وحقاً، تقلص هامش الاختيار إلى 3 أو 4 أسماء، بينهن السيناتورة البيضاء اليسارية إليزابيث وارين والسيناتورة السوداء كامالا هاريس والنائبة فال دامينغز مديرة شرطة مدينة أورلاندو سابقاً وكيشا لانس بوتومز عمدة مدينة أتلانتا.
وجاءت الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة ولقيت صدى دوليا، في أعقاب وفاة الرجل الأسود جورج فلويد تحت ركبة رجل شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس، وما تلاها من أعمال عنف واحتجاجات ومطالبات بحل الشرطة ومهاجمة الرموز والتماثيل التي تمثل الحقبة العنصرية، لتفرض نفسها على المشهد السياسي والانتخابي لدى الحزبين. وبينما يرى الديمقراطيون أن هذه الأحداث تعزز فرص فوزهم، يرى الجمهوريون أنها فرصة لإعادة شدّ عصب قاعدتهم الحزبية والشعبية، وفعلاً، ترجمها ترمب في خطب وأوامر تنفيذية وصفت بالشعبوية، للرد والتشكيك وكيل الاتهامات على الإعلام واليسار والديمقراطيين.
من جانب، متصل، رغم عدم اتفاق الحزبين على قانون موحد لإصلاح الشرطة، فإنهما بقيا موحّدين على ضرورة تمويل الشرطة والامتناع عن حلها... وهو ما يطالب به «تقدميو» الحزب الديمقراطي وكذلك من اليساريين وبعض المستقلين الراديكاليين الذين ينتقدون «الثقافة» التي بنيت عليها أجهزة إنفاذ القانون تاريخياً في الولايات المتحدة.
ويذكر أن أعمال العنف والنهب في بدايات الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة، وكذلك مظاهر حمل السلاح والتهديد به من بعض البيض والسود، كشفت عن عمق الانقسام الذي لا يزال يعتمل في المجتمع الأميركي. غير أن توسّع ظاهرة تدمير وإزالة التماثيل والرموز العنصرية، أظهر قوة وتأثير حملة الضغط التي شهدتها الولايات المتحدة أخيرا لوضع حد للتمييز العنصري. وكان من نتائج ذلك اضطرار ولاية ميسيسيبي (الجنوبية الجمهورية) آخر الولايات لاتخاذ قرار بإزالة شعار الكونفدرالية (الانفصال) عن علمها.
وبالمناسبة، لم ينجح أمر ترمب التنفيذي حول الشرطة، في إنهاء المطالبة بإصلاحها جدياً، كذلك فشل تأليبه للرأي العام ضد «الغوغائيين اليساريين» في تحميلهم مسؤولية ما جرى في الاحتجاجات، مع ظهور مسؤولية موازية للجماعات اليمينية المتطرفة.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.