ناشطة بيئية تبتكر ورقاً صديقاً للبيئة

الشابة الهندية تصنعه من خرق القطن والكتان وقشر الموز والذرة

الناشطة البيئية كيفيا مادابا مع أطفال يصنعون الورق من خلال التدوير
الناشطة البيئية كيفيا مادابا مع أطفال يصنعون الورق من خلال التدوير
TT

ناشطة بيئية تبتكر ورقاً صديقاً للبيئة

الناشطة البيئية كيفيا مادابا مع أطفال يصنعون الورق من خلال التدوير
الناشطة البيئية كيفيا مادابا مع أطفال يصنعون الورق من خلال التدوير

هل فكرت في الورق الذي يصنع من خرق القطن والكتان ومن قشر القهوة وألياف الموز والتوت ومن قشر الذرة؟ هذا ما تفعله الناشطة البيئية الهندية الشابة كيفيا مادابا.
كانت مادابا، رائدة أعمال في مجال الضيافة التي تحولت إلى مصرفية، تدير منتجعاً صحياً في مدينة «كورج» وأثناء قيامها بذلك أدركت أنّه يتعين عليها استخدام الكثير من الورق لطباعة الكتيبات، وأن ذلك يتطلب استخدام الكثير من الورق.
وتعليقا على طبيعة عملها، قالت كيفيا: «بما أن منتجعنا مستدام، فأنا لم أكن سعيدة لأن الورق جاء من قطع الأشجار. وبطبيعة الحال، جعلني ذلك مترددة في استخدام الكثير من الورق التقليدي».
شجع ذلك الفهم كيفيا على البحث عن مصادر أنظف للورق وعن عملية صنع أفضل له، وهكذا شرعت عام 2016 في رحلة لصناعة الورق من مصادر غير الأشجار. وكانت النتيجة هي إنشاء شركة «بلوكات بيبر»، وهو مشروع لإنتاج الورق من خلال إعادة التدوير مع الحفاظ على المياه، حيث يمكن تحويل أي مادة تحتوي على أكثر من 60 في المائة من السليلوز إلى ورق، ويعني ذلك أنّ النفايات المتبقية مثل خرق القطن وقشر القهوة وما إلى ذلك يمكن تدويرها وتحويلها إلى ورق بدلاً من أن ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات.
يجري الحصول على هذه النفايات من أكثر من مائة مزارع ومن العديد من المصانع. وتحتوي على نسبة أعلى من السليلوز مقارنة بألياف الأشجار التي تحتوي فقط على 30 - 40 في المائة. لا تقوم كيفيا بدفع المال لأصحاب مدافن النفايات فحسب، بل تمنعهم أيضاً من أن ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات بأن تتولى معالجة هذه العملية. وتقول إنّ «عملية صناعة الورق الجديدة يمكن أن تنقذ الكثير من الأشجار وتقلل من نفايات تلك المدافن في نفس الوقت». وأضافت أنه قبل عام 1790 كانت جميع الأوراق تصنع من خرق القطن والألياف النباتية. لكن لم يكن هناك ما يكفي من القطن والألياف لتلبية الطلب على الورق. لكن كل شيء تغير عندما أدركوا أنّ الورق يمكن صنعه من الأشجار، لكن «هناك أيضا ما يكفي من النفايات المستدامة لإيجاد صناعة نظيفة، وقد حان الوقت لصنع آلات جديدة لهذا الغرض».
دخلت شركتا «تري فري» المنتجة للورق و«بلوكات بيبر» في تعاون مع الشركة البولندية لتصنيع ورق فريد من نوعه يساعد على إنقاذ أعداد النحل المتناقصة. يصنع الورق من عشب الليمون المتبقي الذي يعشقه النحل وينجذب إلى رائحته، من ثمّ تجري إضافة بذور مثل الخردل والريحان لجذب النحل.
في الغالب يُنتج الورق من لب الخشب الذي يتطلب نشر الأخشاب وإزالة اللحاء. وفي هذا السياق، كتبت الناشطة البيئية ماندي هاجيث في كتابها «مسارات الورق: من الأشجار إلى سلة المهملات - التكلفة الحقيقية للورق. تستهلك صناعة الورق 42 في المائة من جميع الأخشاب المقطوعة صناعيا كل عام ونصيبها من الغابات المطهرة في العالم تقدر بحوالي ثلاثة ملايين هكتار سنويا».
وتؤكد كيفيا أن جودة «الورق غير الشجري في نفس جودة الورق المصنوع من لب الخشب. لكن الأوراق المصنوعة يدوياً باهظة الثمن لأنّ إنتاجها يتطلب الكثير من العمالة والوقت»، مضيفة أنه «نظراً لأننا لا نضيف مواد كيماوية تستخدمها معظم مصانع الورق عادة، فإننا قادرون على إعادة تدوير المياه بسهولة وتوفير أكثر من 100 ألف لتر من المياه يومياً. وهذا في حد ذاته يجعل ورقنا أكثر استدامة وصديقا للبيئة. أعتقد أنّه كلما زاد عدد المصانع التي أنشأناها ودعمناها، زاد تأثيرنا في إنقاذ الأشجار».
وأضافت كيفيا قائلة: «معظم الماكينات طُوّرت للعمل بلفائف الورق، فيما يُصنّع الورق المصنوع يدوياً علي هيئة شرائح». وتأمل أن يصبح «الورق غير الشجري هو السائد». كما أضافت أنّ الناس تتعامل مع الورق على أنه ليس بالشيء الكبير وأنّه للاستخدام لمرة واحدة ثم يذهب إلى القمامة. لذلك فأنت تهدر الورق لأنّه رخيص. لكنّ سعره الحقيقي بقيمة كوكب الأرض، حيث يجري تقطيع حوالي 3.3 مليون هكتار من الغابات كل عام لصناعة الورق من الأشجار. فنشاط كهذا لا يجعل الحياة البرية في الغابات الكثيفة فوضوية فحسب، بل يتبع ذلك تأثيرات ضارة على النظام البيئي.
تحتاج الشجرة إلى 20 عاما على الأقل لكي تنمو قبل أن تُقطع لصناعة الورق. ولكن في نهاية تلك السنوات يكون قد نشأ نظام بيئي صغير خاص قد يتعرض للخلل. فمن المفزع أن تأتي في أحد الأيام ببساطة لتقطع 5000 شجرة دفعة واحدة وتقول: «لا بأس هيا بنا. إنّه لأمر سخيف!»
يدخل هذا الورق أيضا في صناعة دفاتر الملاحظات، والحقائب والمجلدات وصناديق الهدايا وإطارات الصور والأظرف وبطاقات التهنئة وغيرها. وتصنع شركة «بلوكات بيبر» منه أيضاً، أوعية من خليط القطن وأغطية المصابيح والمصابيح المعلقة والخيوط المضيئة. كما تقوم الشركة بتصنيع منتجاتها على هيئة صناديق ودعوات الزفاف، واستخدمت أيضا فكرة مبتكرة لدعوات الزفاف التي تُستخدم لمرة واحدة فقط.
وتتابع كيفيا، «ولأن بطاقات الزفاف لا تستخدم لأكثر من مرّة، دمجنا البذور في بطاقة الدعوة. لذلك، بمجرد أن تحقق الدعوة غرضها، يمكن للمرء تمزيقها وزرعها في التربة». وتوضح، «يستغرق نمو الشجرة ما بين 7 - 20 سنة، لذا من الضروري التوقف عن قطع الأشجار. وعندما يتزايد عدد السكان باستمرار، وكذلك الهدر، فلماذا لا نلجأ إلى تلك الطريقة؟ آمل أن ينتج المزيد من المصانع في جميع أنحاء العالم ورقاً يصنع من مواد غير الأشجار».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».