«ويلات بلّورينا» رسوم متحركة بطلة قصتها بَصّارة

استوحت موضوعها من اهتمام اللبناني بتوقعات المستقبل

«ويلات بلّورينا» رسوم متحركة بطلة قصتها بَصّارة
TT

«ويلات بلّورينا» رسوم متحركة بطلة قصتها بَصّارة

«ويلات بلّورينا» رسوم متحركة بطلة قصتها بَصّارة

تشهد البرامج التلفزيونية التي تستضيف منجمين شهرة واسعة في لبنان. فأمثال ليلى عبد اللطيف وميشال حايك وماغي فرح وغيرهم يشكلون نموذجاً عن شخصيات تتوقع أحداث الغد وتتمتع بجمهور واسع يتابعها.
فبغض النظر عن صدق توقعاتهم من عدمها، فإنّ حشرية شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين تحب مشاهدة هؤلاء والتّحدث عن توقعاتهم مع الأصحاب والأصدقاء.
وانطلاقاً من تعلق الناس عامة واللبنانيين خاصة بهذا النوع من الأشخاص قررت الكاتبة مردللي أن تبتدع شخصية البصّارة على طريقتها. وبأسلوبها الخاص وضمن عالم سريالي تقدم مردللي بطلتها لمجموعة قصص من الرسوم المتحركة «ويلات بلّورينا» (les malheurs de Scandaline). فكتبتها بالعربية والفرنسية والإنجليزية واليونانية والإسبانية لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
«الناس بغالبيتهم ومهما اختلفت جنسياتهم يحبون التبصير، انطلاقاً من مبدأ التزود بالأمل». تقول مردللي في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «من دون الأمل تصبح الحياة صعبة ومحبطة، ولذلك يتوجه كثيرون عند أحد المنجمين علّه يزودهم بلمسة تفاؤل يحتاجونها».
بطلة قصص «ويلات بلّورينا» ابتدعتها مؤلفتها من خيالها فرسمت شخصيتها وأزياءها ودرست تصرفاتها النابعة من طيبة قلبها وبراءتها. فجمعتها ضمن شخصية فتاة جذابة تتمتع بموهبة التوقع للطرف الآخر من خلال بلورة كريستال تحملها معها أينما ذهبت.
وتعلق مردللي التي ستوقع قصتها في 3 يوليو (تموز) الجاري في أحد مقاهي بيروت: «لم أشأ أن تحمل بلورينا أيا من صفات البصارة العادية التي تلهث وراء المال. وهي على عكس باقي زميلاتها في الحياة صادقة وصريحة ولا تتوقع إلّا ما هي أكيدة من حصوله. إنّها شخصية خيالية تعيش في عالم لا زمان ولا مكان يحدده، بل يدور في فلك السريالية وكأنه نابع من عالم خارجي لا نعرفه كبشر».
وتشرح مردللي الخطوط العريضة لقصتها التي تأمل أن تلاقي الإعجاب من قبل الصغار والكبار معا. «هي بصارة جميلة تزورها في أحد الأيام امرأة ترغب في التعرف إلى ما يخبئه لها المستقبل. وعندما تطلب منها بلورينا أن تفكر بالأمنية التي تتمناها لتتوقع لها حدوثها أو العكس، يخرج نور ساطع من البلورة ليعود ويخفت وتنطفئ معه شعلة البلورة الكريستالية وموهبة بلورينا في قراءة أحداث الغد. ومن بعد هذه الحادثة تبحث البطلة عن بائع بلورات لتبتاع واحدة مربعة تكتشف فيما بعد أنّها لا تسمح لها إلا بقراءة الماضي».
وبشكل تلقائي يربط قارئ عنوان قصص الرسوم المتحركة لمردللي بينها وبين قصص عالمية أخرى مشهورة. فكما «مصائب صوفي» (les malheurs de Sofie) كذلك يلحظ شبها ما بين «بلورينا» وشهرزاد. وتعلق مردللي في معرض حديثها: «إنها مجرد مصادفات ليس أكثر، ولكنّها بعيدة كل البعد عن قصة بطلتي التي اخترعتها. فهي من صلب خيالي ولم ألجأ إلى أي عنصر مشهور في قصص عالمية سابقة».
وعمّا ترغب في إيصاله من خلال هذه القصص المتوقع أن تتألف من جزأين تقول: «هناك رسائل معنوية واجتماعية كثيرة تحملها وبينها ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بواقعنا الاقتصادي والنفسي والبيئي وغيرها من الموضوعات التي استنبطتها من واقع معين لأنقلها إلى عالم الخيال. فاستخدمتها بأسلوب جديد لا يشبه قصص رسوم متحركة سابقة. فلطالما رغبت بكتابة قصة من هذا النوع تحفز الناس على القراءة وتروّح عن أنفسهم في الوقت نفسه. كما تشجعهم على ممارسة هذه الهواية التي بدأت ملامحها تزول مع الوقت عند الكبار والصغار معاً».
رسوم ملونة وكتاب لا يتعدى حجمه الـ45 صفحة تتخلله حوارات فكاهية وأخرى حماسية مشوقة يتضمنها الجزء الأول من قصة «ويلات بلّورينا» الذي سينزل أسواق لبنان قريباً. «أعتقد أنّ هذا النوع من القصص بات يشكل حاجة عند الناس اشتاقوا لها بعد أن رافقتهم في الصّغر من خلال قصص رسوم متحركة اشتهرت في أيامها كـ(أستيريكس). أنا لم أفقد الأمل لا ببلدي ولا بأهله، وهو ما دفعني للقيام بهذه الخطوة، علّها تحفّز الناس على القراءة من جديد في زمن تآكلته وسائل التواصل الاجتماعي وبات روبوتياً بشكل لافت».
وتشير مردللي إلى أنّها استحدثت في سياق القصص التي كتبتها وأخرجتها بنفسها محطات كثيرة مسلية تمر على مهرجانات التبصير وعلى الفضول الذي يتحكم بالناس لمعرفة الغد. «كنت دائماً أتساءل لماذا الشخصيات اللبنانية الشهيرة بتوقعاتها لا تعطي تواريخ محدّدة للأحداث المستقبلية التي تقرأها، ومن هنا قرّرت أن أبتدع جائزة في سياق أحداث القصة للشخص الذي صحت توقعاته المرفقة بتاريخ محدد. وأستغرب في الواقع انشغال الناس بتوقعات، لأنّني أعتبرها نوعاً من الأكاذيب المموهة».
وتؤكد صاحبة الكتاب أنّ شخصية «بلورينا» استوحت طريقة لبسها من إحدى بناتها الثلاث. «لجأت إلى أسلوب إحدى بناتي في تصميم أزياء بطلتي، واستعرت أسماء فكاهية لعدد من شخصيات القصة كي تزود قرّاءها بشعور الاسترخاء والفرح معا. فهناك مدام (شهيرة شوفوني) وصديقتها (دلال دو لارات) وشخصيات أخرى كـ(جمال جلال المال) و(أمل ألف فلس وفلس) وغيرها. وجميعها شخصيات اخترعتها بنفسي ووجدت فيها معاني فكاهية من شأنها أن تلوّن يوميات القارئ بخيال ممتع يرتكز على اللعب بالكلام».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)