مفاوضات في الخرطوم بين الحكومة والحركات المسلحة

TT

مفاوضات في الخرطوم بين الحكومة والحركات المسلحة

عقد وفدا الحكومة السودانية و«الجبهة الثورية»، أمس، جلسة مفاوضات مباشرة في الخرطوم، خصصت لمناقشة بعض القضايا العالقة في ملف التفاوض. وفي غضون ذلك، سلمت الوساطة رسالة من رئيس حكومة الجنوب، سلفاكير ميارديت، إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.
ووصل الخرطوم، الخميس الماضي، وفد من لجنة الوساطة بجنوب السودان، قصد إجراء محادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، برفقة عدد من كبار مفاوضي «الثورية» بهدف إحراز اختراق في عملية السلام.
ويضم وفد «الجبهة الثورية»، أحمد تقد لسان من حركة «العدل والمساواة»، وياسر عرمان من «الحركة الشعبية شمال»، ومحمد بشير عبد الله من «حركة تحرير السودان» (جناح مني أركو مناوي).
وقال عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد حسن التعايشي، إن زيارة وفد «الثورية» للخرطوم «سيكون لها تأثير كبير على العملية السياسية، وستنتهي بتسوية سياسية تاريخية».
وأضاف التعايشي في تصريح صحافي، أمس، أن الغرض من هذه الزيارة إتاحة الفرصة للنقاش المباشر بين الشركاء حول القضايا العالقة للاتفاق حولها، مبرزاً أن الزيارة وضعت الشركاء والوساطة أمام خيار واحد هو وجوب معالجة القضايا العالقة.
كما أوضح المتحدث باسم الوفد الحكومي أن قادة الدول في مؤتمر شركاء السودان في برلين، طالبوا جميع الأطراف بتعجيل الوصول لاتفاق سلام، وأكدوا دعمهم المباشر لعملية السلام في السودان.
في غضون ذلك، سلم رئيس الوساطة الجنوبية، توت قلواك، رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، رسالة من رئيس حكومة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت. كما سلم الوفد الحكومي ورقة تخص القضايا العالقة لإنهاء عملية السلام.
وأعلن قلواك تواصل المفاوضات خلال اليومين المقبلين من أجل الاتفاق حول القضايا العالقة، وقال بهذا الخصوص إن الوساطة «لن تعود إلى جوبا إلا وهي حاملة للسلام الدائم».
وكشفت الوساطة عن خطة جديدة لإنجاح المفاوضات ستعرضها على القيادة السياسية في البلاد، ممثلة في رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء، والوفد الحكومي المفاوض.
من جانبه، قال رئيس وفد «الحركة الشعبية»، ياسر عرمان، إن مجيء وفد «الجبهة الثورية» للمشاركة في المفاوضات من الخرطوم، يهدف إلى إحداث اختراق في مفاوضات السلام. وأضاف في مؤتمر صحافي بوكالة أنباء السودان، موضحاً أن الوفد عقد اجتماعات مع مؤسسات السلطة الانتقالية، «تؤكد الاقتراب من انتهاء عملية السلام، التي ستكون لها انعكاسات على الأوضاع الاقتصادية بالداخل والعلاقات الإقليمية والدولية للسودان».
ونفى عرمان أن تكون الحركات المسلحة قد حصرت مطالبها في المفاوضات، التي جرت في جوبا، عاصمة جنوب السودان، في قضايا اقتسام السلطة (المحاصصة)، وأبرز أنها ناقشت القضايا المهمة التي تحقق السلام والاستقرار في البلاد.
بدوره، قال كبير مفاوضي «حركة العدل والمساواة»، أحمد تقد، إن المفاوضات قطعت أشواطاً كبيرة في كثير من الملفات، فيما ظلت قضايا محدودة تحتاج إلى مشاورات مستمرة مع الجهات صاحبة القرار السياسي، وذلك لتذليل العقبات، والوصول لاتفاق نهائي في وقت وجيز، مبرزاً أن الحوار الذي جرى بجوبا «ركز على القضايا الأساسية، ونحن الآن على أعتاب تحقيق السلام، والدخول في البناء الوطني المشترك مع بقية القوى السياسية... لقد جئنا لنحمل البشرى للشعب بقرب الوصول إلى اتفاق سلام حقيقي، يؤسس لحوار مستدام وبناء مع بقية القوى السياسية للعبور بالبلاد من المرحلة الانتقالية».
كما أكد تقد أن تجربة المفاوضات، التي تمت في جوبا، «فريدة، عبرت عنها النتائج التي توصلنا إليها خلال المفاوضات، وإذا تم تنفيذ ما اتفقنا عليه، فسنتمكن من تحقيق استقرار سياسي يوقف الحروب والنزاعات في كل أنحاء البلاد»، مبرزاً أن الأيام الثلاثة المقبلة ستكون «حاسمة في قضايا السلام، وفي مسارات التفاوض، ونأمل أن نصل إلى نتائج في القريب العاجل».
من جهته، قال رئيس الوفد التفاوضي لحركة «جيش تحرير السودان»، محمد بشير أبونمو، إن حضور وفد «الجبهة الثورية» للخرطوم، قبل توقيع الاتفاق، «يؤكد جدية الحركات المسلحة لتحقيق السلام».
وعقد وفد «الجبهة الثورية» لقاءات مع نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، محمد حمدان دقلو، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وعدد من قيادات قوى «إعلان الحرية والتغيير»، المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.