ظُهر أول من أمس (الخميس) كان مفعماً بالأنشطة والفعاليات بالنسبة لرئيس الوزراء العراقي الذي لا يزال جديداً مصطفى الكاظمي. فبالإضافة إلى لقاء طويل عقده مع مجموعة من الإعلاميين والمحللين السياسيين العراقيين حضرته «الشرق الأوسط»، فإنه عقد لقاءات أخرى عدة مع الفنانين، ومن بعدهم الأدباء وقبلهم ذوو المهن الطبية.
القاسم المشترك في كل هذه اللقاءات أمران، الأول التأكيد على أن الحكومة التي شكلها مضى عليها أسبوعان فقط حين اكتملت حقائبها الوزارية الاثنتان والعشرون، والآخر هو ما ينوي عمله خلال الفترة المقبلة بما يوحي أنه سيبدأ مواجهة شاملة تبدأ من الأحزاب وتنتهي بالجماعات المسلحة، وبالعكس. قال بالنص «سنتّخذ في القريب العاجل مجموعة إجراءات لتغيير بعض المواقع الإدارية في الدولة، وسنسمع بعدها حملة تشويه للحكومة؛ لأن هنالك من سيتضرّر جراء هذه التغييرات، ونقول بكل صراحة ليس لدينا شيء نخسره، ورهاننا على الإعلاميين والصحافيين وعلى الناس، وإن لم يتركونا نعمل فسنخرج وأيادينا نظيفة، وإن الفساد أخطر من الإرهاب؛ لأنه يساعد الإرهابيين، وستكون لدينا حملة لمتابعة أسباب الفساد وملاحقة الفاسدين».
وبعد منتصف ليل الخميس وفجر أمس بدأت العواجل، سواء على القنوات التلفزيونية أو وسائل الاجتماعي تتسارع لجهة حصول أول مواجهة معلنة بين الكاظمي والذراع التي يستند إليها في أي مواجهة، وهي جهاز مكافحة الإرهاب الذي أعاد لرئاسته الفريق عبد الوهاب الساعدي المحبوب شعبياً، وبين أحد أهم الفصائل المسلحة وهي «كتائب حزب الله». المعلومات التي جرى تداولها ميدانياً هي قيام قوة من جهاز مكافحة الإرهاب باقتحام مقر للكتائب واعتقال مجموعة من عناصرها بمن فيهم قياديون في الكتائب. حتى الصباح كانت الأنباء متضاربة بشأن ما حصل وكيف انتهى، وما هي حدود التسوية التي جرى الحديث عنها بين الكاظمي والفصائل المسلحة التي وحدت مواقفها حيال الكاظمي. هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، قاد على مدى ساعات مفاوضات التسوية التي لا أحد يعرف إن كانت هشة أصلاً، وسوف تبقى هشة أم أنها أجلت حسم المعركة إلى وقت آخر لم يعد معلوماً.
بصرف النظر عن التساؤلات، فإن المواجهة بين الحكومة والفصائل المسلحة التي ترى كل الحكومات العراقية السابقة أنها تعمل خارج نطاق الدولة بدأت ولا يتوقع أن تنتهي الا بانتصار أحد الطرفين... الدولة أو الدولة العميقة. ليس مهماً تفاصيل ما حصل ومضمون البيان أو البيانات التي سوف تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، وما هي كمية المعلومات أو التحشيد في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الطرفين ومن يعتقد إنه انتصر أو على الأقل سجل هدف الترجيح في نزال سيكون طويلاً خلال الأيام أو الأسابيع أو الأشهر المقبلة. فالكاظمي رغم عمر حكومته القصير قد يكون استعجل مثلما يرى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه يريد إنهاء ملف اختطاف الدولة مثلما أسماه في حديث سابق له. وحيث إن الكاظمي يقود اليوم دولة مفلسة فإن عينه ليست على الاقتراض الداخلي والخارجي الذي أقره له البرلمان في غضون ربع ساعة على شكل قانون وصادق عليه رئيس الجمهورية في أقل من 24 ساعة لأن رواتب شهر يونيو (حزيران) تأخرت لنحو 4 ملايين ونصف مليون موظف عراقي، بل قرر أن يوزع عيونه على مداخل ومخارج عدة للخروج من نفق الأزمة الحاد. وفي المقدمة من هذه المنافذ التي يبحث فيها الكاظمي عن أموال منهوبة من قبل «العصابات والجماعات المسلحة) كما قال في حديثه الخميس للإعلاميين والمحللين السياسيين هي المنافذ الحدودية. هذه المنافذ توفر للدولة ما بين 3 و4 مليارات دولار سنوياً، لكنها مفقودة بين هذه الأطراف.
بالعودة إلى النائب محمد الكربولي، الذي يشغل موقع نائب رئيس تحالف القوى العراقية، فإن «المواجهة مع الفصائل المسلحة والميليشيات الخارجة عن القانون أمر حتمي لا بد منه، لكنه يحتاج إلى وسائل وآليات حتى لا تفقد الدولة هيبتها مرتين»، مشيراً إلى أن «الكاظمي يعتمد حالياً على جهاز واحد قدم تضحيات جسيمة في مواجهة (داعش) وكان رأس النفيضة في كل المعارك الكبرى وهو جهاز مكافحة الإرهاب». ويرى الكربولي أنه «ليس من الحكمة الآن زج هذا الجهاز وحده في مواجهة مع الفصائل؛ لأن لا هو ولا الكاظمي مؤهلان لهذا الدور الآن، وإلا فإن الدولة سوف تفقد هيبتها مرتين... مرة في مواجهة خاسرة، ومرة في عدم القدرة على تحقيق النصر، بل وبدلاً من ذلك إحداث شرخ داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية». ومن وجهة نظره، فإنه «ينبغي بناء القوات المسلحة بشكل جيد ومتماسك، ويتم تأجيل المواجهة الآن إلى أن تنضج ظروف المواجهة بحيث يكون ولاء القوات الأمنية للدولة تماماً».
في السياق نفسه، يفسر الخبير الاستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ما حصل بأنه «بموجب مدرك مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء، فإنه يحاول إنهاء الأزمات الأمنية التي أربكت حلوله الاقتصادية من خلال تمرد خلايا الكاتيوشا وسيطرة الهيئات الاقتصادية على المشاريع والمنافذ الحدودية». ويضيف الهاشمي، أن «الكاظمي من هذه الزاوية كان لا بد أن يصل إلى تسوية من خلال القوة الناعمة، لكنها يبدو أنها فشلت فلجأ إلى فرض القانون عبر تنفيذ مذكرات القبض القضائي».
المواجهة بين الكاظمي والفصائل بدأت... وتوقعات بأن تكون طويلة
المواجهة بين الكاظمي والفصائل بدأت... وتوقعات بأن تكون طويلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة