«صيف ساخن جداً»... دعوة للمرح وسط «كآبة كورونا»

30 لوحة تتحدى الصورة النمطية للجمال

بطلات المعرض في صخب صيفي
بطلات المعرض في صخب صيفي
TT

«صيف ساخن جداً»... دعوة للمرح وسط «كآبة كورونا»

بطلات المعرض في صخب صيفي
بطلات المعرض في صخب صيفي

تتصاعد حرارة صيف القاهرة وسط قيود ما زالت مفروضة على الشواطئ وبراح البحر، ما يُزيد من قيظ صيف هذا العام في حضور جائحة «كورونا»، إلا أن الفنانة المصرية إسراء زيدان قد أفرجت عن المرح المُرتبط بهذا الفصل المُشمس عبر ثلاثين لوحة في معرضها الجديد «صيف ساخن جداً»، لتصنع عبرها أجواء عامرة بالانطلاق، وأغنيات الفرح، بطلاتها سيدات بدينات تربطها بهن قصة حب فنية.
المعرض يستضيفه غاليري «آزاد» بالقاهرة الذي فتح أبوابه أمام الجمهور بشكل محدود وسط إجراءات الفتح التدريجي التي بدأت الحكومة المصرية تطبيقها أخيراً. وتتسرب من لوحات المعرض دفقات الصيف وصخبه من خلال الروح الديناميكية الغالبة عليها، ولغتها البصرية واللونية الساطعة، وكذلك السياقات الافتراضية التي تُصور فضاءات الصيف المرحة ما بين شواطئ، وطائرات ورقية، ودراجات، ومُثلجات، وثرثرة لا نهائية تذوب في نسمات الصيف، ويظل العامل الأبرز في زهو اللوحات وموضوعها، ذلك الحضور الطاغي لبطلات المعرض من سيدات بدينات، تحررن بخفة من التنمر ونظرة المجتمع الساخرة منهن بسبب أوزانهن الثقيلة، وهي إحدى الثيمات التي تشغل صاحبة المعرض، وتسعى لمواجهتها عبر نقل بطلاتها معها من معرض إلى آخر، في سياقات مُترعة بالحياة في مواجهة التهميش.
وتواصل إسراء زيدان في معرضها «صيف ساخن جداً» حالة ارتباطها فنياً بالسيدات البدينات اللاتي سبق وقدمتهن على مسارح مُغايرة. تقول إسراء لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مُتورطة عاطفياً في رسم السيدات البدينات الممتلئات بالحياة، سبق وقدمتهن في معارض متفرقة، وكذلك خصصت لهن معرضي الفردي الأول (جارات قوس قزح)، فالفن بشكل عام طاقة عاطفية، والفن الصادق هو النابع من انفعال الفنان بفكرة أو قضية ما. أنا أشعر بسعادة كبيرة وأنا أرسم هؤلاء السيدات».
وكما ترسم زيدان لتكون سعيدة، فإنها أيضاً ترسم عالماً تحلم بأن تعيش فيه، عالماً يتسم بمزيد من التصالح والتسامح، بحسب وصفها: «بعد عرض لوحاتي التي تُعبر عن فئة من النساء يشعرن بأنهن مُهمشات أو غير جميلات، وصلت لي عشرات الرسائل من النساء اللاتي يشعرن بأن هذه اللوحات تجعلهن يشعرن بأنهن جميلات في كل الأحوال. وألهمني ذلك أن أستمر في دعم هذه القضية التي تمس جميع النساء، وهي قضية اهتزاز الثقة بالنفس، في ظل المعايير القاسية للجمال والقبول التي تربينا عليها». إلى جانب العالم الإبداعي، تُمارس إسراء زيدان العمل الأكاديمي أيضاً، فهي تعمل مدرسة مساعدة بكلية الفنون التطبيقية في جامعة حلوان، وتقوم حالياً بتحضير رسالتها للدكتوراه، ما يجعل وقتها غير مكرس بالكامل لمواصلة رسم لوحاتها، وهو ما يجعلها مدينة للعزلة المنزلية بسبب «جائحة كورونا» بإنجاز معرضها الأخير، تقول: «بدأت تجهيز المعرض قبل عام ونصف، وأنا مدينة للعزلة المنزلية التي لولاها ما كنت استطعت أن أتفرغ بشكل أكبر لاستكمال مشروع معرضي، حتى أنني استطعت زيادة ساعات رسمي لأكثر من ثلاث إلى أربع ساعات».
وترى إسراء أن الأثر الأكبر لتلك العزلة المنزلية ظهر في دعم الحالة الصيفية التي أرادت أن تُطلقها عبر لوحاتها، تقول: «وجدت أنني أضاعف من حالة انطلاق الفتيات، وجعلتهن يذهبن للبحر ويتطلعن للسماء دون عزلة، كما أحب دائماً، ولم أعد أستطيع أن أفعل ذلك بسبب (كورونا)، وكأنهن ذهبن بالنيابة عني. اللوحات أخرجت طاقتي في شيء أسعدني خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، وهو رسم تلك الفتيات البدينات اللاتي أحبهن، وأتخيل لهن حياة تليق بروحهن الجميلة».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».