«أوبرا عبر الهاتف» تقدم العاطفة في زمن الوباء

«أون سايت أوبرا» تقدم لعشاق الموسيقى الفرصة لخوض تجربة أغاني الأوبرا الشخصية (نيويورك تايمز)
«أون سايت أوبرا» تقدم لعشاق الموسيقى الفرصة لخوض تجربة أغاني الأوبرا الشخصية (نيويورك تايمز)
TT

«أوبرا عبر الهاتف» تقدم العاطفة في زمن الوباء

«أون سايت أوبرا» تقدم لعشاق الموسيقى الفرصة لخوض تجربة أغاني الأوبرا الشخصية (نيويورك تايمز)
«أون سايت أوبرا» تقدم لعشاق الموسيقى الفرصة لخوض تجربة أغاني الأوبرا الشخصية (نيويورك تايمز)

استقبل صندوق البريد الوارد الخاص بي خطاباً غرامياً الأسبوع الماضي يحمل في مستهله العبارة التالية: «أشتاق إليك بشدة. وكل يوم يمر علي من دونك أشعر كأنه يوم يصعب علي التنفس فيه».
ومضى الخطاب في التحسر على ألم الفراق، والحديث عن ذراعين تتوقان للعناق، وأغان عاطفية كتبت كرفيق في ليالي الوحدة الطويلة. وبعد ذلك، جرى إقرار موعد: في ساعة محددة من اليوم التالي، سأتلقى اتصالاً هاتفياً، وخلالها سيجري غناء تلك الأغاني لي وحدي.
كانت رسالة البريد الإلكتروني المشهد الافتتاحي في إنتاج جديد خفيف الظل لأغنية بيتهوفن «إلى الحبيب البعيد»، التي تدور في جوهرها حول قدرة الموسيقى على تجاوز حدود الزمان والمكان.
يجري تقديم العرض الجديد من جانب «أون سايت أوبرا» بعنوان: «إلى الحب البعيد»، وتتضمن عروضاً حية وتفاعلية من فرد لفرد تجري عبر الهاتف، تستمر حتى 6 يوليو (تموز) المقبل. ويضيف النص الذي أبدعه الكاتب مونيه هيرست ميندوزا لمسة عصرية، ويدعو المشاهد للاستمتاع بتلك المجموعة من الأغاني التي كتبت عام 1816 على نحو شخصي وعاطفي.
في الليلة التالية، ينطلق صوت السوبرانو جنيفر زيلتان ليشدو بأغنية «حبيبي! هل هذا أنت حقاً؟». وبمقدور مشتري التذاكر الاختيار بين أداء للأغنية تضطلع به بالتعاون مع زوجها عازف البيانو ديفيد شيموني، وأداء آخر للمغني ماريو دياز موريسكو يرافقه سبنسر مير.
وساورني القلق من أن تنظيم عرض من أجلي بمفردي سيضعني في موقف محرج بعض الشيء. وثارت في ذهني ذكريات مواقف محرجة لعازفي أكورديون وكمان يعزفون من أجلي داخل مطاعم أوروبية من أجل الحصول على بقشيش. ورغم شعوري بالإثارة تجاه الاضطلاع بدور في محادثة غرامية، وضعت نصب عيني التحذير الذي أرسلته «أون سايت أوبرا» لحاملي التذاكر بخصوص ضرورة الالتزام «بتجربة فنية جديرة بالاحترام من جانب الجميع».
ورغم أن الأغاني التي أبدعها بيتهوفن تدور حول فراق أحباب تربطهم قصص عاطفية رومانسية، فإنها بدت واقعية على مستوى آخر مختلف تماماً تلك الليلة. وبينما غرقت داخل مقعدي المفضل بجوار النافذة ووضعت سماعة الهاتف بجانب أذني، سرح تفكيري في كيف تسبب وباء فيروس «كورونا» المستجد في تفريق الموسيقيين وعشاق الموسيقى، وهي علاقة تتميز بحرارتها العاطفية وتحمل آلام فراق خاصة بها.
يذكر أنه قبل ساعات قليلة من هذه المكالمة الهاتفية الغنائية، أعلنت «كارنيغي هول» و«لينكولن سنتر» أن أبوابهما ستظل مغلفة حتى نهاية العام.
في أغاني بيتهوفن، تتحول قطع السحاب والنسيم ونغمات الموسيقى إلى قنوات اتصال في حد ذاتها تتجاوز الحدود لتربط بين روحين. الآن، ومع انطلاق صوت زيلتان بالغناء، تحول الهاتف إلى الخط الرفيع الرابط بين المغني والمستمع، ليخلق بين الطرفين علاقة روحانية ثمينة ومؤثرة.
في بعض الأحيان، بدا صوت زيلتان الثري والقوي كأنه يجري حشره داخل قناة شديدة الضيق، بينما بدا صوت البيانو كأنه غرق في الماء، لكن هذا لم يفلح في التقليل من متعة تجربة أوبرالية غنائية غنية ومؤثرة استمرت 20 دقيقة.
وفي وقت تعج فيه شبكة الإنترنت ببث مباشر لحفلات غنائية افتراضية، تقدم «أون سايت أوبرا» تجربة ربما غير مثالية، لكنها موسيقية فريدة بما تحمله من طابع شخصي قوي.
وفي النهاية؛ يعدنا الشاعر:
المسافات التي فرقتنا
ستنسحب لتفسح الطريق أمام هذه الأغاني
وقلبي المحب سيصل
إليك ويضمك بشدة
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».