البيت الأبيض يلوّح لبولتون بالسجن

مستشار الأمن القومي السابق: كل قرارات ترمب انتخابية

عشيّة صدور كتابه جدد الرئيس الأميركي ترمب اتهام بولتون بالكذب (أ.ب)
عشيّة صدور كتابه جدد الرئيس الأميركي ترمب اتهام بولتون بالكذب (أ.ب)
TT

البيت الأبيض يلوّح لبولتون بالسجن

عشيّة صدور كتابه جدد الرئيس الأميركي ترمب اتهام بولتون بالكذب (أ.ب)
عشيّة صدور كتابه جدد الرئيس الأميركي ترمب اتهام بولتون بالكذب (أ.ب)

عشيّة صدور كتابه، كثفت الإدارة الأميركية هجماتها على مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، فجدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اتهامه له بالكذب، وغرّد قائلاً: «لقد أعطيت جون بولتون فرصة، فهو لم يستطع الحصول على مصادقة مجلس الشيوخ، لأنه مخبول وغير محبوب. عيّنته لأني لطالما أحببت الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة. لكن تبين أنه غير كفوء البتة وكاذب. انظروا إلى ما قاله القاضي: لقد نشر معلومات سريّة!!».
يتحدث ترمب هنا عن القاضي رويس لامبارث، الذي عارض طلب الإدارة وقف نشر كتاب بولتون، موبخاً في الوقت نفسه مستشار الأمن القومي السابق لنشره معلومات تهدد الأمن القومي، وأشار لامبارث إلى أن بولتون قد يواجه تهماً جنائية بسبب نشره معلومات سرية. وهذا ما لوّح به مستشار البيت الأبيض بيتر نافارو، الذي اعتبر أن بولتون قد يواجه حكماً بالسجن بسبب كتابه.
وقال نافارو في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، «جون بولتون وضع معلومات سرية للغاية في كتابه. وأنا أتوقع أن أفعاله هذه ستؤدي إلى خسارته لأي أرباح سيجنيها من بيع كتابه، كما أنه سيواجه حكماً بالسجن جراء ذلك. لقد ارتكب خطأً جدياً للغاية فيما يتعلق بالأمن القومي الأميركي. وسيدفع ثمن ذلك».
ولم تتوقف الانتقادات عند هذا الحد، فوجهت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي مكيناني، ضربة أخرى لبولتون، ووصفته بمستشار الأمن القومي الفاشل، وقالت مكيناني في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، «جون بولتون هو رجل يتوق للحرب، وكان يريد أن يقودنا باتجاه حرب مع كوريا الشمالية وإيران... إنه كارثة كبيرة».
تأتي هذه الانتقادات في وقت صرّح فيه بولتون بأن الإدارة الأميركية حاولت جاهدة منع كتابه من الصدور قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، متوقعاً أن يكون رد فعل ترمب على الكتاب «بركانياً»، على حد تعبيره. وقال بولتون في مقابلة مع شبكة «أي بي سي»: «لا أعتقد أنه مؤهل لمنصبه، ولا أعتقد أنه يتمتع بالكفاءة اللازمة لتنفيذ مهامه. لم أتمكن من تحديد أي مبادئ تقود قراراته سوى موضوع إعادة انتخابه».
وتابع بولتون قائلاً إن الرئيس يركز على فرص اتخاذ صور وردود الأفعال على «تويتر»، والتغطيات الصحافية لأهداف سياسية بحتة: «الكثير من الأشخاص تذمروا من عدم قدرته (ترمب) على التركيز. لكن عندما يتعلق الأمر بإعادة انتخابه فتركيزه غير مسبوق. لسوء الحظ أن هذا التركيز كان غائباً في مسائل الأمن القومي». وأكد بولتون، وهو جمهوري ملتزم خدم في إدارات ريغن وبوش الأب والابن، أنه لن يصوت لصالح ترمب في الانتخابات المقبلة، رغم أنه صوت لصالحه في انتخابات عام 2016، معرباً عن أمله في أن يُذكر ترمب في كتب التاريخ على أنه رئيس خدم لولاية واحدة فقط. كما قال بولتون إنه لن يصوت لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن رغم معارضته لترمب.
هذا ولا تزال استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم بايدن على ترمب، وأظهر آخر استطلاع لـ«إيبسوس - رويترز»، أن نائب الرئيس الأميركي السابق يتمتع بـ48 في المائة من دعم الناخبين مقابل 35 في المائة لترمب. وقد أثارت هذه الأرقام حفيظة الرئيس الأميركي الذي جدد هجومه على عمليات التصويت عبر البريد، فقال في سلسلة من التغريدات: «انتخابات 2020ستكون مزورة: سيتم طبع ملايين البطاقات الانتخابية عبر البريد من قبل بلدان أجنبية، وغيرها. سوف تكون هذه فضيحة تاريخية!».
وتابع ترمب: «سوف تكون هذه الانتخابات كارثة حقيقة. الانتخاب عبر البريد سوف يؤدي إلى انتخابات مزورة! بسبب التصويت عبر البريد ستكون انتخابات عام 2020 أكثر الانتخابات تزويراً في تاريخنا، إلا إذا تم وقف هذا الغباء. لقد صوتنا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية من دون مشكلات، لكننا الآن نستعمل (كوفيد) للغش عبر التصويت من خلال البريد!».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟