«مهرجانات بعلبك» تطلّ بحفل ضخم تنقله الشاشات مباشرة

«رسالة أمل» من لبنان إلى العالم

المايسترو فازيليان يقود فرقة موسيقية أثناء إحدى الحفلات السابقة في بعلبك
المايسترو فازيليان يقود فرقة موسيقية أثناء إحدى الحفلات السابقة في بعلبك
TT

«مهرجانات بعلبك» تطلّ بحفل ضخم تنقله الشاشات مباشرة

المايسترو فازيليان يقود فرقة موسيقية أثناء إحدى الحفلات السابقة في بعلبك
المايسترو فازيليان يقود فرقة موسيقية أثناء إحدى الحفلات السابقة في بعلبك

لن يمر صيف لبنان من دون مهرجانات. مع كورونا، ورغم الأزمة المالية التي بدأت تطيح بكل شيء، يقف منظمو المهرجانات أمام تحد جديد، قد يكون الأصعب الذي لم يعرفوا له مثيلاً من قبل. كل يفكر بالطريقة التي سيطل بها، ويترك الأثر الذي لا ينسى. وجاء أول الغيث من مهرجانات بعلبك التي تعد جمهورها، بليلة وطنية جامعة من قلب معبد باخوس الروماني، في القلعة التاريخية، من خلال حفل موسيقي كبير يشارك فيه 170 فناناً، حيث ستعزف الفرقة الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان، مقطوعات مختارة بعناية، لكل منها رسالة خاصة، موجهة إلى اللبنانيين والعالم وذلك يوم الأحد، الخامس من يوليو (تموز) المقبل. ويرفض المايسترو فازليان أن يسمي ما سيحدث حفلاً، ويقول: «الحفل بالإمكان إقامته في أي زمان ومكان، هذا سهل ومتاح، ولا يحتاج جهداً خاصاً. ما نحضّر له مختلف. إنّه رسالة من لبنان إلى شعوب الدنيا. وكذلك هو حدث وطني جامع، يحمل الأمل إلى كل الذين يشعرون بأنّ العالم ضاق بهم. وأنا هنا أختار كلماتي بعناية، لأنّني أعرف عما أتحدث».
ففي عزّ فترة الحجر، وقبل ما يقارب الشهرين، قرّر المايسترو أنّ من واجبه كموسيقي، والموسيقى في رأيه، أسرع الفنون ولوجاً إلى القلب، أن يفعل شيئاً في مواجهة هذا الحزن الذي يغلف الكون. يقول: «أردت أن نحضّر لمناسبة لا يمكن أن تترك الناس من دون أن يتأثروا بها». اتصل برئيسة مهرجانات بعلبك نايلة دوفريج، وعرض عليها الفكرة، على أن يشارك الجميع مجاناً في إحياء هذه الليلة الاستثنائية. وهذا ما كان. إذ روت دوفريج لـ«الشرق الأوسط» أنّ كل المشاركين من موسيقيين وراقصين، وفنيين، وكورال، وكذلك شركات نقل واستشارات وفنادق وتقنيين، وغيرهم، جميعهم يسهمون من دون أي مقابل، ولا هدف لهم سوى نجاح الحدث.
ومجاناً أيضاً سينقل الحفل، وفي وقت متزامن على جميع الأقنية التلفزيونية اللبنانية، التي أعطت موافقتها برحابة ودون تردد، وعلى أقنية تلفزيونية عربية كبيرة، وبتغطية لتلفزيونات عالمية بدأ الاتفاق معها. كما سينقل الحفل على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
يعتمد الحفل على مشاركة الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية وجوقات الجامعة الأنطونية وجامعة سيدة اللويزة وجوقة الصوت العتيق، حيث تتكون هذه الجوقات من حوالي 100 شخص. وإلى جانبهم الفرقة الفيلهارمونية المكونة من 75 موسيقياً وكذلك تشارك فرقة رقص مؤلفة من 30 راقصاً وراقصة.
وسيقام الحفل برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تحت عنوان «صوت الصمود»، كرسالة وحدة وأمل. ويعزف الموسيقيون داخل «هيكل باخوس» الواقع في قلب مدينة الشمس، مع اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، ومن دون حضور الجمهور بطبيعة الحال، حيث تقول دوفريج: «هذه المرة سنذهب إليهم في منازلهم من خلال الشاشات. مثنية على كل من يشارك «لأنّنا لم نطلب من أحد المساهمة إلّا وكان حاضراً وسعيداً بذلك».
وسيعكس البرنامج المكون من 9 مقطوعات موسيقية، تجمع بين الشرق والغرب، صورة لبنان كملتقى للثقافات وبوتقة تنصهر فيها الحضارات. ويتحدث المايسترو عن المقطوعة الافتتاحية التي اختيرت من بين أشهر المقطوعات المعروفة في العالم، وتتميز بأن موضوعها قدرة الإنسان على اختيار مصيره. وإذ يتحفظ المنظمون على اسم المقطوعات، لكنّها ستتضمن من بين ما تتضمن، موسيقى كان قد قدمها الأخوان رحباني في ستينات القرن الماضي، وأعاد توليفها غدي وأسامة الرحباني لتكون تحية للوطن في مئوية لبنان الكبير التي تصادف هذه السنة. وهناك مقطوعة مخصصة للاغتراب اللبناني لما له من أهمية قصوى بالنسبة للمقيمين. وهناك مقطوعة ستبرز من خلالها موهبة الشباب الموسيقيين، حيث ستعزف شابتان موهوبتان إلى جانب آخرين، تفاؤلاً بالجيل الجديد الذي أريد أن تفتح له قلعة بعلبك مسرحها. وسينتهي الحفل بمقطوعة من السمفونية التاسعة لبيتهوفن الذي كان يفترض أن تحتفي المهرجانات به هذه السنة لولا الجائحة، وذلك بمناسبة مرور 250 سنة على ولادته. ويشارك أيضاً الفنان رفيق علي أحمد في هذا الحفل الذي سينطوي على شعر وعرض لصور وأفلام سنراها على جدران القلعة.
وعلى أي حال، فإنّ لجنة مهرجانات بعلبك تعمل كخلية نحل، لإنجاح ما تعتبره حدثاً استثنائياً، سيفرح قلوب اللبنانيين والعرب أيضاً.
الحفل من إنتاج مهرجانات بعلبك الدولية، وتشارك فيه أسماء كبيرة، مثل مدير التصميم، جان لوي مانغي، والمخرج باسم كريستو، كما يعمل في كواليسه العديد ممن لم يُعلن عن أسمائهم بعد.
وتشدد دوفريج على أنّ إبقاء الثقافة حيّة، هو أمر رئيسي بالنسبة للبنان، والجميع يعمل من أجل هذه الهدف. ومهما كان الوضع، فإنّ الفنانين هم عصب البلاد ويجب أن يبقوا كذلك. والتكاتف الحاصل حالياً هو أكبر دليل على أنّ صعوبة الظروف، لن تفتّ من عضد اللبنانيين «ونحن أردنا من هذا التّعاون أن يكون رسالة وحدة، وتضامن وأمل، لجميع اللبنانيين الذين يعانون هذه الأيام، لنقول لهم إن الأزمة عابرة والفن باقٍ، وبمشاركتنا معاً سنتجاوزها بفرح وإبداع».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».