تراجعت الضغوط الكبرى على القطاع الصحي في روسيا، مع استقرار الوضع في معدلات الانتشار، والارتفاع الملموس في معدلات التعافي خلال الأسبوعين الأخيرين. لكن تجاوز الأزمة في أصعب حالاتها خلال شهر مايو (أيار) الماضي، لا يعكس وفقاً لمعطيات رسمية روسية انتهاء مشكلة النقص الحاد في التجهيزات وفي الكوادر الطبية المؤهلة، وهي مشكلة برزت بشكل حاد في ظروف تفشي الوباء.
وأُثيرت سجالات كثيرة في روسيا، خلال الشهرين الماضيين، عن جذور المشكلة، كونها تعود إلى برامج إعادة بناء القطاع الطبي التي بدأت قبل سنوات، في إطار خطط الإصلاح التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين. وقد تم الاستغناء عن مئات الآلاف من العاملين في القطاع الطبي، وأعيد تأهيل المؤسسات الصحية بشكل قلّص من أعدادها كثيراً، في مقابل رفع رواتب الأطباء بشكل كبير. هذا البرنامج وصفه كثيرون عندما بدأ تفشي الوباء بأنه كان كارثياً، لأنه ترك البلاد عاجزة عن مواجهة خطر مفاجئ مثل انتشار فيروس كورونا.
واضطرت روسيا لاتخاذ خطوات عاجلة خلال الشهرين الماضيين، وبرز في كثير منها الارتباك والارتجال كما قال خبراء، لكن في المحصلة نجحت في حشد طاقات نحو نصف مليون متطوع من طلاب المعاهد الطبية والكوادر التي أُحيلت في وقت سابق إلى تقاعد مبكر، كما عملت على بناء عشرات المراكز الطبية. وعموماً، تمكنت البلاد من تجاوز ذروة الازمة، والآن «يلتقط القطاع الصحي أنفاسه قليلاً، في انتظار الموجة الثانية»، كما قال أحد البرلمانيين الروس أخيراً.
لكن هذا لا يعني أن المشكلة انتهت. فقد أعلن النائب العام الروسي إيغور كراسنوف في تقرير قدمه إلى المجلس الفيدرالي (الشيوخ) قبل أيام، أن «المشكلة الخطيرة ما زالت تتركز في النقص الكبير في العاملين الطبيين. وعلى سبيل المثال، لا تزيد نسبة الإشغال في المؤسسات الطبية في منطقة كورغان على 40 في المائة، فيما لا تتجاوز نسبة إشغال طواقم التمريض والأطباء 61 في المائة». وزاد أنه «في السنوات السابقة، برز التأثير السلبي على توقيت وجودة الرعاية الطبية وإمكانية الوصول إليها. لكن في الظروف الحديثة، تم الكشف عن هذه المشاكل بشكل أوسع وأكثر حدة». وقال إن الإجراءات العاجلة التي تم اتخاذها لتعزيز نظام الرعاية الصحية الروسي سمحت بالتعامل مع العبء المتزايد، لكنه أقر بأنه «لا يتم توفير الخدمات على المستوى المناسب في كل المناطق».
ووضع النائب العام الروسي يده على جانب مهم من المشكلة، لكن ثمة جانباً آخر كشفته آللا سامويلوفا، مديرة مصلحة الرقابة وحماية المستهلك، يتعلق بوضع العاملين في المؤسسات الطبية. إذ قالت في مؤتمر افتراضي عقد أخيراً وكان مخصصاً لـ«يوم العامل الطبي في روسيا»، إن 489 كادراً طبياً توفوا بسبب فيروس كورونا. يبدو الرقم لافتاً، لأن هذا يعني أن نسبة الوفيات في القطاع الطبي بالنسبة إلى عدد الوفيات الإجمالي في البلاد تصل إلى نحو 7 في المائة، وهو رقم كبير إذا قورن بنسبة الوفيات العامة جراء كورونا التي لا تزيد على 1.3 في المائة في روسيا. وأقرّت سومويلوفا بأن روسيا «لم تكن مستعدة تماماً لمواجهة الوباء»، والخطير أن «معدات الحماية الشخصية للأطباء وطواقم التمريض كانت نادرة». وأضافت المسؤولة أن «الشكاوى ما زالت تتواصل من أن الأطباء لا يتم تزويدهم بمعدات الوقاية الشخصية، أو لا يتم إخضاعهم لفحوص دورية».
في بداية الشهر الحالي، ثار سجال بسبب قيام فريق شمل أطباء وخبراء طبيين ورؤساء مؤسسات تطوعية، بتوجيه رسالة إلى نائب رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا ووزير الصحة ميخائيل موراشكو، تضمنت «طلب اتخاذ تدابير عاجلة بسبب نقص معدات حماية الأطباء». وتوصل مسح أجرته مؤسسة نقابية إلى استنتاج مفاده أنه «في نصف الحالات تقريباً، لا تستخدم المؤسسات الطبية خوارزمية واضحة لحساب الحاجة إلى معدات الوقاية الشخصية». كما «يخشى جزء كبير من المجيبين التحدث بصراحة عن نقص المستلزمات». وقد وصف 43 في المائة من الأطباء الذين شملهم الاستطلاع هذا الموضوع بأنه «خطير ومحفوف بالمخاطر لأي تعليق ومناقشة».
عموماً، لم تنشر روسيا أرقاماً رسمية حول عدد ضحايا «كورونا» بين الطواقم الطبية، والمعلومات الأساسية يتم الحصول عليها من «لوحة الشرف»، وهي منصة رقمية تتضمن لائحة يقوم العاملون في المهنة بإضافة أسماء زملائهم الذين توفوا بسبب المرض إليها. وحتى نهاية الشهر الماضي، كان يوجد في هذه القائمة أسماء 444 عاملاً طبياً من روسيا، و61 اسماً من جنسيات مختلفة أخرى غالبيتهم من دول الرابطة المستقلة.
كوادر روسيا الطبية تلتقط أنفاسها بانتظار الموجة الثانية
كوادر روسيا الطبية تلتقط أنفاسها بانتظار الموجة الثانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة