نزوح عكسي من بيروت إلى الأرياف لمواجهة الأزمة الاقتصادية

القطاع العقاري في بيروت يشهد تراجعاً كبيراً في البيع والإيجار (الوكالة المركزية)
القطاع العقاري في بيروت يشهد تراجعاً كبيراً في البيع والإيجار (الوكالة المركزية)
TT

نزوح عكسي من بيروت إلى الأرياف لمواجهة الأزمة الاقتصادية

القطاع العقاري في بيروت يشهد تراجعاً كبيراً في البيع والإيجار (الوكالة المركزية)
القطاع العقاري في بيروت يشهد تراجعاً كبيراً في البيع والإيجار (الوكالة المركزية)

بداية العام الحالي وبسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، اضطر اللبناني «فؤاد» (56 عاماً) لإقفال متجره الذي كان مصدر رزقه الوحيد في بيروت. ولأنه لم يعد يتحمّل دفع إيجار منزله في الضاحية الجنوبية للعاصمة، قرّر الانتقال إلى خارجها، والتوجه جنوباً حيث استأجر منزلاً بنصف إيجار المنزل الذي كان يستأجره في العاصمة.
«الحياة هنا أقل كلفة، وكلّ شيء متوافر، العاصمة لم تعد للفقراء»، يقول فؤاد لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أنّه حتى لو اضطر ابنه الذي يعيش معه للعمل في بيروت، أي التوجه يومياً إلى العاصمة، يبقى الأمر أقل كلفة، هذا طبعاً مع احتمال أن يجد ابنه عملاً في مكان قريب من المنزل في الجنوب، فهو أستاذ للصفوف المدرسية العليا وهناك الكثير من المدارس في المنطقة.
فؤاد وعائلته ليسا حالة فردية، فالكثير من العائلات وبعدما لجأت إلى قراها بسبب «كورونا» وما تبعه من حال تعبئة عامة، أصبحت بيوت القرى بالنسبة إليها أكثر راحة لما توفره من مساحات أوسع، فقرّرت الاستقرار فيها وترك العاصمة نهائياً في هجرة معاكسة، تماماً كما تخطّط عائلة محمود نجم. نجم وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أوضح أنّ عائلته التي انتقلت من بيروت إلى القرية بسبب الأوضاع الاقتصادية وحال التعبئة العامة التي اضطرت والده للعمل يومين فقط في الأسبوع، باتت تفكّر جدياً بالاستقرار في القرية على الرغم من أنّ منزلها في بيروت ملك لها، أي أنها لا تضطر لدفع الإيجار، إلّا أن كلفة المعيشة في القرية تبقى أقل بكثير. وبدأت حالة النزوح العكسي أي من العاصمة إلى القرى مع احتجاجات 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولكن الأمر لم يكن بهدف الاستقرار هناك، نظراً لارتباط الناس بالمدارس والوظائف، ولكن مع إعلان حال التعبئة العامة بسبب «كورونا» ومن ثم إنهاء العام الدراسي ومع ما رافق ذلك من خسارة العديد لوظائفهم أو تحولهم للعمل من المنزل، تحوّل ما كان مؤقتاً إلى دائم بالنسبة للكثير من المواطنين، حسبما رأى خالد ترمس صاحب «ترمس غروب العقارية».
وقال ترمس لـ«الشرق الأوسط» إنّ الطلب على الإيجارات وبيع الشقق في بيروت قلّ خلال الفترة الماضية بشكل كبير وبنسبة تصل إلى 80%، وفي المقابل زاد بشكل لافت الطلب على الإيجارات والشراء خارج العاصمة جنوباً أو جبلاً أو شمالاً.
وشرّح ترمس في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنّ هذا الأمر أثّر بطبيعة الحال على أسعار العقارات استئجاراً وبيعاً، فإيجارات المنازل في بيروت انخفضت بطريقة غير مباشرة، إذ أصبح المستأجر يدفع بالليرة اللبنانية (التي انهار سعرها مقابل الدولار ليبلغ في السوق السوداء 5 آلاف ليرة فيما سعره الرسمي 1515 ليرة)، أو بطريقة مباشرة إذ اضطر عدد من أصحاب الشقق إلى خفض الإيجار ولو بنسبة لا تزال قليلة بسبب الطلب الذي بات قليلاً جداً مقارنةً بالعرض، فلم يعد باستطاعة صاحب الملك فرض شروطه كالسابق على المستأجر. وفي مقابل انخفاض الإيجارات في بيروت، شهدت إيجارات الشقق خارجها ارتفاعاً ملحوظاً، ويشير ترمس إلى أنّ هذ الارتفاع لا يزال بسيطاً. ففي الأرياف مثلاً، ارتفعت إيجارات الشقق من 300 ألف ليرة (200 دولار على سعر الصرف الرسمي) إلى 350 ألفاً.
أما عن سعر شراء المنازل في بيروت، فرأى ترمس أنّه حتى اللحظة لا يمكن الحديث عن انخفاض وذلك لأنّ هناك إحجاماً عن البيع والشراء، فالمالك لن يبيع شقته بالدولار على أساس الـ1500. والشاري إن وجد فلن يشتري على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، مؤكداً أن سوق شراء الشقق في بيروت ضعيف جداً حالياً ومن يشتري في الغالب لا يدفع نقداً بل بـ«شيك مصرفي».
النزوح العكسي من العاصمة إلى القرى كان واضحاً في الأشهر الماضية، إلّا أنه من المبكر الحسم إن كان سيكون دائماً أو مؤقتاً، حسبما يرى الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين.
وقال شمس الدين لـ«الشرق الأوسط» إنّ توجه الكثيرين إلى القرى في الأشهر الماضية وبقاءهم هناك حالياً مرتبط بموضوع «التعبئة العامة» وموسم الصيف، وقد يتغيّر الوضع مع انتهاء الموسم، ولكنّ هذا لا ينفي أنّ التوجه للسكن خارج بيروت قد يكون حلاً يسهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية على الكثيرين، لا سيّما من يملك بيتاً في قريته، مضيفاً أنّ الأمر ينطبق أيضاً على من لا يملك بيتاً في قريته، فالإيجارات بالقرى وكلفة المعيشة بشكل عام أقل مما هي عليه في بيروت.
ورأى شمس الدين أنّه «في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة وتراجع المداخيل بالنسبة للكثير من العائلات سنشهد توجهاً أكبر نحو القرى كحلول فردية للاستمرار في ظلّ الوضع الاقتصادي الراهن»، مستبعداً أن يتحول الموضوع إلى خطة مدروسة من الحكومة، فتماماً كما كان النزوح إلى العاصمة من دون خطة حكومية ستكون العودة إلى القرى، وهذا الأمر سيتبلور خلال الأشهر القليلة القادمة.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.