«الفصول الأربعة» تبعث إيطاليا متعافية

بالتعاون مع أوركسترا «سانتا تشيشيليا» وبقيادة نجمة الكمان العالمية آنا تيفو

أوركسترا «أكاديمية سانتا تشيشيليا» بقيادة العازفة آنا تيفو
أوركسترا «أكاديمية سانتا تشيشيليا» بقيادة العازفة آنا تيفو
TT

«الفصول الأربعة» تبعث إيطاليا متعافية

أوركسترا «أكاديمية سانتا تشيشيليا» بقيادة العازفة آنا تيفو
أوركسترا «أكاديمية سانتا تشيشيليا» بقيادة العازفة آنا تيفو

لن ينسى العالم صور إيطاليا وهي في شلل تام. ولن ينسى كذلك صور الجثث المنقولة على شاحنات عسكرية تكاد تشتم منها رائحة الموت أينما كنت. مسّت هذه الصور العالم أجمع وجعلته يرتجف خوفاً وحزناً.
«كوفيد 19»، الذي انطلق من الصين وأودى بحياة آلاف الأرواح، ظل في البداية مجرد فيروس آسيوي قاتل، واعتقدت الغالبية أنّه بعيد جغرافياً، ولم يتوقّعوا أو تسول لهم نفسهم أنّه سينتقل بهذه السرعة إلى القارات الثلاث؛ أوروبا وأفريقيا وأميركا.
بات الفيروس حقيقة مرعبة عندما وصل إلى إيطاليا واجتاح مدنها، مُودياً بحياة نحو 32 ألف شخص، عندها فقط، أثار الرعب في النفوس وزعزع كل كيانات إيطاليا الإنسانية والثقافية والفنية.
منذ أسابيع فقط، وبعد أكثر من شهرين على الإغلاق ورائحة الموت، عادت أصوات الصلوات والترانيم في كاتدرائية القديس بطرس في روما، وفتحت المقاهي والمتاجر أبوابها لتدب الحياة فيها من جديد، بتدرج ووجل.
ولأنّ الإيطاليين مولعون بالفنون، فإنّهم يعرفون تمام المعرفة أنّ أرواحهم لن تعود إلى سكينتها ولن ينسوا صور ضحايا الفيروس، إلا بالفنون. وبالفن وحده سيستعيدون إيقاع الحياة من جديد.
الحفل جاء ثمرة تعاون بين دار «فندي» للأزياء و«أكاديمية سانتا تشيشيليا الوطنية»، وهي أقدم أكاديمية موسيقية في العالم، يعود تاريخها إلى عام 1585، لتنظيم حفل موسيقي فريد من نوعه، من منطلق أن الموسيقى أجمل وأسرع وسيلة لشفاء الروح.
وهكذا كان؛ فمنذ يومين، استمتع سكان روما بحفل مباشر في الهواء الطلق، سُجّل ليُبثّ على موقع باسم «نهضة روح الكون» الذي لخص فكرته وأهدافه، علماً بأن اختيار مجموعة «الفصول الأربعة» وتحديداً كونشيرتو «إيستاتي» لأنطونيو فيفالدي لم يكن عبثياً. فعندما ألف فيفالدي هذه الموسيقى في عام 1723 كان يريدها أن تكون احتفالاً بتغير الفصول الأربعة ودورة الحياة بكل تغيراتها ومفاجآتها. فكما أن هناك برداً قارصاً وجموداً في الشتاء، وأغصاناً متناثرة في الخريف، هناك ورود مزهرة ومتفتحة في الربيع، وشمس دافئة في الصيف. من هذا المنظور، كان اختيار أول يوم من أيام التوقيت الصيفي لبث الحفل، مهمّاً لدلالاته، وأهمها أنّه إيذان ببداية جديدة تتضمن مشاعر الأمل بغد أفضل، وبأنّ الحياة لا تتوقف. وهذا ما ترجمه أوركسترا «أكاديمية سانتا تشيشيليا» بقيادة نجمة الكمان العالمية آنا تيفو، التي ظهرت بثلاثة فساتين مختلفة من تصميم الدار.
قالت تيفو إنّها صممتها في ورشاتها الرومانية بدقتها المعهودة لتعكس فنيتها وتاريخها العريق، وأيضاً لأن تعاونها مع أقدم أكاديمية موسيقية في التاريخ، فرض عليها أن تأتي بهذه الفنية الرومانية بالصوت والصورة. فالحياة يجب أن تستمر، وحياة بلا فنون أو جمال لا تستحق العيش، حسب كل من دار الأزياء والأكاديمية الموسيقية، لهذا كان الحفل بمثابة رسالة حب تعلن ولادة؛ أو بالأحرى نهضة جديدة بعد الجائحة. فالصيف، من خلال كونشيرتو «إيستاتي»، يفيض حيوية ورغبة في الحياة والغرف من متعها قبل أن يأتي الخريف مقدمةً لشتاء قارص، يعصف بالأزهار وتمحو أمطاره آثار الألفة والحميمية.
لهذا السبب؛ اختارت الأكاديمية هذا الكونشيرتو تحديداً من مجموعة «الفصول الأربعة». فهو خاص بفصل الصيف، وبالتالي أكثر ما يعبر عمّا يحتاجه المرء من تآلف وتقارب بعد أشهر من العزلة المفروضة. إسقاطات جسدتها صور الحفل عبر كل مراحله. فقد بدأ فجراً تحت أقواس «قصر بالازو ديلا سيفيلتا إيطاليانا»، المقر الرئيسي للدار، وكل عازف يعزف على كمانه وحده، لينتقل كل واحد منهم، أيضاً بشكل فردي، إلى سطح المقر، قبل أن نراهم يتقاربون بالتدريج معاً على شرفات المنازل. فجأة تتغير صورة الوحدة والانعزال ليكون التلاقي ويكوّنوا أوركسترا تتصدره تيفو. وبعد غروب الشمس، ينتقلون إلى ساحة «الكولوسيوم» لعزف آخر مقطوعة من «إيستاتي».
يذكر أن الحفل نظم بشكل يحترم معايير السلامة المفروضة حالياً بسبب فيروس «كورونا» المستجد، فكان في الهواء الطلق وبابتعاد كل عازف عن الآخر بنحو مترين في كل مرحلة من الحفل.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.