شبهات هدر المال العام تحيط بمشروع معمل للكهرباء في لبنان

TT

شبهات هدر المال العام تحيط بمشروع معمل للكهرباء في لبنان

أعاد ربط رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، ملف معمل سلعاتا بقرارين سابقين لمجلس الوزراء يتعلقان بالخطة، فتح ملف هذا المعمل الذي تعارض إنشاءه معظم القوى السياسية، وسط تبادل للاتهامات والتراشق السياسي. ولا يقتصر مخطط إنشاء المعمل على التداعيات السياسية المحلية، رفضاً لتعميم فكرة «فيدرالية الكهرباء»، وتكليف الخزينة مبالغ باهظة تترتب على الاستملاكات، إذ إن له تداعيات على العلاقة مع المجتمع الدولي الذي يصر على عصر النفقات لتجاوز الأزمة السياسية.
وتبرز صعوبة قبول المؤسسات الدولية بهذا المخطط، وتؤكد مصادر سياسية أن «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» لا يمكن أن يوافقا عليه، خصوصاً مع الشبهات التي تحوم حوله، المرتبطة بالشفافية، وتعهدات الحكومة بالإصلاح وعصر النفقات، فضلاً عن أنه «لا حاجة ملحة لهذا المعمل، والاستملاك لإنشائه، في ظل وجود بدائل تتمثل في معمل الزهراني ومعمل دير عمار».
يضاف إلى ذلك الهدر الذي يترتب على دفع التكاليف مرتين، بالنظر إلى أن الدولة اللبنانية استملكت عقارات منذ عام 1978 في بقعة جغرافية متاخمة للموقع المفترض لتشييد معمل سلعاتا، تبعد عنها 2.5 كيلومتر، قبل أن تطرأ تطورات في عام 2012 على الملف، ينظر إليها بعضهم على أنها «ملتبسة»، و«تمهد وتبرر لاستملاكات جديدة».
ويقول المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، غسان بيضون، إن الدولة اللبنانية في أيام الرئيس الراحل إلياس سركيس كانت عازمة على تشييد معمل للكهرباء في منطقة حامات في البترون (شمال لبنان) المجاورة لسلعاتا، واستملكت عقارات في عام 1978 لبناء معمل كهرباء. وفي عام 1989، انتهت المهلة القانونية لاسترداد هذه العقارات من قبل أصحابها، ونقلت شركة «كهرباء لبنان» ملكيتها إلى اسمها في الدوائر العقارية، بحسب المادة القانونية (33) من قانون الاستملاك. لكن في عام 2012، بدأت تظهر تطورات طارئة غير محسوبة. ويشرح بيضون لـ«الشرق الأوسط» أنه «في 2012، أُعلِن عن وجود آثار دينية وسط هذه العقارات، وأقيمت دعاوى استرداد في القضاء اللبناني، بت بها بالاسترداد فيما بعد، وصدرت أحكام لصالح أصحاب عقارات أخرى، رغم مرور أكثر من 20 عاماً على المهلة القانونية للاسترداد». كما أعادت شركة كهرباء لبنان لوزارة البيئة عقاراً لتخزين محولات فيها مواد مضرة للبيئة.
ولدى استرداد العقارات، لم يُعرف إذا ما كان أصحاب العقارات قد أعادوا لـ«كهرباء لبنان» الأموال التي تقاضوها نظير عقاراتهم السابقة، بناء على تخمين أسعار العقارات الجديد في عام 2012، بحسب ما ينص عليه القانون، وهو جانب قانوني يجب أن تعلنه «كهرباء لبنان».
وتقول مصادر سياسية متابعة إن الأرض الجديدة المعدة لإنشاء المعمل «غير مستوفية للشروط البيئية والسلامة العامة»، وهو مثار احتجاج البلدية. ويقول بيضون إن «سير الحكومات بمذكرات التفاهم وبعض الشركات الكبرى لإنشاء معامل هو أصلاً خروج عن خطة 2010 للكهرباء، ويضع المبادرة في الاختيار للعارض، إضافة إلى أنه يتجاهل القوانين والأنظمة المرعية الإجراء»، ويسأل: «أين قانون الشراكة مع القطاع الخاص؟ وأين القانون (129 على 2019) لتلزيم معامل الإنتاج؟ وعلى أي أساس يمكن أن يتم التلزيم عن غير طريق المناقصة العمومية؟».
ويرى بيضون أن «أخطر ما يحصل اليوم بشأن التزام الحكومة بخطة 2019 ليس فقط في عدم وجود حدود واضحة في هذه الخطة المتحولة، وما تخفيه بين سطورها، ولا في إطلاق يد وزير الطاقة في التفاوض، وفي وضع دفاتر الشروط، وإشراك فريق عمله في عمل هو من صلب اختصاص إدارة المناقصات»، مشيراً إلى أن «الأخطر هو عدم مراعاة التطورات والتداعيات الخطيرة التي استجدت على مستوى الانهيار المالي الذي أصاب الدولة والمصارف، وزعزع ثقة القطاع الخاص الداخلي والخارجي بإمكانية توفر التمويل واسترداد أمواله المستثمرة».
ويرى بيضون «أننا بحاجة لإعادة النظر بخطة الكهرباء من أساسها، وليس بمعمل سلعاتا فقط».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».