عيد الموسيقى في لبنان «عالبلكون» بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي

بنديكت فينييه: المناسبة تجمع بين فن العمارة اللبنانية والأنغام

عيد الموسيقى في لبنان «عالبلكون» بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي
TT

عيد الموسيقى في لبنان «عالبلكون» بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي

عيد الموسيقى في لبنان «عالبلكون» بدعوة من المركز الثقافي الفرنسي

مشهدية عيد الموسيقى في نسخته الـ20 لهذا العام في لبنان ستحمل اختلافاً لافتاً. فالحدائق المعلقة على شرفات اللبنانيين، كما أسطح العمارات والحدائق الداخلية للمنازل ستتحول إلى منصات موسيقية تنشر الفرح.
ودعا المركز الثقافي الفرنسي في لبنان، الذي يأخذ على عاتقه تنظيم احتفالات العيد الذي يصادف 21 يونيو (حزيران) من كل عام، جميع اللبنانيين، من هواة ومحترفين، إلى عزف الموسيقى من أماكن إقامتهم، وفي الهواء الطلق تحت عنوان «عالبلكون» (الشرفة بالفرنسية).
وفي ظل الجائحة التي تفرض عدم التخالط الاجتماعي، ستغيب الحفلات الغنائية والموسيقية عن مسارح وساحات بيروت ومناطق لبنانية أخرى، كانت على موعد دائم مع هذه المناسبة منذ 19 عاماً حتى اليوم.
وتعلق بنديكت فينييه الملحقة الثقافية والفنية في المركز الثقافي الفرنسي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الضروري التمسك بهذا العيد والاحتفال به في زمن (كورونا). ففي ظل الجائحة والتباعد الاجتماعي اكتشف الناس أموراً كثيرة لم يكونوا يتنبهون لها من قبل، وأنا من بينهم. فمنذ وصولي إلى لبنان منذ نحو سنتين لم أتعرف إلى أحياء بيروت وأزقتها، كما في أيام الجائحة. فلفتتني الهندسة المعمارية المشبعة بالتراث والعراقة. وكذلك الشرفات المزروعة بالزهور والورود. والإقفال التام الذي شهده لبنان كغيره من بلدان العالم ولّد بيئة نظيفة، فصرنا نستمتع بسماع زقزقة العصافير مثلاً. كل ذلك أسهم في إقامة عيد الموسيقى هذه السنة من أماكن خاصة ستتحول في المناسبة إلى عامة مشتركة يتقاسم فيها اللبنانيون فرح العيد».
وتضيف بنديكت في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن اللبنانيون يستفيدون من هذه المساحات من قبل حتى أن بعضهم لم يخطر على باله ارتشاف فنجان قهوة من على شرفته، أو في حديقته، لانشغالاته الكثيرة. ولكن في ظل الجائحة راحوا يبحثون عن متنفس لهم في الهواء الطلق، فتنبهوا لهذه الشرفات والحدائق التي تظهر فن العمارة اللبنانية العريقة، والتي لم يتوان البعض عن تحويلها إلى صالات مقفلة. من هنا جاءتنا الفكرة وقررنا التمسك بإقامة عيد الموسيقى، وربطه بالهندسة المعمارية البيروتية ليتخذ طابعاً تراثياً في الوقت نفسه».
وعن الكلمة التي ترغب في التوجه بها إلى اللبنانيين في هذه المناسبة، تقول في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المشاركة في عيد الموسيقى من (البلكون) ستكون بمثابة دلالة على مدى وحدة اللبنانيين ومؤازرة بعضهم في ظل الأزمات التي يمرون بها، في مقدمها الاقتصادية. صحيح أن هناك تباعداً اجتماعياً يطبقونه فيما بينهم، ولكن هذا في الوقت نفسه يقرّب المسافات فيما بينهم. وهو ما دفعهم للالتفات إلى بعضهم بعضاً، ولو حتى من خلال تحية بسيطة يتبادلونها مع جيرانهم من على شرفات منازلهم».
وأضافت: «أدعو اللبنانيين في مختلف المناطق اللبنانية التي كان المركز ينظم فيها حفلات موسيقية في هذه المناسبة على طول السنوات الماضية، أن يلبوا دعوتنا ويشاركوا في هذا العيد. وكل من مكان إقامته سيترجم هذا الاختلاف بطريقة الاحتفال، إن في البقاع وفي الشوف وعكار، أو في الجنوب والشمال وغيرها من المناطق اللبنانية».
وفي هذه المناسبة، قرر المركز الثقافي الفرنسي دعم 4 مواهب فنية لبنانية مادياً. وهي فرق «ريكلوز بلوز» و«كنيماتيك» و«بيل» والموسيقي كريم خنيصر. فتجمع أنواع موسيقى مختلفة من جاز وفوك وروك وغيرها. وتقدم هذه الفرق حفلات «أون لاين»، ابتداءً من الواحدة من بعد ظهر الأحد 21 الحالي. وتدعمها مراكز ثقافية وأشخاص يشجعون الموسيقى وهي «بيروت آند بيوند» و«ستايشن بيروت» والمنتجان أنطوني سمعان وميشال بوليكوفيتش.
من ناحية ثانية، وبمبادرة من المركز الثقافي الفرنسي في باريس، سيتمكن اللبنانيون من محبي متابعة احتفالات عيد الموسيقى في العالم الاطلاع على نشاطات 130 بلداً في هذا الإطار، وذلك من خلال البطاقة التفاعلية «ميلو».
كما يدعو المركز الثقافي الفرنسي جميع اللبنانيين من هواة ومحترفين لعزف الموسيقى، ومشاركتها ضمن مقاطع فيديو تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستخدمين هاشتاغ «عالبلكون» و«FDLMLIBAN ».
وتختم بنيديكت فينييه حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «سيحمل عيد الموسيقى هذه السنة رؤية مختلفة، لا سيما وأن سكان الكرة الأرضية بأجمعهم باتوا يتناولون الأمور بطريقة مغايرة تماماً عما اعتادوا عليها قبل الجائحة. وهذا الاختلاف سيترجم في عيد الموسيقى من خلال تحويل المساحات الخاصة إلى عامة يتشارك فيها اللبنانيون باحتفالات العيد كل على طريقته».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».