أنقرة تسعى لإنشاء مزيد من القواعد في العراق رغم مطالبة بغداد بانسحابها

«الخارجية» العراقية استدعت السفير التركي للمرة الثانية... وسلمت السفير الإيراني مذكرة احتجاج

وزير الخارجية العراقي خلال لقائه السفير التركي (تويتر)
وزير الخارجية العراقي خلال لقائه السفير التركي (تويتر)
TT

أنقرة تسعى لإنشاء مزيد من القواعد في العراق رغم مطالبة بغداد بانسحابها

وزير الخارجية العراقي خلال لقائه السفير التركي (تويتر)
وزير الخارجية العراقي خلال لقائه السفير التركي (تويتر)

كشف مسؤول تركي، أمس (الخميس)، عن أن تحركات بلاده العسكرية الأخيرة في شمال العراق تستهدف إقامة مزيد من القواعد «المؤقتة» لتركيا في شمال العراق من أجل ضمان أمن حدودها من هجمات «حزب العمال الكردستاني»، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية تدمير 500 هدف للحزب في إطار العملية البرية «المخلب - النمر» التي انطلقت أول من أمس، في حين قتل 4 عمال أتراك في هجوم نفذه «العمال الكردستاني» في شيرناق جنوب شرقي البلاد.
في غضون ذلك؛ استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد فاتح يلديز للمرة الثانية خلال 72 ساعة وأبلغته احتجاجاً شديد اللهجة على الضربات التي تشنها القوات التركية في شمال العراق، مطالبة بانسحاب القوات التركية.
ونقلت «رويترز»، أمس، عن مسؤول تركي، لم تسمّه، أن بلاده تعتزم إقامة مزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق بعد أن كثفت ضرباتها ضد المقاتلين الأكراد هناك، مشيراً إلى أن هذه الجهود ستضمن أمن الحدود.
وكانت مصادر تركية كشفت، أول من أمس، عن إقامة قاعدة عسكرية مؤقتة في كردستان العراق تدير من خلالها العمليات الجارية هناك.
ونفذت تركيا عمليتين منفصلتين في شمال العراق ضد «حزب العمال الكردستاني» يومي الأحد والثلاثاء؛ الأولى عملية جوية تحت اسم «المخلب - النسر»، والثانية عملية برية لا تزال مستمرة تحت اسم «المخلب - النمر» رداً على ما قالت إنه ازدياد هجمات المقاتلين الأكراد على قواعد الجيش التركي على الحدود بين البلدين.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، أن القوات التركية دمرت أكثر من 500 هدف لـ«حزب العمال الكردستاني» في الساعات الأولى من انطلاق عملية «المخلب - النمر» التي انطلقت داخل شمال العراق أول من أمس. وقالت الوزارة، في بيان أمس، إنه تم تدمير أكثر من 500 هدف خلال أول 36 ساعة من العملية العسكرية التي انطلقت بمنطقة حفتانين شمال العراق، بعد أيام قليلة على انطلاق عملية «المخلب - النسر»، باستخدام مقاتلات «إف16» وطائرات مسيرة والمدفعية وراجمات الصواريخ.
وأضافت أنه تم إنزال قوات من الكوماندوز التركية إلى المنطقة بالمروحيات، حيث قامت بتفكيك الألغام والمتفجرات، ودمرت الذخائر والمعدات التي تضبطها، ومقرات المسلحين من «حزب العمال الكردستاني»، في مناطق وعرة وأخرى يصل ارتفاعها إلى نحو 1900 متر، وسط غطاء جوي توفره الطائرات المسيرة التركية.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الذي تابع مع قيادات الجيش التركي العملية العسكرية من مركز العمليات في قيادة القوات البرية، إن عملية «المخلب - النمر» تسير بشكل جيد، معرباً عن أمله في أن يتم استكمالها بنجاح مع ضمان أمن العناصر المشاركة فيها.
وطلبت بغداد من أنقرة سحب قواتها من الأراضي العراقية و«الكف عن الأفعال الاستفزازية».
وقالت وزارة الخارجية العراقية إنه تم استدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلديز مجدداً إلى مقر الخارجية وتسليمه «مذكرة احتجاج شديدة اللهجة»، مضيفة أن «العراق يستنكر بأشد عبارات الاستنكار والشجب معاودة القوات التركيّة (أول من) أمس الأربعاء انتهاك حُرمة البلاد وسيادتها بقصف ومُهاجَمة أهداف داخل حُدُودنا الدوليّة». وأضافت: «نُؤكّد رفضنا القاطع لهذه الانتهاكات التي تُخالِف المواثيق والقوانين الدوليّة، ونُشدّد على ضرورة التزام الجانب التركي بإيقاف القصف، وسحب قواته المُعتدِية من الأراضي العراقية التي توغلت فيها (أمس) ومن أماكن وجودها في معسكر بعشيقة... وغيرها». وشددت على أن «الحكومة العراقيّة تؤكد أن تركيا كانت السبب في زيادة اختلال الأمن بالمنطقة الحُدُوديّة المُشترَكة فيما بيننا؛ إذ تسببت مبادرة السلام التي اعتمدتها مع (حزب العمال الكردستاني) بتوطين كثير من عناصر هذا الحزب التركي داخل الأراضي العراقية من دون موافقة أو التشاور مع العراق؛ مما دعانا إلى الاحتجاج حينها لدى مجلس الأمن».
ودعت وزارة الخارجيّة العراقية إلى «الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، والخروقات المرفوضة»، مطالبة الحكومة التركية بأن «تستمع إلى صوت الحكمة، وتضع حداً لهذه الاعتداءات». وأشارت إلى «احتفاظ العراق بحُقُوقه المشروعة في اتخاذ الإجراءات كافة التي من شأنها حماية سيادته وسلامة شعبه بما فيها الطلب إلى مجلس الأمن والمنظمات الإقليميّة والدولية النُهُوض بمسؤوليتها». ولفتت إلى أن «الوزارة استدعت السفير التركي لدى العراق قبل يومين وسلمته مُذكّرة احتجاج على خُرُوقات سابقة ارتكبها الطيران التركي، وبمُقتضى السياقات الدبلوماسية الاحترافية يُفترَض على السفير أن يكون قد نقل المُذكّرة إلى حُكُومته، وأبلغها بفحوى الاجتماع». وقالت إن «مَهمّة السفير هي تطوير العلاقات لا العكس، وقد أوضحنا له حُدُود دوره سابقاً وكذلك اليوم».
في سياق متصل، أعلن مكتب والي شيرناق جنوب شرقي تركيا أن 4 عمال لقوا حتفهم عندما فجر مسلحون تابعون لـ«حزب العمال الكردستاني» عبوة ناسفة أصابت شاحنة صغيرة لدى مرورها في الولاية ذات الغالبية الكردية، ليل أول من أمس الأربعاء.
وأضاف مكتب الوالي، في بيان، أن الانفجار وقع في منطقة سلوبي قرب الحدود مع العراق وسوريا بينما كانت الشاحنة تنقل الوقود الذي يستخدمه عمال إنشاء الطرق، ونتج عن قنبلة زرعها وفجرها مسلحو «حزب العمال الكردستاني».
وقالت وزارة الدفاع، في بيان عبر «تويتر»، أمس، إنها «لن تترك ما حدث في شيرناق يمر، وستنتقم من الإرهابيين وستواصل محاسبتهم في مخابئهم».
من جهة أخرى، استدعت وزارة الخارجية العراقية، أمس (الخميس)، السفير الإيراني في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج على القصف المدفعي الإيراني الذي تعرضت له قرى حدودية وما تسبب به من خسائر مادية، وأضرار بالممتلكات، علاوة على بث الخوف بين الآمنين من سكان تلك المناطق.
وأكدت وزارة الخارجية، في بيان عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أمس (الخميس)، حرص العراق على ديمومة وتنمية العلاقات التاريخيّة بين البلدين.
وشددت على «إدانة هذه الأعمال، وأهمّية حرص الجانب الإيراني على احترام سيادة العراق والتوقّف عن القيام بمثل هذه الأعمال، وتحرّي سُبُل التعاون الثنائي المُشترَك في ضبط الأمن، وتثبيت الاستقرار على الحُدُود المُشترَكة».



الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.


الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
TT

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وسع الاعتراف الإسرائيلي بـ«جمهورية أرض الصومال» من أهداف حركة «الشباب» الإرهابية، بإعلان استعدادها لـ«حرب تل أبيب في هرجيسكا»، وسط تساؤلات حول إمكانية تعاون الحركة مع حكومة مقديشو في المستقبل.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة إسرائيل سوف تعطي ذرائع لـ(الشباب) عبر إعادة النشاط واكتساب بيئة حاضنة ومتطوعين جُدد». لكن الخبراء استبعدوا أي «تعاون بين الحركة الإرهابية والحكومة الصومالية».

ويكثف الجيش الصومالي منذ أكثر من عام عملياته العسكرية ضد عناصر «الشباب»، ونجح خلال الأشهر الأخيرة في استعادة السيطرة على مناطق عدة كانت تحت سيطرة الحركة، خصوصاً في وسط البلاد... وتؤكد وزارة الدفاع الصومالية أن «العمليات ضد الإرهابيين سوف تستمر حتى يتم القضاء عليهم بشكل كامل في جميع محافظات البلاد».

الخبير العسكري، رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سوف يوسع أهداف حركة «الشباب»؛ ورغم أن هذه التنظيمات لا تضع إسرائيل هدفاً أول؛ لكن فكرة وجود إسرائيلي حتى عبر «اعتراف» أو تجارة تكون جاذبة لمثل هذه التنظيمات، من أجل اكتساب بيئة حاضنة، ومتطوعين جٌدد، لذا فالحركة تعلن توسيع النشاط ضد إسرائيل.

وأضاف أن حركة «الشباب» موجودة في إقليم «بونتلاند» الملاصق لـ«صوماليلاند» وموجودة في جنوب الصومال بكثافة، وفكرة الانتقال إلى «أرض الصومال» قد تبدو محتملة في ظل وجود سيولة حدودية، فمن الممكن أن تنتقل عناصر الحركة. ولم يستبعد راغب أن «تمنح هذه التطورات فرصة للحركة للتنقل عبر دول أخرى من خلال توسيع العمليات، لأنها فرصة لها».

تصاعد الدخان بالقرب من مجمع قصر الرئاسة بالصومال عقب انفجارات في مقديشو يوم 4 أكتوبر الماضي (رويترز)

الجانب الدعائي

خبير الأمن الإقليمي، رئيس مركز «السلام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور أكرم حسام، قال إن «الاعتراف الإسرائيلي سوف يعطى ذرائع أو حجج لـ(الشباب) التي تواجه في الفترة الأخيرة ضغوطاً كبيرة، خصوصاً من قِبَل القوات الدولية التي تم تشكيلها لمواجهة الحركة». وشرح: «بالفعل الحركة تعرضت لتقويض كبير لدورها خلال الفترة الأخيرة، وانحصرت عملياتها في نطاقات محدودة خلال العامين الماضيين»، لافتاً إلى أن «خطوة إسرائيل سوف تدفع الحركة لإعادة تنشيط دورها في منطقة القرن الأفريقي».

ملمح آخر تحدث عنه حسام بأن «اعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال) سوف يعطي مساحة للحركة في الجانب الدعائي الخاص بمسألة التجنيد، ولمّ الصفوف مرة أخرى، وتوحيد الجهود ووضع أهداف جديدة تبدو براقة لبعض العناصر المتطرفة المتمركزة في منطقة القرن الأفريقي أو القريبة منها».

وفي تقدير حسام فإن «تهديد الحركة بإعلان استعدادها لـ(الحرب) ضد إسرائيل في الإقليم الانفصالي (أرض الصومال) قد يواجه صعوبة كبيرة لتنفيذ هذه التهديدات»، لكن سيبقى الأثر في الجانب الدعائي فقط والسياسي والبحث عن أنصار وداعمين جدد».

وتعهّدت «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بمواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، وقالت في إفادة، السبت، «لن نقبل بذلك، وسنحاربه». وحسب «الشباب» فإن اعتراف إسرائيل بـ«جمهورية أرض الصومال» أظهر أنّها «قررت التوسع إلى أجزاء من الأراضي الصومالية».

ضباط شرطة صوماليون يسيرون على طول حاجز وسط الطريق خلال دوريتهم بمقديشو في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

تعاون مستبعد

حول التعاون المستقبلي بين حكومة مقديشو و«الشباب». استبعد راغب أن «يحدث أي تعاون بشكل صريح بين الحركة ودولة الصومال، لأنه لو حدث فإن ذلك يدين الصومال، ولن تخرج مقديشو إطلاقاً وتعلن أنها تتعاون مع الحركة»؛ لكنه لم يستبعد أن يكون هناك عمل سري صومالي عبر خلايا تعمل داخل إقليم «أرض الصومال» ترفع شعارات حركة «الشباب» أو تنظيم «داعش» أو أي تنظيم آخر.

أيضاً حسام استبعد هذا الخيار بكل الأحوال، بقوله: «لن يكون هناك تعاون بين حركة إرهابية والحكومة الشرعية في الصومال»، لأننا هنا نتحدث عن مسار دولة تعمل من أجل التصدي للإجراء الإسرائيلي في «أرض الصومال». ويرى أن «تركيز الحكومة الصومالية حالياً وفي المستقبل سوف ينصب على الجهد الدبلوماسي لعدم توافر إمكانات أخرى لمواجهة هذا الأمر».

وقال حتى فيما يتعلق بمسألة «الخيارات الصلبة أو العنيفة» التي يمكن أن يتخذها الصومال تجاه «الإقليم الانفصالي» غير المعترف به، هذا أمر مستبعد، نتيجة للتحالفات الحالية التي تحظى بها «أرض الصومال» مع عديد من الدول والأطراف الداعمة، ولا ننسى الآن أن إسرائيل موجودة على الخط، وهناك محاولات لجر أميركا للوجود في «أرض الصومال» من خلال منح بعض القواعد العسكرية كما تم الحديث عنه من قبل، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، «لم يقطع بأنه لن يعترف بـ(أرض الصومال)، وأبقى المجال مفتوحاً للاعتراف مستقبلاً».

ويشار إلى أن الوضع الأمني في الصومال قد تدهور بشكل ملحوظ عام 2025. وأعلنت «الشباب» في مارس (آذار) الماضي مسؤوليتها عن انفجار قنبلة كادت أن تصيب الموكب الرئاسي. ومطلع أبريل (نيسان) الماضي أطلقت قذائف سقطت قرب مطار مقديشو. كما استهدف هجوم انتحاري في يوليو (تموز) الماضي أكاديمية عسكرية تقع جنوب العاصمة الصومالية.

وبداية أغسطس (آب) الماضي، شنت بعثة الدعم وإرساء الاستقرار التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال «هجوماً كبيراً» لاستعادة السيطرة على مدينة باريري في منطقة باس شابيل التي تبعد مائة كيلومتر غرب العاصمة الصومالية. وكانت باريري تضم قاعدة عسكرية كبيرة، وسقطت في أيدي «الشباب» من دون معارك في مارس الماضي، بعد انسحاب الجيش منها، وذلك إثر تدمير عناصر الحركة جسراً حيوياً لإيصال الإمدادات العسكرية.

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

مستقبل «الشباب»

عن مستقبل نشاط «الشباب». أكد سمير راغب أن «الحركة سوف تستمر في نشاطها، لأن الفكرة القائمة عليها الحركة أن تُحدث فوضى وتأثيرات في أي نظام سياسي تؤدي إلى ضعفه أو سقوطه، لأنها تريد أن تحكم»، وبالتالي «هي لن ترفع راية الوطنية بالحديث عن محاربة إسرائيل، لكن لديها فكرة دائمة في البحث عن (ضوء) فيُمكن أن تخفف في منطقة وتزيد في منطقة أخرى.

وحسب أكرم حسام فإنه «لا داع للربط بين مستقبل نشاط الحركة واعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال)، لأن الحركة لها دعائم للبقاء خلال الفترة الحالية والمستقبلية». وتابع: «كل طموحات الحركة تتركز حالياً في دولة الصومال، ولديها حواضن محلية قائمة على العشائر أو القبائل، ولديها مصادر تمويل تستطيع من خلالها ضمان القدرات المالية، والدليل على ذلك أنه رغم الحملة الدولية على (الشباب)»؛ فإن الحركة «تستطيع التعايش مع هذا الضغط من خلال الاحتماء بهذه الحواضن العشائرية».

وأفاد تقرير لـ«وكالة الأنباء الصومالية» (صونا) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «الفرقة الـ43 للجيش الوطني وقوات الكوماندوز الخاصة نفذت عمليات عسكرية مخططة في البلدات التابعة لمنطقة جمامي بمحافظة جوبا السفلى». وطبقاً للوكالة «تكبدت عناصر الحركة حينها خسائر فادحة جرّاء العمليات العسكرية الجارية؛ حيث تم طردها من تلك المناطق التي كانت تتحصن فيها». وذكرت «الوكالة» أن «العمليات العسكرية البرية ترافقت مع غارات جوية شنّها الجيش الوطني، وأسفرت عن تدمير أوكار الإرهابيين».