الأفراح في ديار اللبنانيين «غير عامرة»

«كورونا» ترك أثره الكبير على مناسبات الحزن ونقيضها

حفل عرس لبناني قبل جائحة {كورونا}
حفل عرس لبناني قبل جائحة {كورونا}
TT

الأفراح في ديار اللبنانيين «غير عامرة»

حفل عرس لبناني قبل جائحة {كورونا}
حفل عرس لبناني قبل جائحة {كورونا}

غيّر وباء كورونا خطط لبنانيين كثيرين كانوا ينوون إقامة حفلات زفافهم ضمن أجواء متوهجة، وبحضور المئات من المدعوين.
وفيما ألغت شريحة لا يستهان بها من العرسان مواعيد حفلات زفافها إلى أجل غير مسمى، فإنّ شريحة أخرى قرّرت المضي في مشروعها الحياتي إلى النهاية. فقدمت سعادتها ورغبتها في الارتباط على أي تقاليد اجتماعية أخرى كانت تحلم في تحقيقها على طريقتها.
وافتقد العرسان في ظل تطبيق البعد الاجتماعي الذي فرضه الوباء حشود المحبين الذين يحيطون بهم في صالات الأفراح. واقتصرت أدوات زينة العرس على باقات خجولة من الورد ومجموعة مدعوين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين. فالجائحة سرقت منهم أحلامهم ومشاريعهم التي كانوا يخططون لها قبل سنة على الأقل لإقامة حفل زفاف يليق بمعارفهم وأقاربهم. واقتصرت أزياء النساء المدعوات على فساتين سبق وارتدينها في مناسبات أخرى أو استعرنها من إحدى الصديقات. أمّا الماكياج وعملية تصفيف الشعر فتؤمن بواسطة حلاق نسائي واختصاصية تجميل يقصدان منزل العروس مباشرة، أو بزيارات خفية تقوم بها النساء إلى محل تصفيف الشعر لإنجاز هذه المهمة.
وبدل أن يتابع المدعوون مراسم الزواج مباشرة من مكان انعقاد المناسبة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت هذا الدور بامتياز. فالعروسان كانا يختاران شخصاً من معارفهما ليفتح اتصالاً إلكترونياً «فيديو كول» و«فيس تايم» و«سكايب» لنقل وقائع الحفل إلى باقي الأصدقاء والأقارب الذين منعهم مبدأ عدم التخالط الاجتماعي من حضور المناسبة مباشرة.
وتقول نانسي التي عقدت قرانها في كنيسة مار مارون في الأشرفية في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «طارت كل أحلامي وخططي لحفل زواجي الذي قررته في الأول من يونيو (حزيران) الجاري. وشعرت أن دموعي لن تتوقف وأنا أدخل باحة الكنيسة الفارغة من المدعوين والأحباء».
أمّا سمير الذي اضطر أن يأتي إلى لبنان في رحلة سفر خاصة من دولة خليجية يعمل فيها فيعلق: «لم نرغب أنا وخطيبتي بتبديل موعد الزفاف أو تأجيله، سيما أننا ننوي الالتحاق بعملنا في دبي. ولأن سارة علقت في بيروت قبل فترة أثناء تجهيزات العرس، فكان لا بد أن أوافيها ونعقد قراننا بهدوء بحضور والدينا والشاهدين إضافة إلى نحو 15 شخصاً من معارفنا».
وبالنسبة لداني صاحب أحد محال الزهور في الأشرفية الذي كان ينتظر موسم الصيف سنوياً لزيادة إيقاع عمله بشكل مضاعف عن الشتاء بفضل حفلات الزفاف فيعلّق: «انخفضت الطلبات على باقات الورود لتزيين حفلات الزفاف بنسبة 80 في المائة. وصار العرسان يكتفون بوضع باقة واحدة وتزيين 4 مقاعد فقط. وتطال زينة الورود سيارة العروسين وباقتي العروس والاشبينة فقط». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أما الباقات التي كنا نحمّلها في سيارات خاصة لإيصالها إلى مكان عقد القران، صرنا لأعدادها القليلة نوصلها (ديليفري) سيراً على الأقدام أو على دراجة نارية». ويختم: «خفّ عملنا تماماً رغم أنّ أسعار الزهور تشهد انخفاضاً لندرة طلبها».
وما يجري في حفلات الزفاف يصح أيضاً في مناسبات الأتراح. فحتى الحزن بات أكثر حزناً في لبنان. فعائلة الفقيد وجدت نفسها وحيدة تودع ابناً أو والداً أو والدة. حتى المقربين غابوا عن جنازة العمة والخالة والجدين بسبب عدم استقبال الكنائس والجوامع إلّا مجموعة صغيرة من المحزونين يتراوح عددهم بين 4 و10 أشخاص.
«كان الأمر قاسياً جداً علي إذ اضطررت وابنة أختي أن نكون الحاضرين الوحيدين لجنازة أختي ليلى. فاستغنينا عن تقبل التعازي واكتفينا بتلقي الاتصالات. وفي مراسم الدفن والصلاة التي أجريناها في بيروت بدلاً من قريتنا في الشوف، شعرت بحزن كبير. فشقيقتي رحلت من دون أن تُودّع على الأصول». تقول هدى لـ«الشرق الأوسط».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».