«ابنة الإغريق» تجدد الخلاف بين أثينا وكوبنهاغن

«فيتا» اسم يرتبط بدرجة كبيرة بتاريخ اليونان منذ 6 آلاف عام

جبنة {فيتا} لا تخلو منها مائدة يونانية ويتزاحم القادمون إلى أثينا لشرائها (الشرق الأوسط)
جبنة {فيتا} لا تخلو منها مائدة يونانية ويتزاحم القادمون إلى أثينا لشرائها (الشرق الأوسط)
TT

«ابنة الإغريق» تجدد الخلاف بين أثينا وكوبنهاغن

جبنة {فيتا} لا تخلو منها مائدة يونانية ويتزاحم القادمون إلى أثينا لشرائها (الشرق الأوسط)
جبنة {فيتا} لا تخلو منها مائدة يونانية ويتزاحم القادمون إلى أثينا لشرائها (الشرق الأوسط)

على الرغم من محاولة تقليدها وتصنيعها في بعض الدول الأخرى، فإن «فيتا» وهو الاسم الذي يطلق على الجبنة اليونانية البيضاء، لا تزال تتصدر المكانة الأولى في الطعم ولذة المذاق من دون منافس. فلا تخلو مائدة يونانية منها، ويتزاحم القادمون إلى أثينا لشرائها عند مغادرتهم بلاد الإغريق. وهي العمود الفقري أيضاً في طبق السلطة اليونانية المعروفة في اليونان باسم «خوريتكي سلاطا»، ودول العالم المختلفة (جريك سالاط)، فلا يخلو طبق سلاطة من قطعة كبيرة مستطيلة أو مربعة من هذه الجبنة توضع على الطبق وعليها زيت الزيتون والزعتر اليابس المفروك.
ووفق ما أعلنت وزارة الزراعة اليونانية أول من أمس، فقد فوضت اليونان الاتحاد الأوروبي لبدء إجراءات قانونية ضد الدنمارك، بسبب مزاعم الأخيرة أنها المنشأ الأول والأصلي لجبن الفيتا، وقالت الوزارة اليونانية في بيان «وافق وزير الزراعة على تفعيل الإجراءات القانونية التي اتخذتها المفوضية الأوروبية ضد الدنمارك لانتهاكها قوانين متعلقة ببلد المنشأ لمنتج معين». ويعتبر جبن الفيتا منتجاً يونانياً «رمزياً»، وفق الوزارة التي أضافت، أن الدنمارك رفضت التعاون مع قوانين الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.
وقالت أثينا إنها سمحت أيضاً للمنتجين الدنماركيين بتصنيع جبن مماثل للفيتا وتصديره إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي. وتعد جبن الفيتا من بين عدد من الأطعمة والمشروبات الخاصة بمناطق معينة التي تحاول الدول الأوروبية الحفاظ على أصل المنشأ. وفي عام 2005، ألغت محكمة العدل الأوروبية استئنافاً قدمته ألمانيا والدنمارك بدعم من فرنسا وبريطانيا بشأن حق منتجيها في الاستمرار في استخدام اسم الفيتا لأجبانهما البيضاء المغطاة بمحلول ملحي.
وإذا نظرنا إلى قصة «الفيتا» التي تصنع فقط من ألبان النعاج والماعز في اليونان، فقد مرت بمراحل صعبة كثيرة، حيث دخلت هذا الاسم المحاكم العادية والأوروبية قبل سنوات، لإثبات أبوته بعد أن اختلفت بعض الدول مع اليونان على مشاركتها في هذا الاسم، لكن اليونان انتصرت في آخر حكم محكمة قبل سنوات عدة، وكسبت الدعوى المرفوعة ضدها من قبل كل من الدنمارك وألمانيا في معركة أبوة جبنة «فيتا»، وقد جاءت توصية النائب العام الأوروبي وقتذاك إلى المحكمة الأوروبية برفض الدعوى المقدمة ضد اليونان، من قبل الدول التي طالبت بانتهاء احتكار اليونان لاسم الجبنة البيضاء المعروفة باسمها اليوناني «فيتا». لكن يبدو أن الخلاف اشتعل مرة أخرى.
وقد أجمع الكثيرون، على أن مصطلح «فيتا» لا يمكن أن يستعمل اسماً مشاعاً للجميع، ولا بد أن يعامل بصفته مصطلحاً تقليدياً لهذا النوع من الجبنة المنتجة في اليونان، وأن هذا الاسم حالياً يرتبط بدرجة كبيرة بتاريخ اليونان، حيث يرجع تاريخ إنتاج اليونان لهذا النوع من الجبن باسم «فيتا» منذ ستة آلاف عام.
وكان قد أثار قرار اتخذته اللجنة الاقتصادية للبرلمان الأوروبي قبل سنوات بإعطاء اليونان الحق الحصري في استخدام تسمية «فيتا» كعلامة تجارية لتسويق الجبنة البيضاء المصنوعة من حليب النعاج أو الماعز. ثورة في أوساط صانعي الأجبان في المجموعة الأوروبية، ويرى صانعو الجبنة الفرنسيون أن القرار الأوروبي يفتح الباب أمام نزاع لا نهاية له؛ إذ سيطالب الإيطاليون بحصر إنتاج جبنة «الموزاريلا» بهم، وجبنة «تشيدر» بالإنجليز، و«غودا» بالهولنديين، و«إيمانتال» بالسويسريين، و«كامومبير» بالفرنسيين.
وكانت فرنسا، وهي من الدول الأكثر تضرراً من قرار احتكار اليونان الاسم، قد نشرت حينها إعلانات مدفوعة في وسائل الإعلام المختلفة موجهة إلى نقابات مربي النعاج والماعز والأبقار، لمطالبة الحكومة بالاعتراض على القرار الأوروبي والسعي لإلغائه.
وقد بدأت معركة اسم «فيتا» منذ عام 2002 عندما طلبت ألمانيا والدنمارك من المحكمة الأوروبية إلغاء القانون الصادر بحق امتلاك اليونان للاسم، حيث يحرم هذا القرار الآلاف من أصحاب مصانع الجبنة دول الاتحاد الأوروبي من تسويق هذا النوع من الجبنة تحت علامة «فيتا».
كما يرى الفرنسيون، أن خروجهم من حلبة «فيتا» سيفتح أسواق البلاد أمام الأميركيين والنيوزيلنديين والأتراك الذين لا يخضعون للاتفاقية الاقتصادية الأوروبية. كما سيسبب خسائر لهم باعتبارهم ينتجون 12 ألف طن من هذه الجبنة في السنة، عدا الخسائر الفادحة التي ستلحق بنظرائهم في ألمانيا والدنمارك.
وفي لقاءات لـ«الشرق الأوسط» مع عدد من أصحاب مصانع تصنيع الجبنة في اليونان، تبين أن اللبن الذي تصنع منه هذه الجبنة وطعمه ورائحته ونوعية المراعي التي تنمو فيها الماعز والنعاج والجو المعتدل لليونان يلعب دوراً كبيراً في مذاق هذه الجبنة؛ ولذا يرجع الفضل في ذلك للمراعي الطبيعية في الجبال اليونانية، كما أن كل نوع من التصنيع يكتسب طعماً ومذاقاً معينين، حيث هناك الجبة التي تصنع وتحفظ في صفائح معدنية، وأخرى في عبوات خشبية، أو براميل سواء بلاستيكية أو خشبية.
وإذا نظرنا إلى أسعار هذه الجبنة في اليونان فهي مرتفعة جداً قياساً إلى الدخل المادي للأسرة، فيتراوح سعر كيلو الجبنة البراميلي من 12 يورو وأكثر، وهو أحسن وأفضل أنواع الجبنة، ويأتي في المرحلة الثانية الجبنة التي تصنع في عبوات معدنية وتتراوح بين 9 و10 يورو للكيلو، بينما أقل من ذلك يكون سعر تلك الجبنة اللزجة والخالية من الملح.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».